خضر عدنان.. "البدايات" والمهمة الأخيرة

د. أحمد جميل عزم- انتشر اسم الفلسطيني خضر عدنان في أرجاء العالم في العام 2012، عندما بدأ إضراباً فرديا عن الطعام احتجاجاً على اعتقاله في السجون الإسرائيلية إدارياً، أي دون محاكمة (يوجد الآن أكثر من ألف أسير فلسطيني، دون محاكمة). لم يكن خضر الحاصل على بكالوريوس الرياضيات، وبدأ دراسة الماجستير، العامل خبّازاً، الأب لتسعة أبناء، أول من أضرب عن الطعام بشكل فردي في سجون الاحتلال، بل لم يكن ذلك هو إضرابه الأول، لكن طول وتفاصيل إضرابه حينها رسخ تقليداً سار عليه عشرات الأسرى، هو “الإضراب الفردي حتى الاستشهاد أو الحريّة”. وفي الاعتقال الأخير افتتح خضر سجل شهداء الإضرابات الفردية، فرحل يوم 2 آيار\ مايو 2023. قبل استشهاده كان خضر حاضراً في محاولة توجيه وتأطير وتشبيك ظاهرة الفصائل الجديدة، من كتيبة جنين إلى عرين الأسود في نابلس، وبين هذا وذاك كان حاضراً في كل مناسبة، مُبادِراً، رومانسياً، مُحبّاً، حادّا نقدّياً، غاضباً دون انتظار. في عام 2012 أدّى إضراب خضر إلى تحريك الشارعين الدولي والمحلي. أذكر في ربيع ذلك العام كنتُ أحضر فعالية، على مسرح كلية الدراسات الشرقية والأفريقية (سواس) في لندن، ويومها وقفت أيقونة فلسطينية أخرى، اسمها رفيف زيادة، اشتهرت بقصائدها المقاومة باللغة الإنجليزية، تحدثت عن لغتها “اسمحوا لي أن أتكلم بلساني العربي، قبل أن يحتلوا لغتي أيضاً”. ثم وصغت لهم بالإنجليزية فلسطين في عيون خضر عدنان الملونة، وأخبرتهم عن زوجة خضر وكلماتها ونضالها. في تلك اللحظة تعالت قبضات وصرخات شباب الجامعات اللندنية بعيونهم وشعورهم الملونة تهتف باسم “خضر”؛ مشهد كأنّ خُلاصة الثوّرية المقاومة العالمية؛ جيفارا وعمر المختار وخليل الوزير، حضرت كلها في اسم “خضر” المشفوع بقبضات الشباب. أثناء إضرابه الأول كان السجانون يحذرون خضر من بين أمور أخرى أنّه “سينتكس ولن ينجب” فرزق بعد الإضراب، بثلاثة توائم دفعة واحدة (محمد وعلي وحمزة). نحو العام 2012 أو 2013، دخلتُ قاعة بلدية البيرة، لحضور فعالية شعبية وطنية، وكان الشيخ يديرها، ولا أدري إذا كان شخص همس له عرّفني إليه، ووجدته بعد الترحيب يدعوني عبر “المايكروفون” بشكل مفاجئ لإلقاء كلمة، يومها تأكدت من مدى ثوريّة واندفاع الشيخ فهو لا ينتظر ولا يسأل ولا يُمّهد ولا يضيع فرصة لدمج من يستطيع ومن يصل إليه في العمل الجمعي النضالي. في 2015 دخل إضراباً آخر عن الطعام، (استشهد في إضرابه السادس). يومها أذهل خضر العالم بنضاله وخطابه. وأقتبس من مقال كتبتُه حينها أقول: من يتخيل شيخاً ثائراً، وسط اللغط “الداعشي”، يخرج مثلا في جنازة الشهيد محمد عصفور، من قرية عابود، فيخاطب الناس “ما أجملكم مسلمين ومسيحيين تخرجون ضد الاحتلال”؛ ويخطب أنّه سمع أثناء صلاة الشهيد “هديل حمامة” تخاطب الشهداء وتقول وداعاً. ويتحدث عن تضامن الناس معه بقوله “من جعلهم يحبونا غير الله…؟”. لم يتقبل البعض نقدية خضر ومبادراته دون انتظار، وفوجئت عام 2015 مثلاً بكتابات تتهم مقالات التضامن معه، بالمبالغة. وفوجئت باتصال من أسرى محررين، يطلبون إيصال رسالة أنّ الإضراب الفردي، “فرض كفاية”، يبرره عدم وجود العمل الجمعي المؤسسي الكافي لحمل قضية الأسرى وخصوصاً الاعتقال الإداري. في العام الأخير، وكلما كانت تتكشف تفاصيل عن كتيبة جنين، التي لحركة الجهاد الإسلامي حضور قيادي فيها، والحركة هي تنظيم الشيخ خضر، وهي الفصيل الأقرب ربما لإيران، كانت تتضح جهود الشيخ في محاولة التواصل والتشبيك مع كوادر عرين الأسود، وعدد أساسي منهم قريب من حركة “فتح”، وبقدر ما كان هذا يعني احتمالية الانتقال من المبادرات المناطقية لتنظيم عابر للمناطق وقيادة موحدة، أثار هذا قلق وتوتر عند بعض القوى لأسباب عديدة، تحتاج لمزيد من النقاش. وربما كان اعتقال خضر هذه المرة بالدرجة الأولى في إطار قيام الاحتلال بعمليات “قص عشب” و”كسر أمواج” الفصائل الجديدة (بحسب التعبيرات الإسرائيلية)، ومنعها من التحول لعنوان المرحلة، وكان إقصاء الشيخ جزء من خطة الاحتلال هذه. شكّل الشيخ خضر مثالاً فذاً للطاقة الإنسانية المدفوعة بالحب والإيمان، وللقدرة على النضال. يرحل ويترك سؤالين: من يحمل قضية الأسرى من حيث إنهائها ووقف الاعتقال الإداري، والثاني كيفية إعادة تنظيم العمل الفلسطيني المناضل وطبيعة علاقاته الوطنية الداخلية والإقليمية. المقال السابق للكاتب سلمى الخضراء.. بطولة الصوت الخفيضاضافة اعلان