الموقف مثلما ينبغي أن يفهم!

على مدى سنوات طويلة عشناها ونحن ننتقل من حرب إلى حرب، ومن أزمة إلى أزمة في محيطنا العربي والإقليمي من دون وصف دقيق لطبيعة الأحداث وتطورها، والقدرة على قراءتها في حينها، ولا بعد انتهائها، وذلك في غمرة حالة الانفعالية التي يصعب معها إعمال العقل، والتفكير الموضوعي، خوفا من التفسيرات الخاطئة، والمزايدات الكلامية، وغيرها من المحاذير الأخرى!

اضافة اعلان


الفارق كبير بين التعبير عن الموقف حين يكون شخصيا نابعا من فهم أعمق لما هو سائد، وبين أن يكون موقف دولة قائم على منظومة من المبادئ والثوابت، والحسابات الدقيقة، والتحليل الإستراتيجي للوقائع والحقائق والمعلومات والتوقعات، فالتعبير عن هذا الموقف يصبح واجبا وطنيا، فضلا عن كونة ضرورة لمواجهة محاولات التشويه، والاجندات المشبوهة التي تستهدف الدولة نفسها لإضعاف موقفها، أو التقليل من دورها في التصدي للتحديات المباشرة وغير المباشرة.


نتابع منذ فترة محاولات من هذا النوع تستهدف الموقف الأردني المحصن بحالة التماهي على المستويين الرسمي والشعبي، بالرغم من أن موقفه كان واضحا وصارما قبل وبعد السابع من أكتوبر، والذي يقوم أساسا على أن إنكار الكيان الصهيوني للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وسياسات اليمين المتطرف الذي يقوده بنيامين نتياهو ستؤدي حتما إلى انفجار الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية، وإلى تهديد أمن واستقرار المنطقة كلها، وفي الحقيقة أنا هذا ما حدث بالفعل، وعلى ذلك فإن الركيزة الأولى في هذا الموقف تقوم على أن القيادة في إسرائيل هي التي تتحمل وحدها المسؤولية الكاملة عن الوضع الراهن، وأنها هي مصدر التهديد للأمن الإقليمي والدولي، وكل ما يمكن أن يسفرعن ذلك من نتائج!


الركيزة الثانية للموقف الأردني الذي عبر عنه جلالة الملك بقوة وصراحة تامة في كل اللقاءات الثنائية والجماعية، وفي المحافل العربية والإسلامية والدولية تقوم على التحذير من خطورة تعطيل الشرعية الدولية، والاستخفاف بقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنظماتها المتخصصة، وبالقوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي انتهكتها إسرائيل جميعها بشكل صارخ في حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة، وبالتالي تحميل دول العالم وقادتها المسؤولية القانونية والأخلاقية تجاه هذه الجريمة النكراء التي يسفر عنها كل يوم قتل وجرح المئات من أهل قطاع غزة وتدميره من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه بشكل يومي.


الركيزة الثالثة لهذا الموقف تقوم على التصدي لأي شكل من أشكال تهجير الشعب الفلسطيني ورفض أي محاولة للفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية كوحدة واحدة تتشكل منها الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، وفق حل الدولتين الذي أصبحت جميع الأطراف تتحدث عنه الآن بعد أن كان موقفا تمسك به جلالة الملك في أصعب الظروف وأعقدها، بسبب تراجع الاهتمام بتلك القضية، والاعتقاد الذي ساد في السنوات الأخيرة بإمكانية تجاوز تلك الحقوق من خلال إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية بطريقة أخرى!


لا يحتاج الأردن الذي يتبنى الدفاع عن القضية الفلسطينية على مدى مائة عام أن يبتدع موقفا إضافيا لموقفه الذي سيكون مرجعيا في نهاية المطاف، وفي اللحظة الحاسمة التي سيعرف فيها العالم أن الأردن وضع أمام الجميع الأسس التي يتحقق السلام العادل والدائم بناء عليها ليس على شكل مبادئ ومثل عليا، وإنما كحقائق لا يمكن تجاوزها أو التحايل عليها، أما إذا كانت الأطراف المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر ذاهبة إلى ما هو أسوأ فذلك شأنها، فالأردن شريك فاعل عندما يكون الهدف هو تحقيق أمن واستقرار وخير المنطقة وشعوبها، وليس بإمكانه أن يكون شريكا في الشر، لا من قريب ولا من بعيد.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا