الصحف الورقية.. أولوية!

في ظل الحديث المتزايد عن الصحف الورقية، لابد من توضيح بعض النقاط التي لا يمكن إسقاطها من نقاش يطال دور وحضور هذه الصحف في المشهد الإعلامي.اضافة اعلان
لم يكن الدور الذي تلعبه الصحف الورقية عاديا أو هامشيا. الصحف التي تضم خبرات أهم الصحفيين والكتاب كانت وما تزال عنواناً وطنياً مهماً ورسالة تنويرية تواكب وتؤرخ وتوثق لتاريخ الدولة على مدار السنين.
ولسنا بحاجة لكثير من الجهد لنستذكر الحضور البارز والدور المهم الذي لعبته هذه الصحف في أهم القضايا الوطنية والمفصلية، مواكبة لكافة الإجراءات الحكومية، وحتى في اللحظات والمحطات المصيرية لعبت الصحف دورها الوطني بامتياز، مناصرة لهموم المواطن، ومحافظة على دورها الأصيل كمنابر وطنية قادرة على إيصال صوت الشارع لأصحاب القرار وخلق حالة التوازن بين الحكومة والمواطن، ليبقى هذا النموذج المتناغم نموذجاً أردنياً خالصاً في بلد يشكل فيه التفاعل الإيجابي أساساً للأمن والاستقرار.
إن ميزة الأسطر التي تخطها يدا الصحفي، نتاج لتجربة فريدة وخبرة تراكمية، مستمدة من عمل متواصل في الميدان وقرب من الناس وهمومهم لينطق هذا القلم بصوتهم، ومذكراً بحاجاتهم ومقاتلاً عن مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص.
نعم، قد تكون الصحف الورقية مهددة بالغياب، مع تطور التكنولوجيا، إلا أننا يجب أن ندرك أن التطور لا يعني إلغاء هوية، أو شطب تاريخ، فلم تستطع الآلة الكاتبة أن تلغي وجود القلم. فالصحيفة الورقية التي ينتظرها الناس في كل صباح، هي تعبير عن طقوس يومية وعلاقة قديمة متجددة، يطل عبرها القارئ على تفاصيل خفية، وزوايا متعددة منها ما هو مصدر للفرح ومنها ما قد يجلب بعض الألم.
إذاً، وفي ظل أزمة فيروس كورونا التي باتت تعصف بالعالم، هل تكون الصحف الورقية إحدى ضحاياه؟ خصوصاً أن هذه الصحف طالها حظر عُرف موعد بدايته ولم تحدد الى الآن نهايته!
مع العالم الجديد، وعلى أهمية مئات المواقع الإلكترونية التي تجذب فئات عديدة، تحديدا الشباب؛ تبقى الصحيفة الورقية مرجعية أساسية، لصحة الخبر في زمن انتشار الإشاعة، وقيمة كبيرة للمعلومة وتفاصيلها التي تُصاغ بطريقة مهنية وموضوعية تجعلها مطلب كل من يبحث عن الحقيقة والكلمة الحرة المسؤولة.
من الإنصاف أيضاً أن نؤكد الدور الريادي الذي لعبته إدارات الصحف في مواكبة التطور التكنولوجي والتناغم مع العالم الرقمي الذي أوجد مواقع إلكترونية موازية للصحيفة الورقية ومنفصلة بالوقت نفسه في متابعة التطورات المتسارعة، مع ضمان معايير عالية قادرة على جذب قطاع واسع مهتم بمتابعة كل ما هو حديث وجديد في عالم الإعلام، مع ذلك هناك شريحة كبيرة لا ترغب إلا بالصحيفة الورقية، وتجد حاجتها بين صفحاتها والأقلام المفضلة لديها.
منذ انتشار وباء كورونا وإعلان الحكومة عن إغلاق غالبية المنشآت والمؤسسات والشركات والاعتماد على العمل عن بعد في القطاعات التي تستدعي ذلك، أظهر العاملون في الصحف الورقية جهداً نوعياً وتكيفاً مميزاً في العمل بكل الأوقات من المكاتب والميدان والبيوت لتقديم وجبة متكاملة للقارئ، والوقوف جنبا إلى جنب مع الإجراءات التي تقوم بها الدولة لحماية كل مواطن من الفيروس.
وهنا من حقي أن أخصص الحديث عن صحيفتي وبيتي "الغد" التي لم تتوان يوما عن دورها وواجبها الوطني، كمرآة المواطن، وناقل أمين لكل قضاياه التي تتبناها صفحاتها وتضعها بين يدي المسؤولين وأصحاب القرار.
كل زميلة وزميل، وبالرغم من الصعوبات الكبيرة التي لحقت بهم مع تغيرات طالت كافة مجريات الحياة؛ كان لأقلامهم بصمة واضحة بإيصال الحقيقة والوقوف كتفا الى كتف مع الحكومة لتمارس دورا وطنيا توعويا تجاه المجتمع بأكمله لاحتواء الفيروس الخطير وعبور هذه المرحلة الحساسة بخير وسلام.
لكن، لا يمكن أن ننكر أننا جميعاً؛ صحفيين وإعلاميين وكتابا، يوازي قدر اشتياقنا لعودة صدور صحفنا الورقية من جديد بعد هذه الأزمة الصعبة؛ خوفنا على استمرارية باتت مهددة ومحفوفة بالمخاطر، في وقت تحتاج فيه الصحف لدعم يعيد لها الألق من جديد.
الصحف الورقية من أكثر القطاعات التي تضررت مع أزمة كورونا، فمنذ وقف صدور الصفحات الورقية توقفت مداخيلها بشكل كامل، ومع ذلك استمرت بتقديم رسالتها الوطنية على أكمل وجه في مواجهة أزمة هذه الوباء.
إن دعم الصحف الورقية مصلحة وطنية كبرى، وننتظر من الحكومة التي أوقفت طباعتها، أن تنظر بعين الإنصاف وتقوم بواجبها تجاه صروح إعلامية قدمت وما تزال تقدم الكثير.
ستبقى الصحف الورقية انعكاسا لهوية الوطن، وحضارته، أرشفت أهم المحطات والأحداث المفصلية التاريخية، حاملة معها رسالة سامية، وصوت كل مواطن، لتبقى دائما على العهد بتقديم مضمون راق وهادف ومؤثر.
لهذا، فإن إنقاذ الصحف الورقة من أزمتها المالية لا يحتمل التأجيل، وتعزيز بقائها ينبغي أن يكون أولوية الحكومة لكي تبقى عنواناً لا يغيب، ونبضاً مستمراً في حياة الأردنيين!