نظرة مستقبلية في المئوية الثانية

ها نحن على اعتاب مئوية الدولة، فقد بات لزاما علينا ان نسعى جهدنا لتحقيق اجماع واسع في الرأي حول المبادئ والسياسات العاملة على ايجاد أنموذج عصري ومتقدم لمجتمعنا. وحالما يتم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق يصبح من المرجح جدًا أن السياسات التي ستتبع ستجتذب وتفوز بتأييد أفراد الشعب الذين تؤثر هذه السياسات على مجرى شؤونهم.اضافة اعلان
فلا بد من إعدادٍ وافٍ للفرد حتى يشارك في الحياة الاقتصادية للبلاد، وأن يكون في متناول الجميع بصورة شاملة دون أي نوع من أشكال التمييز. وإن وضعنا هذا في سلّم للأولويات في محاولة تحسين الوسائل التي نعلّم ونثقف بها أنفسنا لسوف يجني محصولاً وفيرًا في الأعوام القادمة.
إنّ تنمية القدرات الإنسانيّة في مرحلة الطفولة ثمّ مرحلة الشباب والتي تعِدّ الجيل الحالي إلى تبنّي أساليب أكثر إيجابيّة في التعبير، وتوجيه المواهب المختلفة ووجهات النظر المتعددة لديهم نحو الأهداف العامّة. كما أنها تعزّز بناء الفكر المشترك والعمل الموحّد جنبًا إلى جنب مع غيرهم من أبناء الوطن، لإيجاد أشكال من التكامل الاجتماعي الّذي يحقّق الوحدة والعدالة، التي من خلالها يمكننا المساهمة في بناء أردن أقوى وأجمل يجمع في فسيفسائه أسرة إنسانيّة متنوّعة ومتعاونة ومتحابّة تحت ظلّ القيادة الهاشميّة ورؤيتها الثاقِبة السمحة.
ولطالما عرف مجتمعنا الأردني بأنه مجتمع فتي، وهذه نعمة كبيرة للوطن. وهنا لا بد من أنّ اعادة النظر في مناهج التعليم الجامعي المبني على حرية التفكير والبحث الجاد عن الحقيقة والذي من شأنه تحقيق قدرات الجيل الصاعد في المساهمة في حياة المجتمع، غير أن هذا ليس كافيًا بحدّ ذاته، فلا بدّ من تعزيز الظروف بحيث تتضاعف فرص العمل بشكلٍ جاد ويتم تسخير المواهب، وتصبح امكانية التقدم على أساسٍ من الاستحقاق والجدارة على أساس متين من العدالة الاجتماعية. فهو مطلب ملح للشباب لمعاملتهم على أساس الكفاءة والمساواة. فطموحاتهم السامية وتطلعاتهم العالية تمثّل ائتمانًا لا يملك المجتمع ككلّ – وحتى الدولة في الواقع – تجاهله اقتصادياً أو معنويًا.
فمن تفاعل المبدأين الحيويين للعدالة الاجتماعية ووحدة المجتمع والعالم الانساني تبرز حقيقةٌ مهمةٌ وهي أنّ: كل فردٍ يأتي إلى هذا العالم إنما هو أمانةٌ على الجميع، وأن الموارد الجماعية المشتركة للجنس البشري يجب أن تتوسع وتمتد ليستفيد منها الكل وليس مجرد فئة محدودة.
لعلنا في حاجة ماسة الى حوار وطني يشترك فيه جميع أطياف المجتمع وعلى جميع المستويات ابتداء من القرى والمدن والمحافظات ليشمل جذور المجتمع الأوسع ويجتذب كلّ مواطن غيور على وطنه – سيكون من الضرورة الحيوية القصوى ألاّ يتحول هذا الحوار سريعًا إلى نقاشٍ عن الجزئيات والمصالح الآنيّة، أو يُختصر هذا الحوار فيتحوّل إلى إصدار القرارات. إنّ المشاركة المستمرة للقاعدة الشعبية في عملية التشاور هذه ستُقنع، إلى حدٍّ بعيد، المواطنين بأنّ صنّاع السياسة مخلصون في خلق مجتمعٍ عادل.
وكم نحتاج في هذه المرحلة المهمة في مجتمعنا الأردني لأشخاص في مواقع المسؤولية حكماء في عدم الالتفات الى المنافع الذاتية والفوائد الشخصية، ويجعلون من العدالة الاجتماعية نبراسا لهم واجراء احكام الحق بين الخلق دون تحيز، واعتبار كل مواطن متساويا وعدم انفراده بتميز على اخيه في أمر من الأمور واعتبار ما هو خير الناس جميعا خيرا لنفسه، بالاختصار اعتبار الهيئة العامة بمنزلة الشخص الواحد واعتبار النفس ذاتها عضوا من اعضاء هذه الهيئة الممثلة. اذن علينا ان نفتح عين البصيرة وندرك احتياجات مجتمعنا الحالية، ولنشمر جميعا عن ساعد الهمة والغيرة.
أخيرا، ونحن نرفع رؤوسنا فخرًا واعتزازًا بأردننا، ذي المساحة الصغيرة جغرافيًا وبموارده المحدودة ، فقد نجح في فرض نفسه كحالة جميلة في منطقة تعجّ بالصراعات، وإذ نهنئ أنفسنا وجميع الأردنيين قيادة وشعبًا بما تم إنجازه في هذه المئوية، ونتطلع إلى مزيد من التقدم نحو دولة عصرية حضارية نبقى نفاخر بها العالم في المئوية الثانية.