الحماية الاجتماعية: حجر الزاوية للإصلاح الاقتصادي المنشود

يعد تعزيز منظومة الحماية الاجتماعية في أي دولة من أكثر الأهداف أهمية، باعتبارها قاطرة الاستقرار الاجتماعي، وبالتالي الاقتصادي والسياسي، لذلك تقيم الحكومات بمقدار ما أنجزته في مجالات الحماية الاجتماعية.

اضافة اعلان


ولأن مفهوم الحماية الاجتماعية يختلف باختلاف المدارس الفكرية والاقتصادية، نشير إلى أن المفهوم الأكثر شمولية لها والمستند إلى مبادئ حقوق الإنسان ومعايير العدالة والإنصاف، جاء في مبادرة "أرضيات الحماية الاجتماعية" التي تبنتها منظمة العمل الدولية قبل نحو عشر سنوات، وشكلت الأساس الذي يمكن للحكومات الاستناد إليها في إعادة تصميم نظم الحماية الاجتماعية بحيث تكون شاملة ومنصفة وعادلة ومستدامة.


وبدون الخوض في تفاصيل ملامح النموذج الذي وفرته "أرضيات الحماية الاجتماعية"، التي تشكل مجموعة متكاملة من السياسات الاجتماعية المصممة لضمان حد أدنى من الحماية الاجتماعية لجميع الأفراد، وتهدف إلى ضمان حصول الجميع، بغض النظر عن دخلهم أو وضعهم الوظيفي، على الخدمات الأساسية والدعم المالي. ويشمل ذلك الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية والتعليم وضمان الدخل لكبار السن والأطفال وضمان دخل كاف للسكان في سن العمل وتوفير الحدود الدنيا من معايير الضمان الاجتماعي المتوافق عليها دوليا.


وهذا التصور للحماية الاجتماعية لم ينشأ اعتباطا، وإنما يقوم على أسس منطقية تبنتها الأمم المتحدة استنادا للتجارب العالمية، وتتمثل في أن الحماية الاجتماعية مفتاح الحفاظ على الكرامة الإنسانية، وهي حق من حقوق الإنسان، وأن الحماية الاجتماعية تشكل مدخلا أساسيا لتعزيز استقرار واستدامة الاقتصادات الوطنية، وخاصة تحفيز الطلب، وتحديدا أثناء فترات التباطؤ والركود الاقتصادي، وهي تعزز التماسك الاجتماعي والاستقرار وتلعب دورا أساسيا في الحد من التفاوتات الاجتماعية ومنع الاضطرابات المحتملة، حيث يشعر الناس بأن احتياجاتهم الأساسية مضمونة، وأنهم محميون من صدمات الحياة.


ولأنه لا يوجد نموذج واحد يلائم جميع الدول للحماية الاجتماعية، فالأساس أن يتضمن أي نموذج العناصر الأساسية المتوافق عليها، تم في الأردن تطوير الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية للأعوام 2019 – 2025، وكان المطلوب من الحكومات الاسترشاد بها عند تطوير السياسات الاقتصادية.


نشير إلى ذلك، لأن الإستراتيجية المذكورة التي طالب رئيس الوزراء بمراجعتها مع الأخذ بالاعتبار رؤية التحديث الاقتصادي، كانت خطوة واسعة باتجاه الاقتراب من التصور الذي رسمته توصية منظمة العمل الدولية حول أرضيات الحماية الاجتماعية. حيث ارتكزت الإستراتيجية على ثلاثة محاور أساسية تمثلت في: العمل اللائق والضمان الاجتماعي، والمساعدات الاجتماعية، والخدمات الاجتماعية.


وفي الوقت الذي تم التوسع في محور المساعدات الاجتماعية، من خلال الزيادات الملموسة في موازنة صندوق المعونة الوطنية بسبب ازدياد أعداد الفقراء، فإن المحورين الآخرين تراجعا بشكل واضح، ليس فقط بقوة الواقع والظروف، وإنما بسبب تطبيق سياسات حكومية عملت باتجاه معاكس لما جاء في الإستراتيجية.


نقول سياسات معاكسة، لأن الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية طالبت الحكومة بضمان سوق عمل منصف وعادل يعتمد ظروف عمل لائق، بما في ذلك الضمان الاجتماعي، وحد أدنى للأجور يتلاءم مع مستويات المعيشة، والموائمة بين شروط العمل في القطاعين العام والخاص. والواقع أن الحكومة حرمت فئة الشباب الذين يدخلون سوق العمل لأول مرة من بعض خدمات الضمان الاجتماعي حتى سن الثلاثين، ورفضت رفع الحد الأدنى للأجور المتوافق عليه باللجنة الثلاثية، ولم تقم بأي جهد باتجاه مساواة شروط العمل بين القطاعين العام والخاص. إلى جانب ذلك، ارتفعت معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة، خلال السنوات القليلة الماضية.


كذلك، ما تزال جودة الخدمات العامة في إطار الرعاية الصحية والتعليم، على حالها، والإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية تلزم الحكومة بتقديم خدمات أساسية شاملة وعالية الجودة في قطاعات التعليم والصحة.


خلاصة القول؛ إن تعزيز الحماية الاجتماعية بأبعادها المختلفة هو حجر الزاوية لأي جهود نحو تعزيز الاقتصاد الوطني وإصلاحه، وعلينا أن نعترف أننا لم ننجز الكثير من أهداف الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية، التي تبقى على انتهاء مدتها سنة وأربعة أشهر من أصل سبع سنوات.


صحيح أن تداعيات جائحة كورونا وضعت عراقيل أمام العمل على تحقيق أهدافها، ولكن المعوق الأساسي يتمثل في أن غالبية السياسات الحكومية تعمل باتجاه معاكس لأهداف الإستراتيجية ومؤشراتها.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا