مسألة اللاجئين السوريين من منظور اقتصادي

مع الإقرار بالحقوق الأساسية للاجئين، وحقهم في الاحتضان وتوفير جميع مستلزمات الحياة الكريمة لهم، إلا أن تمكين الأردن من الاستجابة لمختلف احتياجات اللاجئين السوريين -ليس على المدى القصير الذي جاوزناه- وإنما على المدَيَين المتوسط والطويل، يتطلب أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته لتمكين الأردن من القيام بهذا الدور.

اضافة اعلان


علينا أن ننتقل من منظور تقديم المساعدات الإنسانية الأساسية، على أهمية استمراره، إلى التعامل مع الموضوع من منظور تنموي تمكيني؛ لأن المعطيات تشير إلى أن ضغط اللجوء سيستمر لسنوات طويلة إن لم يكن لعقود. اذ أعلن أكثر من 90 بالمائة من اللاجئين السوريين المقيمين في الأردن، مؤخرا، عن عدم رغبتهم بالعودة إلى بلدهم في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية الراهنة، وهذا حقهم، لأن عودة اللاجئين مرهونة بتوافر البيئة الملائمة لذلك، وهو مبدأ إنساني دولي معترف به.


قدمت العديد من الدول المانحة، خلال المؤتمر الدولي الذي عقد الأسبوع الماضي في العاصمة البلجيكية بروكسل، تعهدات بتقديم الدعم بمختلف أشكاله للدول المستضيفة للاجئين السوريين. غير أن المشكلة تكمن في مدى التزام هذه الدول بتقديم هذه المساعدات.


نقول ذلك، لأنها ليست المرة الأولى التي تعلن فيه تعهدات عبر أكثر من منبر، وعلى رأسها المؤتمر الدوري الذي يعقد في بروكسل تحت عنوان "مستقبل سورية والمنطقة"، والذي اتسم هذا العام بموقف موحد للحكومة ومنظمات المجتمع المدني الأردنية والأجنبية العاملة في الأردن، حيث دفع المجتمع المدني، شارك فيه كاتب هذه السطور، باتجاه تعزيز الدعم والمساعدات للأردن لتمكينه من الاستمرار من استضافة اللاجئين السوريين، والدفع باتجاه العمل بمنظور تنموي أكثر منه رعائيا.


مشاركة منظمات المجتمع المدني بصورة فعالة في المؤتمر السابع آنف الذكر، تؤكد أهمية هذا المكون الأساسي من مكونات الدولة، وضرورة قيام المؤسسات الرسمية بدعم أدواره في مختلف المجالات، وتوفير البيئة التمكينية الصحية للقيام بأدواره التنموية والحقوقية المختلفة، وإزالة العقبات التشريعية والسياسية التي تحول دون ذلك.


المجتمع الدولي، أكان دولا أو منظمات، عليه زيادة المساعدة المالية للأردن لتخفيف العبء الاقتصادي لاستضافة اللاجئين السوريين، وهذا التمويل ضروري لدعم توفير الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والمياه، وغيرها من الخدمات الأساسية، ليس فقط بالإعلان عن تقديم المساعدات، وإنما بالوفاء بها، آخذا بالاعتبار الاحتياجات المتزايدة كل يوم.


كلمة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي في المؤتمر السابع لمستقبل سورية والمنطقة الخميس الماضي كانت واضحة؛ حيث أكد الموقف الرسمي المتعلق بقضية اللاجئين السوريين في الأردن، وأهمها أن: لا عودة إجبارية للاجئين السوريين إلى بلدهم، فهذا خيار لهم، ويقوم على توفير البيئة السياسية والاقتصادية والأمنية في سورية. هذا الموقف الذي يقوم على سياسة ثابتة للدولة الأردنية يُعمل بها مع اللاجئين منذ عقود، وهي تتواءم مع المبادئ والمعايير الدولية الخاصة باللاجئين.


علاوة على ذلك، يجب أن تكون المساعدات المقدمة مرنة ومتوسطة وبعيدة المدى، بحيث تدعم الأهداف التنموية طويلة الأجل، بما يساعد الأردن؛ الحكومة والفاعلين من منظمات المجتمع الدني الأردنية والأجنبية، في القيام بأدوارهم في توفير الحماية والمساعدة والتمكين الاقتصادي والاجتماعي لمجتمع اللاجئين السوريين.


يعد توفير فرص عمل لكل من اللاجئين والمجتمعات المضيفة أمرا بالغ الأهمية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. يمكن للمجتمع الدولي أن يدعم الأردن من خلال تشجيع الاستثمار، وبخاصة في القطاعات ذات الإمكانات العالية لخلق فرص العمل. ويمكن تحقيق ذلك من خلال توفير الحوافز المالية والمساعدات الفنية وتشجيع الشراكات بين الشركات المحلية والدولية، وجانب من ذلك يتطلب قيامنا بواجبنا داخليا لتبسيط قيام جميع الفاعلين بأدوارهم، وبخاصة القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، وإزالة العراقيل غير المفهومة من أمامهم.


إضافة الى ذلك، ينبغي دعم توسيع برامج التدريب المهني لتزويد أبناء اللاجئين والأردنيين بالمهارات اللازمة للوصول إلى فرص العمل، وهذا لن يؤدي إلى تعزيز اعتمادهم على الذات اقتصاديا فحسب، وإنما سيسهم أيضا في تعزيز وإصلاح سوق العمل المحلي وتعزيز مسارات التنمية المختلفة، ودعم النمو الاقتصادي الشمولي.


إن الطبيعة متوسطة وطويلة الأمد لقضية اللاجئين السوريين تتطلب من الحكومة الأردنية توسيع وتنويع أشكال المساعدة والدعم الذي تحتاجه من المجتمع الدولي باتجاه المطالبة بإلغاء و/أو تخفيض الديون الخارجية التي تتزايد بشكل مطرد، وأصبح عبء خدمتها يضغط على خزينة الدولة بشكل كبير، الذي يكون غالبا ما يكون على حساب قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، حيث تجاوزت خدمة الدين سنويا ملياري دولار.


مرة أخرى، بالقدر الذي علينا في الأردن تقديم جميع أشكال الدعم والمساندة للاجئين السوريين واحترام حقوقهم، بقدر ما يجب على المجتمع الدولي الوفاء بالتزاماته لتمكيننا حكومة ومجتمعا مدنيا من القيام بذلك، وهذا يتطلب تكثيف الحوار والمشاورات بين مختلف الأطراف حول تطوير الأوليات، والاعتراف بالأدوار، وتيسير عمل المجتمع المدني.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا