ألمانيا.. المال أهم من التاريخ في صفقة أطقم "المانشافت"

نجم المنتخب الألماني توين كروس في قميص الفريق الجديد -(من المصدر)
نجم المنتخب الألماني توين كروس في قميص الفريق الجديد -(من المصدر)
مدن  -  في وقت سابق من الشهر الحالي، أطلقت شركة أديداس الزي الأساسي الجديد لمنتخب ألمانيا لكرة القدم، من خلال مقطع فيديو يسخر بذكاء من فكرة أن بعض الأشياء "ألمانية نموذجية". اضافة اعلان
واستخدمت الشركة الصور النمطية، مثل مبنى سكني مليء بأشخاص يُطلق عليهم اسم مولر، جنبا إلى جنب مع الحقائق الأكثر دقة لمجتمع متعدد الثقافات، وهو ما يعبر عن التركيبة المتنوعة للفريق.
كان المعنى الضمني غير الدقيق للإعلان هو أن ارتداء المنتخب الألماني لمستلزمات "أديداس"، الشركة التي يقع مقرها في هيرتسوجيناوراخ، والتي بدأت لأول مرة بتزويد الفريق بالأحذية قبل فوزه بكأس العالم 1954، كان في حد ذاته جزءا من الهوية الثقافية لكرة القدم الألمانية.
أصبح مدى إيمان الناس بهذا الأمر واضحًا بعد بضعة أيام، عندما أعلن الاتحاد الألماني لكرة القدم بشكل مفاجئ أنه سيتحول إلى العلامة التجارية الأميركية نايكي كمورد لأطقم منتخب البلاد اعتبارا من العام 2027، حيث امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالغضب والحزن، نتيجة لتفكك الشراكة الشهيرة التي دامت 70 عاما بسبب المال.
أشارت تقارير، لم يتم تأكيدها من قبل الاتحاد الألماني لكرة القدم ونايكي، إلى أن الصفقة الجديدة، التي تبلغ قيمتها 100 مليون يورو سنويا، كانت تقريبا ضعف المبلغ الذي كانت شركة أديداس على استعداد لدفعه.
ولم يفوت السياسيون من مختلف الأطياف فرصة انتقا هذه الخطوة، وقال وزير الاقتصاد روبرت هابيك (حزب الخضر) إنه كان يفضل "المزيد من الوطنية" من اتحاد كرة القدم، ووصف وزير الصحة كارل لوترباخ (الديمقراطيون الاشتراكيون) القرار بأنه "قرار خاطئ للتجارة يدمر التقاليد وقطعة من الوطن".
رئيس الوزراء البافاري ماركوس سودر (الاتحاد الاجتماعي المسيحي)، الذي ينحدر من منطقة فرانكونيا، المنطقة نفسها التي تقع فيها شركة أديداس، أعرب عن أسفه لقرار الاتحاد الألماني ووصفه بأنه "مخز"، محذرا من أن كرة القدم الألمانية لا ينبغي أن تسمح لنفسها بأن تكون "بيدق في معارك الشركات الدولية".
استغرق الأمر أكثر من يوم لنشر الاتحاد الألماني لكرة القدم، بيانه الصحفي الأولي المقتضب بعنوان "أسئلة وأجوبة"، يوضح فيه أن تغيير المورد كان نتيجة "عملية تقديم عطاءات شفافة وغير تمييزية"، حسب التوقيت. وأضاف الاتحاد، أن بعد هذه العطاءات قبل عامين من نهاية العقد الحالي مع شركة أديداس في آذار (مارس) 2026، تماشت "مع ممارسات السوق"، وتابعت أنه بسبب قواعد سوق الأوراق المالية، كان من الضروري الإعلان عن القرار في أقرب وقت ممكن.
وقال هانز يواكيم فاتسكه، نائب رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم، إنه يتفهم رد الفعل العاطفي القوي للجمهور، لكن ليس لديه الوقت الكافي للتدخل الشعبوي من السياسيين. وقال المسؤول البالغ من العمر 64 عاما لشبكة "سكاي ألمانيا": "كان الفارق في العطاءات هائلا لدرجة أنه لم تكن هناك نتيجة أخرى. أنا غاضب للغاية من تعليقاتهم".
وباعتبارها منظمة غير ربحية تدعم كرة القدم على المستوى الشعبي وتعاني من نقص الأموال بعد سلسلة من الفضائح الضريبية، لم يكن أمام الاتحاد الألماني لكرة القدم خيار سوى قبول عرض نايكي، ويقول مصدر مقرب من الاتحاد لموقع "ذا أثليتيك": "لو رفضوا ذلك، لربما بدأت السلطات التحقيق معهم بتهمة سوء السلوك المالي".
