الحرب البرية.. تأجيل مبرمج أم هروب من وحل غزة؟

كان من الممكن أن تكون الحرب البرية التي تلوح إسرائيل بشنها على قطاع غزة مجرد مواجهة عادية، لولا الأهداف المتشددة التي حددها نتنياهو، ووافق عليها بايدن، ولولا عمليات الحشد التي تقاسمتها كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وانحازت لها كامل أوروبا والدول الغربية.

اضافة اعلان


فبينما تصورها تل أبيب ـ ضمنا ـ بأنها مثل” يوم القيامة”، هناك من يقرأ المشهد من زاوية أخرى، حيث تمتلك تل أبيب ـ وفقا للمشهد ـ قوة هائلة مدعومة بترسانة نووية ـ لا تستطيع استخدامها لطبيعة المكان ـ، وبحاملات طائرات أميركية، وقوات نخبة وعتاد أممي من كل مخازن الدول الغربية التي فتحت من أجل” عيون إسرائيل” تمتلك حركة حماس إرادة قوية، وأرضا تعلم كل تفاصيلها جيدا، وأنفاقا تحت الأرض أشبه بمدن كاملة، وشرعية للزمان والمكان. والأهم من ذلك بنية تحتية زادها التدمير ميزات صالحة للاختباء وكشف العدو والتعامل معه بما تتطلبه الحالة وشعبا اعتاد على أجواء الحرب وزادته عمليات الإبادة الجماعية عزما وتصميما على المواجهة مهما ساءت الظروف.                 


تلك الصورة كانت مدار جدل على مختلف المستويات التحليلية، وما بين الفرقاء في الصف الإسرائيلي الذي بات مختلفا عما كان عليه في مرحلة ما قبل السابع من أكتوبر، حيث شهدت الساحة الإسرائيلية خلافا شديدا حول كم التفاصيل التي تشكل ذلك المشهد. وبما يحمل نتنياهو وفريقه الوزاري المسؤولية كاملة عما آلت إليه الأمور، وبما يرتقي إلى المطالبة بمحاكمته وعزله وقبل ذلك اتهامه بعدم الاهتمام بملف المحتجزين.


الجديد في هذا الملف أن من كان يستعجل إطلاق عملية الاجتياح وبدء الحرب البرية هو من وافق على تأجيلها، تحت ذرائع أولها الحالة الجوية، وثانيها رغبة الولايات المتحدة بالمزيد من الوقت من أجل استكمال حشد ما تحتاجه من قوات إلى المنطقة ولاستكمال جهوزيتها. الأمر الذي كشف بما لا يدعو مجالا للشك بأن الولايات المتحدة شريك فعلي في تلك الحرب، ودفعها إلى مواجهة كم كبير من الاحتجاجات المحلية والانتقادات الدولية.


فبدلا من الصورة التي قدمها بايدن حول انحياز واشنطن لإسرائيل وتبنيها للموقف الإسرائيلي كاملا وتقديمها كل ما تطلب من دعم ، وإرسالها حاملة طائرات وفرقة من الخبراء في مجالي الاستخبارات والتعامل مع الرهائن، إلى شريك كامل في تلك الحرب والحديث عن فوز مؤكد ينهي حركة حماس، ويخرجها من” اللعبة”.


وبعيدا عن تفاصيل المشهد المتعلق بالمواجهات التي قيل أنها تمهد لتلك الحرب البرية، يبدو التوقف ضروريا عند التطورات الأخيرة المتمثلة بقرار تأجيل تلك الحرب.

 

وما يدور حول ذلك القرار من تساؤلات أبرزها ما إذا كانت الرغبة الأميركية هي السبب الرئيسي بتأجيل موعد الاجتياح أم أن وراء الأكمة ما وراءها. 


وما إذا كانت رغبة بايدن هي السبب الذي دفعه إلى طلب التأجيل مع أنه كان يسابق الزمن للوصول إلى المرحلة التي يعتقد أنها تخدمه انتخابيا. ويتشارك مع نتنياهو ذلك السباق ظنا بأنها تساعده في الحفاظ على حكومته التي باتت على وشك الانهيار.                                   

                                                                            بالنسبة لتبريرات بايدن قد تبدو صحيحة، لجهة خشيته من اتساع دائرة الاعتداءات على القوات الأميركية في مناطق متعددة، ومنها القوات المتواجدة في قواعد داخل العراق. حيث تعرضت تلك القوات إلى هجمات من قبل ميليشيات يعتقد أنها مدعومة من إيران. والخشية من ان تتعرض قواعد أخرى يشغلها الجيش الأميركي لمثل تلك الهجمات، مستندا إلى ما قام به الحوثيون من إطلاق مسيرات لضرب مواقع إسرائيلية، واعتراض البحرية الأميركية لها قبل وصولها إلى أهدافها. وإلى هجمات على مواقع مماثلة في العراق.


وكذلك الخشية من اتساع دائرة الحشد الدولي في المنطقة، حيث أشارت تقارير إلى قيام الصين بإرسال سبع سفن حربية إلى البحر الأبيض المتوسط، هو ما نفته بيجين لاحقا، مع إشارة بأن بحريتها موجودة بشكل دائم في البحر المتوسط.


ويبدو أن التواجد العسكري الدولي في البحر المتوسط كان سببا مهما في طلب بايدن التأجيل، فقد أشارت تقارير الى أن من بين أقوى الأساطيل المتواجدة في المتوسط مصر وتركيا والجزائر، وتقدر بمئات القطع البحرية.  فالمعلومات المتسربة من مطابخ الأطراف المعنية ترى أن مثل هذا التواجد قد يشكل خطرا على الولايات المتحدة في مرحلة ما من الحرب البرية ـ إن حدثت ـ . وأنه لا بد من التحوط بحشد قوات كافية لحماية القواعد الأميركية في المنطقة، ومراقبة إيران، وحماية المشاركة الأميركية وتعزيزها.


كما أن الاحتجاجات الداخلية والتي وصلت إلى داخل الحزب الديمقراطي، وإلى مجلس النواب نفسه، فقد كانت ذات تأثير لا يمكن للرئيس بايدن إغفاله.
أما النقطة الأهم فتتمثل بالخلافات الداخلية في “ الكابينيت” الإسرائيلي، فوفقا لتقارير عسكرية واستراتيجية فإن عملية الاجتياح تشكل مغامرة غير محسوبة. وتنصح التقارير باستغلال التغيرات في المواقف الدولية من أجل تسييس الملف، والتركيز على قضية المختطفين، والاهتمام بالأبعاد الإنسانية، دون التخلي عن الحرب البرية كورقة يمكن من خلالها الضغط على كافة الأطراف.   

 

                                                                                  ومن بين تلك التقارير ما أعده الجنرال احتياط يتسحاق بريك أحد القادة العسكريين القدماء والذي التقى نتنياهو وأطلعه على تفاصيل وقراءات قيل أنها كانت السبب في موافقته على تأجيل الحرب البرية . فقد وصف التقرير الحرب البرية بأنها أشبه بالغوص في الوحل وأنها لن تكون في صالح إسرائيل بحكم خسائرها الكبيرة المتوقعة، وصعوبة إنهاء حماس كعقيدة وفكرة. وأن العديد من التجارب التي أجراها الجيش لجس النبض فيما يخص الاجتياح قد أوصلت إلى نفس النتيجة.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا