غزة.. أثمان مؤجلة

ما جرى منذ السابع من أكتوبر الماضي وإلى حين انتهاء العدوان العسكري والسياسي ليست مرحلة تطوى وتنتهي بتوقف الطائرات والدبابات عن القصف والقتل، بل هي مرحلة سترسم معالم جديدة بشكل أساسي فلسطينيا وإقليميا، وهناك أثمان مؤجلة لهذه المرحلة على الجميع دفعها بنسب تتعلق بقوة وإنجاز أو خسارة كل أطراف المعادلة.

اضافة اعلان


ودائما علينا أن نتذكر البدايات وما كان يقال من كل الأطراف وعند إغلاق فوهات كل الأسلحة يتم التقييم وفق ما تحدث عنه كل طرف، فالاحتلال الإسرائيلي أطلق وصف الحرب على رد فعله على عملية حماس في السابع من تشرين الاول، ثم تحدث عن أهداف عنوانها غزة وهي تغيير شكل غزة سكانيا وعسكريا وسياسيا، وقدم مشروعه السياسي لهذه الحرب وتشكلت حول المشروع الإسرائيلي كتلة صلبة من الولايات المتحدة ودول أوروبية وهي كتلة لم يتغير جوهر موقفها رغم الخلاف على الجانب الإنساني أو حديث دول من هذه الكتلة عن حل سياسي بعد الحرب وإقامة دولة فلسطينية.


وفي الإقليم تشكلت مواقف ربما فاجأت حماس من دول قريبة منها فإيران نسجت معادلة لها وفق مصالحها أي مصالح مشروعها الفارسي في المنطقة ودول أخرى اختارت الحد الأدنى من التضامن وفق معادلة مصالحها، ودول تعتبرها حماس خصما لها ربما كانت أكثر وضوحا في المساندة السياسية والإنسانية لغزة.


وكشفت الحرب أن ما يسمى الصف الفلسطيني المكون من فصائل موزعة على كل المحاور والدول سرا وعلنا، هذا الصف ليس موجودا، فرغم كل الشهداء والدمار ومخاطر التهجير فإن هذه الفصائل بقيت متحاربة لا يقبل بعضها بعضا، ووجهت رسالة سلبية بأن الحالة الفلسطينية نموذج أناني فصائلي وليس صفا وطنيا في مواجهة الاحتلال، ومن لا يتضامن مع نفسه لا يمكنه محاسبة الآخرين على مواقفهم.


وأثبت الواقع أن الخلاف الفلسطيني الداخلي جذري ولا يتعلق بالخلاف على قبول عملية السلام أو رفضها بل هو صراع على السلطة، وهذا الأمر ليس وليد حرب غزة بل منذ زمن بعيد لكن ثمنه الأكبر كان خلال هذه الحرب، فليس هناك موقف فلسطيني موحد ولا جبهة فلسطينية بالحد الأدنى ضد الاحتلال .


ودول عربية قريبة من فلسطين تعرضت لهجوم من جهات منظمة تعتبر نفسها وصية على فلسطين أكثر من هجومها على الاحتلال، وكشف هذا عن حقد بدوافع  مختلفة معظمها لا يرتبط بفلسطين وقضيتها، وهذا الحقد الذي كشفته مواقع التواصل لكل شخص ليخرج كل ما في داخله سيترك أثرا على المعادلات الداخلية لبعض الدول أو علاقاتها بالجغرافيا التي ينتمي إليها أصحاب القلوب السوداء. 


ما بعد الحرب في غزة ليس مثل ما قبلها ليس فقط على صعيد غزة وقضية الفلسطينيين بل أيضا في معادلات أخرى في الإقليم، وستكون هناك أثمان يدفعها كل من أساء التقدير أو خذلته خبرته السياسية أو سيطر عليه حقده وذهب به إلى مكان آخر.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا