الاستثناء من التنمية

في إجابتهما على سؤال لماذا تفشل الأمم؟ يجد دارغون اسيموغلو وجيمس أ. روبنسن أن فشل الأمم أو تقدمها يقوم على المؤسسية التي تعمل وفقها الدولة؛ إذا كانت المؤسسات الاقتصادية والسياسية القائمة تعود بالفائدة على فئة قليلة في المجتمع، أو تنهض بمستوى المعيشة والخدمات والفرص الاقتصادية والاجتماعية لجميع المواطنين.اضافة اعلان
في الدول الناجحة يجري تداول السلطة السياسية، سلميا ويشارك في صياغتها جميع المواطنين، ويطبق القانون بعدالة وشمول بلا استثناء ويسود اقتصاد السوق الشامل، وفي الدول الفاشلة تتركز السلطة بيد فئة قليلة، وتدار الحوافز والفرص لصالح هذه الفئة فقط، وإذا حدث نمو اقتصادي فلا يستفيد منه أغلب المواطنين.
ويمكن الربط ببساطة بين انخفاض مستوى التعليم وبين المستوى الاقتصادي وكفاءة المؤسسات، فالأسواق الفاشلة والمحدودة تؤدي أيضا إلى فشل في بناء المواهب واستقطابها، ومن الواضح أن هناك علاقة وثيقة بين التعددية والمؤسسات الاقتصادية الناجحة. وفي المقابل فإن المؤسسات السياسية الفاشلة تعمل لصالح فئة محدودة، وتقيم الحواجز وتقمع أداء السوق والمجتمعات، نظام العبودية والسخرة على سبيل المثال كانت تحميه مؤسسات سياسية قمعية، واليوم فإن الحالة نفسها أو قريبا منها يمكن ملاحظتها في أداء النخب الفئوية والمهيمنة في أنحاء واسعة من العالم، والذين تتشكل مصالحهم حول الواقع الفاسد، .. وتدور حلقة شريرة لصنع الفشل وحمايته.
التقدم والازدهار ينشآن في بيئة من المعرفة والاستخدام المتراكم للتقنية والسلع والمنتجات المختلفة؛ ما ينشئ أفكارا خلاقة جديدة، وفي ظل العدالة والرضا تتشكل الحوافز وتقل العوائق أيضا أمام المبادرات والمتفوقين والموهوبين، ويكون دور الدولة في إطلاق وتطوير هذا الإبداع بترسيخ الديمقراطية والعدالة والتشريعات الاقتصادية الملائمة لتنظيم الأعمال والملكية، ولكن الدستور والقوانين الديمقراطية نظريا لا تكفي إذا لم تتحول إلى واقع، ومن غير توزيع عادل وملائم للسلطة السياسية في المجموعات، وتمكين المجموعات المختلفة من المشاركة لتحقيق أهدافهم ومصالحهم.
ومن الحلول التي قدمت لمواجهة الفشل الاقتصادي تحسين أنظمة التعليم والرعاية الصحية وطرق تنظيم الأسواق، وقد يبدو ذلك صحيحا ومنطقيا ولكن في ظل تجاهل الفقر وأسبابه فإنها أنظمة لن تعمل جيدا، ففي هذا التدخل القسري أو الهندسي لتحسين التعليم والصحة تتعرض الأنظمة لعدم الثقة والترهل، وقد يفضّل عليها حتى الفقراء القطاع الخاص أو غير المنظم، وليس ذلك بالضرورة سلوكا غير عقلاني ولكن لأن الناس غير قادرين على الحصول على الخدمات الحكومية أو الاستفادة من مرافقها بسبب الفساد ونقص الكفاءة لدى مقدمي الخدمات، فعلى سبيل المثال فإن مرافق الرعاية الصحية تكون مغلقة معظم الوقت أو لا يوجد فيها أطباء وممرضون، وفي الوقت نفسه فإن مبالغ كبيرة تنفق لتشغيل المرافق كاستئجار المباني وفواتير الماء والكهرباء وثمن الدواء (الذي لا يكون في العادة متوافرا)،.. وكل ما بذل لمتابعة حضور الأطباء والممرضين والموظفين كان ينشئ حلولا فاسدة جديدة.
«الجميع» هي كلمة السر، فجميع قصص وحالات النجاح والانجاز في الدول والمجتمعات تتحول إلى العمل ضد نفسها إذا لم تكن ضمن بيئة عمل وتنمية تشمل جميع المواطنين، وجميع الفئات وجميع المدن، هذه الـ «جميع» هي كلمة السر في التنمية وليس قصص ونماذج التقدم التي تعرض في التعليم أو الصحة أو الاستثمار والعمل أو الإبداع،.. أو قل ما شئت من حالات ونماذج. فأن يكون «الجميع» مشمولا ببرامج التنمية والخدمات الأساسية يعني المساواة والرضا الاجتماعي وتقليل الفجوة وقدرة أفضل على الانتماء والمشاركة ومواجهة الجريمة واستهداف عدم المساواة والفئات المتضررة وغير المستفيدة من الإنفاق العام والخدمات الأساسية مثل جيوب الفقر وفئات محددة من والمواطنين مثل النساء والأطفال وكبار السن والمرضى والمعوقين واللاجئين والعمال الوافدين.