كانت الأمور مختلفة منذ وقت ليس ببعيد. في أواخر العام 2006، قدمت شركة نايكي عرضا مثيرا بقيمة 500 مليون يورو لمدة ثماني سنوات للاتحاد الألماني لكرة القدم، لكن المسؤولين تمسكوا بصفقة أديداس الأقل ربحا في ذلك الوقت، مستشهدين باتفاق شفهي لتمديد العقد مع شريكهم طويل الأمد، الذي يمتلك أيضًا حصة تسعة بالمائة في أكبر نادي كرة قدم في البلاد.. بايرن ميونيخ.
وعلى الرغم من أن نتيجة تلك الملحمة سلطت الضوء على الروابط الدائمة بين أديداس وكرة القدم الألمانية، إلا أنها أشارت أيضا إلى أن شركة نايكي لم تكن مستعدة لقبول الوضع الراهن إلى الأبد، ونجحت بالفعل في تحدي الحظر الشامل الذي فرضه الاتحاد الألماني لكرة القدم على الأحذية غير التابعة لشركة أديداس للاعبين الدوليين بعد كأس العالم في العام 2006، ما أنهى المعاملة السخيفة للمحترفين الذين ترعاهم شركة نايكي مثل ينز ليمان.
ومع ذلك، ما تزال الأطراف الثلاثة تبدو مندهشة إلى حد ما من فوز شركة نايكي بالعطاء الأخير. وهناك من مقربون من الشركة الأميركية، شعروا بالصدمة لفوز العطاء، بالنظر إلى العلاقة الوثيقة بين ألمانيا وأديداس.
وقال شخص مطلع على عملية تقديم العطاءات لموقع "ذا أثليتيك"، إن شركة أديداس، التي لم يكن لديها حقوق مطابقة بموجب الشروط الحالية للصفقة، لم تتوقع قدرًا كبيرًا من المنافسة.
وأخيراً، لم يكن الاتحاد الألماني لكرة القدم يتوقع مثل هذه الصفقة الكبيرة في أعقاب الأداء الضعيف في بطولات الرجال الثلاث الأخيرة، والشعور العام بخيبة الأمل في البلاد من المنتخب الوطني في السنوات الأخيرة.
وفي حين تم الإعلان عن التحول الوشيك في وقت محرج بالنسبة لشركة "أديداس"، قبل أقل من ثلاثة أشهر من إقامة المنتخب الوطني الألماني معسكره في هيرتسوجيناوراخ لبطولة أوروبا، هناك أسباب وجيهة لاتخاذ القرار الآن.
صفقة بهذا الحجم تحتاج إلى موافقة مجلس إدارة الاتحاد الألماني لكرة القدم، الذي يميل إلى الاجتماع خلال فترات الاستراحة الدولية. والأهم من ذلك، أن الاتحاد الألماني، أراد أن يخطف الأضواء من المنافسين الآخرين مثل المنتخب الفرنسي.
وبعد أن يهدأ هذا الجدل، وهو ما سيحدث في الوقت المناسب، سيتم النظر إلى الأيام القليلة الماضية في نهاية المطاف على أنها انتصار للاتحاد الألماني لكرة القدم، وليس فقط بسبب الدفعة الاقتصادية التي سيجلبها.
كانت الطريقة التي احتكرت بها المناقشات حول الهذه الموضوع أجندة الأخبار، بمثابة تذكير قوي بأهمية المنتخب الوطني لنفسية البلاد. وقد لاقى فيديو "الطقم الأساسي" الخاص بشركة أديداس استحسانا كبيرا حتى أن الآلاف من المؤيدين وقعوا على عريضة من أجل الموسيقى التصويرية، وهي "ريمكس" لأغنية شائعة في الثمانينيات، لتصبح نشيد الأهداف الجديد للمنتخب الألماني.
ويتعين على التقليديين أيضاً أن يجدوا العزاء في إلقاء نظرة فاحصة على التاريخ، حيث أن الحنين إلى حقبة ماضية، مبطن جزئياً بذكريات زائفة.
وعلى الرغم من ارتباطها بشركة أديداس، لعبت ألمانيا في الواقع بمجموعة متنوعة من القمصان المختلفة حتى نهائي بطولة أوروبا العام 1980، عندما ظهرت الخطوط الثلاثة لأول مرة.
وإذا تمكن المنتخب الألماني من الفوز بثلاثة ألقاب أخرى دون "أديدياس" بعد العام 2027، كما فعلوا قبل العام 1980 (كأس العالم 1954، وكأس العالم 1974، وبطولة أوروبا 1972)، فلن يمانع أحد صفقة مماثلة.