"تسونامي الفضة"

تناقلت وسائل الإعلام العالمية خلال الأسبوع الماضي أحد التقارير التي تم بحثها على هامش مؤتمر الأورام الأميركي (ASCO) والذي انعقد في مدينة (شيكاغو) بـعنوان (تسونامي الفضة) كناية عن التكهنات بحدوث ارتفاع مذهل في عدد الإصابات الجديدة بالسرطان نتيجة الشيخوخة التي تشكل نسبا عالية بين سكان العالم.

اضافة اعلان


نحن نعلم أن العمر هو عامل الخطورة الأهم في معادلة إصابة الشخص بالسرطان؛ لذلك نجد أن معظم الإصابات بالسرطان على مستوى العالم تقع بين الفئات العمرية المتقدمة، وهذا ما ينطبق أيضا على منطقتنا وبلدنا وإن كان السرطان عادة ما يصيب الأفراد في هذه المنطقة في سن مبكرة نسبيا، لكن القاعدة المتعلقة بالعلاقة الطردية بين العمر ومعدل الإصابة تبقى ثابتة؛ فرغم أن نسبة الأردنيين الذين تجاوزوا عمر الستين لا تتجاوز الـ( 6 %) من مجموع السّكان إلاّ أن حصتهم من الإصابة بالمرض تتجاوز الـ( 40 %)، وهذه النسبة مرشحة للزيادة وبصورة كبيرة خلال العقدين القادمين، حيث يتوقع العلماء أن تشكل ثلاث أرباع الإصابات الجديدة بالسرطان في عام(2040)، في الولايات المتحدة بين الأشخاص الذين تجاوزوا الخامسة والستين من العمر، وهذا ينطبق على سائرالدول الغربية ولا أعتقد أن هذا المشهد سيختلف عمّا هو متوقع في دولنا.


ويعود «تسونامي الفضة» بشكل رئيسي إلى عاملين مترابطين: انخفاض معدلات الولادة وزيادة متوسط العمر، وقد أدى ذلك إلى زيادة هائلة في تسجيل نسب أعداد كبار السّن بين السّكّان، وهذا بدوره أدى الى زيادة في عدد الحالات الجديدة المشخصة بالسرطان بين هذه الشريحة، نتيجة لتراكم الطفرات الجينية مع مرور الوقت، والتعرّض لبعض العوامل البيئية، إضافة الى تدهور الجهاز المناعي، والذي يزيد من احتمالية الإصابة بالسرطان.


ويتسبب التقاطع بين «تسونامي الفضة» وزيادة عبء السرطان في خلق تحديات كبيرة للأفراد وعائلاتهم وللنظم الصحيّة، فغالباً ما يواجه كبار السّن عقبات كبيرة تتمثل في كيفيّة الحصول على الرعاية الصحية المناسبة، ومن ترهل في الدعم الاجتماعي. علاوة على ذلك فإن علاج مرض السرطان لدى كبار السن ليس بالأمر السهل، ويعزى ذلك إلى طبيعة التغيّرات الفسيولوجية المرتبطة بهذه المرحلة من العمر، والانتشار الواسع للأمراض المزمنة الأخرى بينهم، وتفاعلات الأدوية المحتملة، وكل هذه العوامل تُحتّم علينا ضرورة العمل على تكييف خطط العلاج بما يتلاءم مع خصوصية هذه الفئة من المرضى.


ولا شك أنّ هذه الزيادة في ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان بين كبار السن ستؤدي الى الضغط على النظم الصحية، وبالتالي تستدعي تطوير خدمات صحيّة متخصّصة تتكيف مع الاحتياجات الفريدة لهذه الشريحة من المرضى، من خلال تنفيذ برامج متخصصة بطب الشيخوخة، والتي تدمج تقييمات الشيخوخة الشّاملة، وخيارات العلاج المناسبة لهذا العمر، وخدمات الرعاية الداعمة. 


بالإضافة إلى التدخلات الطبية التي تلعب الخدمات الداعمة دوراً حاسماً في تلبية احتياجات كبار السّن المصابين بالسّرطان، لذلك يجب أن يكون الدّعم النفسي وخدمات الرعاية التلطيفية متاحة بسهولة؛ لتعزيز جودة الحياة وتخفيف عبء الضغط العاطفي الذي تعانية أُسر هؤلاء المرضى، وضمان تقديم الرعاية الطبيّة الشّاملة طيلة رحلة العلاج  من مرض السّرطان.


ويستدعي تقاطع (تسونامي الفضة) وزيادة عبء السرطان استجابة نشطة وشاملة من خلال التّعرّف على التحديّات الفريدة التي يواجهها كبار السّن المُصابين بالسرطان وتنفيذ استراتيجيات تهدف الى تحسين النتائج وتعزيز جودة الحياة وضمان الوصول العادل للرعاية الصحية الشاملة، لذلك يجب أن يكون هناك نوع بنّاء من التّعاون بين آلية عمل النظم الصحية وصنّاع السياسات والمؤسسات المجتمعيّة والأفراد للتغلب على هذا التحدّي المزدوج.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا