السلامة المرورية والمجلس الأعلى!

عنوانان رئيسيان لمشروع قانون معدل لقانون السير أقرت أسبابه الموجبة الأسبوع الماضي، وأرسل إلى ديوان التشريع والرأي لوضع تفاصيله وإعادته إلى مجلس الوزراء للسير في إجراءات إقراره. 

اضافة اعلان


العنوان الأول، تشديد العقوبات على المخالفين ومكرري مخالفات قواعد السلامة المرورية التي تشكل خطرا على مستخدمي الطريق والممتلكات العامة والخاصة. والثاني تشكيل مجلس أعلى للسلامة المرورية. 


وبحسب معلومات تم الكشف عنها لاحقا، سيتشكل المجلس الأعلى للسلامة المرورية من ممثلين عن جميع الجهات ذات العلاقة بموضوع السير والنقل والسلامة على الطرق. وستكون مهمته تنسيقية بين الجهات المعنية بهدف الحد من حوادث الطرق التي تتزايد كما ونوعا، وتزيد أضرارها على الأرواح والممتلكات وتتسبب بخسائر كبيرة على اقتصادنا الوطني. حيث بلغ عدد الوفيات الناجمة عن حوادث السير في الأردن خلال العام الماضي 562 وفاة، نتيجة لوقوع 170 ألف حادث سير. أما في العام الحالي، فقد تم تسجيل 220 حالة وفاة بسبب حوادث السير.


المدقق في أرقام الحوادث يتوقف عند حقيقة تتمثل بارتفاع الخسائر البشرية والمادية الناجمة عنها. أما التدقيق في الإجراءات فيخلص إلى ثغرات في الإجراءات المتخذة. وبالتالي فالحاجة ماسة للخروج بحلول غير تقليدية للتعامل مع هذا الملف بعد أن جربنا رفع العقوبات وقيمة المخالفات لأكثر من مرة، دون أن نلمس تحسنا يوازي تلك الإجراءات. الأمر الذي يضعنا في خانة عدم التفاؤل بالمشروع الجديد فيما إذا اقتصر على رفع العقوبات وقيمة المخالفات وتأسيس مجلس أعلى للسلامة المرورية.


فتجاربنا مع المجالس العليا غير مشجعة، ولدينا الكثير من تلك المجالس المتخصصة والتي لا تجتمع إلا نادرا بحكم طبيعة تشكيلتها، وبسبب خروج الكثير من المواضيع التفصيلية المهمة عن اختصاصها الفعلي. ودخولها في مجال الروتين الحكومي تبعا لما تعانيه الدوائر التي يمثلها.


فعناصر العملية المرورية هي الطريق والإنسان والمركبة. ولكل واحد من هذه العناصر تعقيداته التي تحتاج إلى دراسات معمقة، وإلى إجراءات تمتد ما بين البيت والمدرسة والجامعة والعديد من المؤسسات الرسمية والتجارية والرقابية وغيرها. وتخضع في مجملها الى شح الإيرادات من جهة، والمزاج العام من جهة أخرى. 


فالعديد من شوارعنا تعاني من قلة الصيانة الدورية، وبعضها بحاجة إلى البناء من جديد مع شح الإمكانات المادية. والكثير من السيارات التي تسير على تلك الشوارع متآكلة، ولا يملك أصحابها ما يعينهم على إجراء الصيانة اللازمة لها. أما فيما إذا أجرى البعض منهم الصيانة اللازمة لها فالقطع الأصلية يتحكم الوكلاء بأسعارها وتكون كلفتها كبيرة ولا يستطيع الغالبية العظمى شراءها. والإطارات غالية الثمن، ما يضطر غير المقتدرين إلى شراء أنواع رديئة، أو مستعملة أو حتى” مضروبة” بسبب سوء التخزين أو الشحن طمعا بسعر أقل. 


والأهم من ذلك ما يتعلق بالتربية المرورية الغائبة، حيث يفضل البعض ممارساتهم الخارجة عن أنظمة السير وفقا لما يعتقدون انه مصلحة آنية لهم. ويشعر من يحترم الشارع وأنظمة المرور وكأنه غريب وسط هذا الموج المتلاطم من السيارات التي تغص بها الشوارع، التي وصل عددها إلى أكثر من 2.2 مليون مركبة مسجلة. 


ومن يدقق في شوارعنا يتوقف عند ممارسات لا تدل على أي قدر من الاحترام للشارع. وإلى ما يشبه المشاجرات اللفظية التي يمكن أن تتطور إلى ما هو أبعد من ذلك بين السائقين.


ومع أن مشكلة حوادث السير تكاد تكون عالمية وفقا لما أكدته منظمة الصحة العالمية في آخر تقرير لها إلا أن تفكيك تلك المشكلة والتخفيف منها لا بد وأن يدخل في تفاصيل كثيرة أبرزها توفير الطريق الآمن، وإلزام العامة على احترام الشارع، وإلزام التجار بتوفير القطع بأسعار مناسبة ومنع استيراد الأنواع الرديئة من القطع التي تتسبب في رفع عدد الحوادث والتركيز على الصيانة عند الترخيص وتحديد أعمار للسيارات. 


أما الأهم من ذلك كله وعلى الرغم من صعوبته الظاهرية، فيتعلق بوضع خطة لتدريب الناس على كيفية التعامل مع الطرق، وحرمة الشوارع واحترام القانون، وتنظيم الرقابة على كل خروج عن تلك الضوابط مع تشديد العقوبات على المخالفات بشكل عام والمخالفات القاتلة بشكل خاص. فآخر التقارير تشير إلى أن 99 بالمائة من الحوادث سببها الإنسان. والمشاهدات العادية تؤكد أن المشكلة الرئيسية تتمثل بعدم احترام الشارع. 

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا