اليقظة والمرونة في الحلول

سامح المحاريق يقول الخبير الاقتصادي العالمي محمد العريان الذي ترأس سابقاً مجلس التنمية الدولية للرئيس باراك أوباما، أن العالم بين نارين من الناحية الاقتصادية، فإما أن يحاول تطويق أزمة التضخم من خلال رفع أسعار الفائدة، وهو ما سيلقي بآثار سلبية على التشغيل وتتفاقم معه مشكلة البطالة، أو أن يتحمل موجة التضخم التي يتوقع أن تتواصل إلى نهاية سنة 2023. ما الذي تفعله أسعار الفائدة المرتفعة في الاقتصاد؟ ببساطة يصبح إيداع الأموال في البنوك خياراً استثمارياً معقولاً، وهو ما يسحب الاستثمارات من الأسواق، وتتراجع فرص التوسع في الأعمال، وبالتالي، التحاق الأفراد بالعمل، وتتأثر الدول التي اعتمدت على أسعار فائدة مرتفعة في السنوات الأخيرة بتقديم الاقتصادات المتقدمة والمستقرة أسعار الفوائد، لأنها تسحب السيولة المتواجدة في الدول التي أدمنت استبقاء الاستثمارات الساخنة بدفع أسعار فائدة مرتفعة، فالكثيرون سيتوجهون إلى الولايات المتحدة التي بدأت في الرفع التدريجي بعد سنوات من العوائد المنخفضة على الاستثمارات المالية الأجنبية. التكلفة باهظة، فهل تتحمل الدولة التكاليف وترفع أسعار الفوائد، أم تبقي الأفراد تحت وطأة تصاعد أسعار السلع الأساسية؟ هذا السؤال يصلح للدول التي تمتلك مقومات إنتاجية، ولنتأمل المفارقة في مسألة توفر السلع وأسعارها في بلد مثل أوكرانيا تعاني من الحرب بوصفها طرفاً مباشراً فيها، بينما تحدث مشكلة الاحتياطات الاستراتيجية وتضخم الأسعار في دول بعيدة عن الحرب، ولا ناقة لها فيها أو جمل. في الاقتصادات الاستهلاكية، الأفراد سيتحملون التكلفة، فرفع أسعار الفوائد سيقلل من قدرة الحكومة على التدخل لتقديم حلول اقتصادية، لأن الهم الأساسي يتركز في مجال الإجراءات النقدية، مثل المحافظة على سعر العملة، وقدرتها الشرائية بالتالي، في الدول التي تعتمد على الاستيراد، وربما تنجح بعض الدول، أو تفشل في ذلك، أما الاستسلام للتضخم، فيعني أن الأسر نفسها ستتحمل وطأة المشاركة في التضحية، وأما مناسيب تضحية مرتفعة قبل وأثناء أزمة وباء الكورونا وتوابعه على مستوى سلاسل التوريد. هذه الأوضاع تهدد البنى الاجتماعية على مستوى الطبقات الفقيرة والوسطى؟ ولذلك فإن هندسة توزيع التضحية أمر ضروري، فلا يمكن البناء على استراتيجية واضحة وثابتة على مدار الفترة المقبلة، وللأسف فإن تقدير العريان يبدو متفائلاً بتوقعه نهاية التضخم بالتزامن مع نهاية العام المقبل، والحقيقة أن هذا الافتراض يعتمد على الرؤية الكلاسيكية للدورات الاقتصادية، مع ملاحظة أن تكلفة أزمة 2008 لم تدفع إلى اليوم بالصورة الكاملة، وبقيت ترحل من خلال الإجراءات المختلفة مثل حزم التمويل والانقاذ، والاستغراق تحت ستار الوباء في الدعم المالي المباشر للأسر والأفراد. ليس أمام دول كثيرة سوى الالتفات إلى التفاصيل بصورة متواصلة، ولا يجب الركون إلى أحد الخيارات، فكما استغلت الدول المتقدمة اقتصادياً الإجراءات التخفيفية والتلطيفية وترحيل الأزمة إلى المستقبل، يمكن للدول ذات البنية الاقتصادية الأضعف، أن تضع أمامها مصفوفة من الحلول التي تتطلب اليقظة الدائمة، وخليطاً من الأدوات المالية والنقدية والرقابية والتحفيزية، ومع أن تعبير مصفوفة لا يحظى بسمعة طيبة في الأردن نتيجة الخبرة السابقة مع بداية وباء كورونا، إلا أن المصفوفة هي مجرد أداة يجب أن تعتمد على إدارة قادرة على الاستجابة والتفاعل. أي حكمة أو حنكة في إدارة الشهور الصعبة المقبلة لا يجب أن تلفت الانتباه عن ضرورة التحول من خانة الاقتصاد الكثيف الاستهلاك إلى الانتاج الحقيقي الذي يمكن أن يتحول إلى حائط صد يمكن الركون إليه في أوقات التقلبات العالمية. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان