نهتف الآن كي لا نموت

عدت إلى الكتابة في الغد بعد غياب عارض طويل.. عدت لعلنا في الكتابة نقاوم، ونعلي الصوت وسط الصمت، والتخاذل، ولعلنا نهتف الآن كي لا نموت.
*********
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة أشركتني نقابة الصحفيين الفلسطينيين في «جروب واتس» تحت اسم «صحفيين وقت الحرب» يضم مئات من الصحفيين الفلسطينيين، والعديد من الصحفيين العرب الذين يساندون عدالة قضية فلسطين، والهدف متابعة، وتقديم المعلومات أولا بأول عن حرب الإبادة التي تُش على غزة، وأيضا توثق الجرائم والانتهاكات بحق الصحفيين.

اضافة اعلان


كل لحظة كنت أعيش الصدمة، والحزن، وأشعر بالعجز أكثر وأكثر، وأنا أسمع قصص وحكايات الصحفيين الفلسطينيين، وبطولاتهم، وقدرتهم على مواجهة المصاعب، والمحن. 


كنت أجهش في بكاء صامت حين يسقط شهيدا، صحفي كان معنا قبل لحظات، وقبل قليل كان يكتب لنا عما يحدث، ويطمئننا أنه بخير، كنت أغضب وأشعر برغبة في الانتقام حين ترحل عائلة رفيق صحفي معنا على «الجروب» وهو ما يزال متماسكا يتلقى العزاء ويحمل كاميرته ليواصل واجبه في فضح جرائم الاحتلال.


أقول مع نفسي إنه شعب الجبارين، هذا شعب لا يموت، ينهض، ويبعث من الرماد كطائر الفينيق، وحين نظرت للوحة فيها سيدة فلسطينية تحمل أطفالها الذين ينبتون أغصانا، وكتب تحتها بيت شعر «كل ليمونة ستنجب طفلا، ومحال أن ينتهي الليمون»، تيقنت أن النصر قادم مهما طال الزمن، والحق عائد مهما قتلوا، أو قصفوا، فإرادة هذا الشعب لا تُقهر.


*********
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة اشتبكت في توثيق جرائم القتل ضد الصحفيين، وهو ليس جديدا ويمتد مع تاريخ الاحتلال، وحتى اللحظة فإن هناك 25 صحفيا وصحفية استشهدوا بشكل ممنهج، ومتعمد من الاحتلال، وهناك حالات أخرى قيد التدقيق رُصدت في غزة، وأكثر من 60 مؤسسة إعلامية دمرت، وما يزيد على 20 صحفيا أصيبوا بجراح، وصحفيين مختفيين، واعتقالات واسعة بين الصحفيين في الضفة الغربية، عدا أهالي، وعائلات الصحفيين الذين استهدفوا، واستشهدوا، وكما قال الزميل وائل الدحدوح مدير مكتب الجزيرة في غزة بعد استشهاد العديد من أفراد عائلته «بنتقموا منا بأولادنا .. معلش». 


باختصار لا يريد الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين أن ينقلوا الحقيقة، ويكشفوا جرائمه، ولهذا تلاحقهم بطائراتها، وصواريخها، وبعد كل جريمة ضد الصحافة تنكر مسؤوليتها، وتكذب، وقبل أيام أعلنت الأمم المتحدة إثر تحقيقات مستقلة أن جيش الاحتلال هو من اغتال الإعلامية المرموقة شيرين أبو عاقلة، وكان الرد الإسرائيلي تجريف النصب الذي أقيم لها مكان استشهادها لأنهم لا يريدون ما يذكر بوحشيتهم. 


لا نقول جديدا حين نعلي صوتنا أن استهداف الصحفيين خرق صارخ للقانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة التي نصت على حماية المدنيين، ومنهم الصحفيون، إسرائيل وهي تمارس كل جرائمها من قتل للمدنيين، إلى التهجير القسري، إلى حرب الإبادة، لا تعبأ، فقد ظلت بدعم العالم الغربي الكاذب والمنافق خارج الملاحقة، والمساءلة، وأفلتت من العقاب على كل الجرائم التي ارتكبتها على مدى العقود. 


*********
قبل أن نكون مشتغلين في مؤسسات المجتمع المدني نحن مدافعون عن أوطاننا، لا ننفصل عن تطلعات شعوبنا في الحرية، والعدالة، وكرامة الإنسان، وحماية حقوقه، وسنبقى نتقدم الصفوف في مقاومة العدوان والاحتلال الإسرائيلي. 


هذا موقف مبدئي لا يقبل المساومة، فمبادئ حقوق الإنسان تُقر دون لبس بحق الشعوب في مقاومة المحتل، وحق تقرير المصير، ولهذا تصدينا، وما نزال للدول الغربية التي تتبع معايير مزدوجة، وانتقائية في قضايا حقوق الإنسان، فأكثرها اليوم تقف مع الجلاد الإسرائيلي ضد الضحايا الفلسطينيين، ولا تتصدى للإرهاب الإسرائيلي على مدار 75 عاما. 


تنسى أكثرية الدول الغربية أن المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أكدت في تقاريرها أن الاحتلال الإسرائيلي دولة فصل عنصري، وهو ما وثقته أبرز المؤسسات الحقوقية الدولية، هيومن رايتس ووتش، وأمنستي، وحتى مؤسسة بتسيلم الإسرائيلية.


**********
 كنت في مهرجان غنائي يدعم مقاومة الشعب الفلسطيني ضد العدوان، وحين سمعت أغاني الثورة التي تعلقت بها صغيرا ينشدها أطفال وفتية، تيقنت أن هؤلاء يتوارثون بجيناتهم حب فلسطين، وقدسية الدفاع عنها لتحريرها، وتأكدت أن الشعوب لا تُهزم، وأن الأوطان تنجب زعترا ومقاتلين، فالمجد للمدافعين عن كرامتهم، وحقوقهم، وأوطانهم.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا