"انعطافة" ضرورية

 ختمتُ مقالي بالأمس عن ضرورة إطلاق مشروع إصلاحي سياسي حقيقي، اليوم، كما حدث في العام 1989، وكان نقطة تحول كبرى وأعاد الحياة الديمقراطية، وجذب المعارضة والقوى السياسية من الشارع إلى قبة البرلمان ونفّس الاحتقان الكبير الموجود حينها.

اضافة اعلان

 لستُ مع التشبيهات أو المقارنات، وبالتأكيد لكل لحظة تاريخية شروطها وديناميكيتها، لكن هنالك أجواء مشحونة ومتوترة وتطورات سياسية وأوضاع اقتصادية واجتماعية تكاد تكون متقاربة، لكن ما نريده هو أن يكون الإعلان عن مشروع الإصلاح السياسي وأهم معالمه وبرنامجه اليوم، وأن نستبق أيضاً الأوضاع المالية كي لا نقع في "حفرة الـ89، التي أدت إلى ما تعرفون، وأعني هنا الوضع المالي والاقتصادي.

     من يقرأ بعناية وبعمق ما يحدث في الشارع اليوم، وما تشهده المحافظات، يلمس سخونة الأجواء، التي لا تصلح معها العبارة الشهيرة  Business as Usual، فالمسألة تتعدى ضريبة الدخل وتتجاوز الحكومة، فهي ذات طبيعة متراكمة، ولن يملك شخص، أيّاً كانت شعبيته ومصداقيته، أن يطفئ هذه الأوضاع، إذا لم يقدّم مشروع إصلاح سياسي حقيقي.

     لدينا محافظات محتقنة من الأوضاع الاقتصادية والمجتمعية، بالتزاوج مع جيل شباب مثقف ومتعولم ولديه جرأة شديدة في النقد، دخل إطار الملعب السياسي، لكنه ما يزال خارج قواعد اللعبة السياسية، وطبقة وسطى بدأت تتحرّك في العاصمة عمان، ومزاج اجتماعي سلبي مسكون بقصة الفساد، ونخب سياسية تقليدية أصبحت خارج نطاق الخدمة الفعلية Expired، ومؤسسات سياسية فقدت الثقة الشعبية. مثل هذه المدخلات والمعطيات تعني ضرورة إيجاد نقطة تحول مهمة في مسار الأحداث واتجاهها.

   من مصلحة الدولة اليوم قبل أي طرف آخر إيجاد هذه التحويلة والانعطافة السياسية الكبرى، وأعني تحديداً خلق مناخ سياسي جديد، يقوم على تشكيل لجنة معتبرة لها مصداقية، تحاور القوى السياسية، وتقدّم مسودة مشروع قانون انتخاب، تعرضه الحكومة على مجلس النواب، يؤدي هذا القانون إلى انتخابات نيابية قادمة تفرز مجلس نواب يمثّل بصورة صحيحة وجدية القوى الجديدة والقديمة في المجتمع.

 وضع العصي في دولاب مشروع الإصلاح المنشود سيكرس الأزمة الراهنة، لذلك من الضروري أن  تؤدي الانتخابات إلى مجلس نواب قوي، فهنالك اتجاه قوى ينمو في الطبقة الوسطى ولدى جيل الشباب وفي المحافظات يشعرنا بأننا بالفعل أمام مشكلة دولة وليس حكومة.

   إذاً من دون إعادة الشرعية والاعتبار للعبة البرلمانية فسنكون أمام حجم متغيرات سياسية واقتصادية - اجتماعية كبيرة في خارج اللعبة السياسية المغلقة، ماذا يعني ذلك؟ يمكن العودة إلى أهم كتابين في هذا المجال وهما؛ لصموئيل هانتنغتون "الأنظمة السياسية في مجتمعات متغيرة"، وفرانسيس فوكوياما "أصول النظام السياسي".

لا نريد أن ننتظر أكثر، حتى تكون هنالك خسائر اقتصادية أو سياسية، فمن الواضح أن هناك مسارا حاليا للتطورات والأحداث، وأن هناك حالة من عدم الرضا الشعبي الواسع، وكلما بكّرنا وعجّلنا بإيجاد نقطة التحول - الانعطافة المنشودة كلما كان ذلك أفضل للجميع.