تجليات الفلسفة

بابا.. من هو النبي؟ إنه رجل يحب الناس ويساعدهم ويعلمهم أشياء كثيرة. هل هذا يعني أنني النبي حسان؟! ما يزال هذا الحوار الذي جرى قبل ست سنوات، حينما كان حسان طفلا لم يتم الرابعة بعد، عالقاً في ذهني، بما أثاره فيّ من إعجاب بتلك اللامحدودية التي تسم عالم الأطفال النقي من أي شوائب تعكر صفو تفكيرهم أو تحد مداه، ولشدة ما جعلني أسأل نفسي لم لا تُدرّس الفلسفة للأطفال في بلادنا، وهم الذين خلقوا بطبيعتهم فلاسفة. في بداية السبعينيات وضع الفيلسوف الأميركي ماثيو ليبمان، أسس أسلوب تربوي يهدف لتطوير التفكير العقلاني والمنطقي لدى الأطفال مرتكزاً على خلق حوار حيوي تأملي، وألّف «اكتشاف هاري ستولمير» أول رواية فلسفية تستهدف اليافعين بعمر 10- 11 سنة، ليكون رائد تدريس الفلسفة للأطفال في العالم، حيث تبنت مجموعة من الدول أبرزها الأرجنتين والبرازيل وبريطانيا طريقته، ثم بعد ذلك توالت الأسماء المهتمة بتدريس الفلسفة للأطفال. يعتبر ليبمان أن عدم تعريض الأطفال للمفاهيم والأفكار الفلسفية في سن مبكرة يعوق نموهم الإدراكي، والواقع أن أدمغة الأطفال كالنباتات لا بد من اهتمام باذخ بها يكفل لنضارتها أن تستمر، وإلا فإنها ستذبل وتضمر، فنكون بذلك فقدنا فرصة ذهبية لخلق طفل استثنائي. في عالمنا العربي ما تزال التجارب التي تستهدف تدريس الفلسفة للأطفال خجولة جدا، وربما تكون مقتصرة على بعض الأنشطة والورشات كما هو الحال في تونس التي أحدثت العام 2019 قسم الممارسات الفلسفية الحديثة في معهد تونس للفلسفة، والذي يعنى في جانب كبير من نشاطاته بالفلسفة الموجهة للأطفال، عن طريق تنظيم ورشات فلسفية تدفع عقولهم الصغيرة إلى التيقظ لما حولهم. وحتى الأهل يتعامل معظمهم مع أسئلة الطفل إما بازدراء أو نزق من كثرتها، مع أن السؤال أصل الفلسفة، ودليل الذكاء والرغبة في الاستكشاف والمعرفة، ونحن إذا ما سلبنا الأطفال هذا الحق فإننا نحرمهم علاقتهم الفطرية مع العالم، ونحرم أنفسنا من فرصة موازية لأدمغتنا كي تكتشف الأشياء من منظورهم البكر، فضلاً عن فرصتنا في أن نحظى بأطفال مبدعين. يستطيع الأطفال أن يتخيلوا أنفسهم ما يشاؤون؛ أنبياء، كواكب، حيوانات وربما أشياء، ويمكنهم أن يسألوا الكثير من الأسئلة التي تخشى عقولنا المقولبة سؤالها، المهم أن يرضوا ذلك الجموح الذي يقود أدمغتهم الصغيرة، أما نحن فمهمتنا خلق ذلك التوازن الذي يسمح بأن يروض جموحهم وفي الوقت نفسه يحافظ على ذلك الاندفاع الذي يغرف من المعرفة والاستكشاف. ومثل هذه المهمة تتطلب خططاً مدروسة وجادة لإدراج الفلسفة ضمن مناهجنا التعليمية في مراحل مبكرة، وإعداد مدرسين قادرين على الابتكار والإبداع في التعامل مع عقل الطفل، والنظر إلى تدريس الفلسفة للطفل كبوصلة توجه ركبنا المتأخر نحو أولى طرق التقدم والنهوض ببلداننا التي ما تزال تتخبط في شباك التعليم التقليدي التلقيني ومحدود الأفق.

المقال السابق للكاتبة

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا

اضافة اعلان