هو الله حسبنا ونعم الوكيل

د. محمد المجالي

من المعلوم يقينا عند المسلم أنه لا يتم شيء في هذا الكون من دون علم الله سبحانه وتقديره، فهو الملك الحقيقي والمالك والخالق والمتصرف وحده، كل شيء عنده بمقدار، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، فما أخطأَنا لم يكن ليصيبنا، وما أصابنا لم يكن ليخطئنا، سَنَّ سبحانه سننا للحياة تنظمها، وأمرنا بالأخذ بالأسباب، ونتوكل عليه بعد ذلك، ولا نفهم القدر فهما سلبيا بالتقاعس والاستسلام عن أخذ الأسباب، فالمطلوب بذل الوسع، وبعد ذلك نوكل أمورنا إلى الله، والله مقصود ابتداء، عبادة وتوجها ومعيّة، وطلبا للرضا.اضافة اعلان
حين تحل المصائب والأوبئة والابتلاءات والنوازل، يتوجه الناس إلى القوة الحقيقية اضطرارا، لأنهم في قرارة أنفسهم يعرفون الحقيقة، فهم في حياتهم يكابرون ويلتهون ويلعبون وتغلبهم أهواؤهم، ويطيلون الأمل ويسوّفون في التوبة، وحين تكون الشدائد تصحو الضمائر، وتضطرب الأفئدة، وتنجلي الغشاوة، وصدق الله: "وإذا مسّكم الضُرُّ في البحر ضلّ من تدعون إلا إياه، فلما نجاكم إلى البر أعرضتم، وكان الإنسان كفورا"، والمؤمن الحق يتعرّف إلى الله في الرخاء كما في الشدة، لأنه مطمئن في علاقته مع الله.
ولأنه وباء، فالمستحسن التبشير والترغيب، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ويعجبني الفأل، قالوا وما الفأل؟ قال: الكلمة الطيبة"، فالأوبئة والنوازل والمصائب عموما تكون ثم تزول، تحل ثم تضمحل، تتوالى ثم تولّي، وكان من أسلوب العرب التفاؤل، يسمون اللديغ سليما، والكسير جبيرا، والصحراء مفازة، فلننشر الفأل والطمأنينة، ونشكر الله على أي حال، ونراجع أنفسنا، فكلٌ أدرى بنفسه وعلاقته مع الله: "بل الإنسان على نفسه بصيرة"، فقد تكون هذه كلها رسائل من الله لتعيها البشرية، أفرادا ومجتمعات، وتأخذ منها العبرة.
لنتذكر قدرة الله سبحانه، فهذا فايروس لا يُرى بالعين أرعب العالم وكبّده مئات المليارات من الدولارات من الخسائر المادية، عدى المعنوية من موت ومرض، ومع ذلك نقول: لعله خير، فلا بد أن تكون هناك حكمة يريدها الله تعالى، لترِقَّ النفوسُ، وتُبصر القلوب، وتعِيَ العقول، فها نحن نرى حرص الناس على أنفسهم، وهذا أمر فطري، يقي نفسه، يفدي روحه بكل ما يملك، يستشعر الخطر الحقيقي، يخاف من المصير القادم المجهول، يذهب بخياله إلى كل بعيد، حيث الفراق بأنواعه، هنا لا بد من الاعتصام بالله والالتجاء إليه، والطمأنينة به.
نتذكر في هذا المقام قيمة التضحية في سبيل الله، هذه النفس التي نحرص على سلامتها والخوف عليها، وهذه الأموال التي نجمعها، حين يقدمها المؤمن الحق رخيصة في سبيل الله تعالى، ونتذكر أيضا الأخوّة الحقيقية في أن يحبّ أحدنا للآخرين ما يحب لنفسه، فلا أنانية، ولا شماتة، يساعد بعضنا بعضا، ويدعو بعضنا لبعض. وفي الوقت نفسه نأخذ بأسباب الشفاء، فما من داء إلا وله دواء، وإن لم يكتشفه العالم الآن فلا أقل من الاحتياط، وديننا فيه من الرخص الشيء الكثير، تخفيفا على الناس، وإجراء احتياطيا لمنع انتشار الأوبئة.
في ديننا قاعدة جوهرية أنْ: "لا ضرر ولا ضرار"، تشمل هذه القاعدة الضرر نفسه، وكذلك الوسائل الموصلة إليه، فكلها لا تجوز، وينبغي الاحتياط لها، وتكييفها شرعا، والشرع الصحيح لا يناقض العقل السليم، وينبغي أخذ الحكم الشرعي من أهله، ولا يفتي إلا من كان أهلا للفتوى، فالله تعالى يقول: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". وفي الأزمات ينبغي تحييد العواطف، ونتذكر أن الدين يسر، وإن تقرر شيء من جهة دينية رسمية فالأصل اتباعه، ولا ينبغي التشدد فيما فيه رخصة، ولا التعصب لرأي ما دامت هناك آراء أخرى، فالدين رحب، والله يريد بنا اليسر لا العسر، ولن يشادّ الدين أحدٌ إلا غلبه.
أسأل الله أن يرقق القلوب، ويدفع الشرور، ويهدئ الروْع، وينشر رحمته على العباد والبلاد، ويبصّرنا بحقائق أنفسنا، إنه مولانا، نعم المولى ونعم النصير.