الأردن الصوت الأعلى

جانب من عمليات إنزال جوي أردنية فوق غزة
جانب من عمليات إنزال جوي أردنية فوق غزة

ما زالت المملكة الأردنية الهاشمية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين تثير الإنتباه والإعجاب على قدرتها في مواجهة الأزمات واغتنام الفرص السياسية لتثبت بأنها "نموذج" حقيقي في الاستقرار والاستمرار في منطقة عربية وشرق أوسطية مليئة بالنار والدخان والحروب.

اضافة اعلان


قد لا أبالغ أن قلت بأن الأردن الأجدر والأكفأ بقيادة مكنتها على تخطي الأزمات وخلق جسر نجاة انساني عروبي للأشقاء الفلسطينيين تكللت بمبادرات ورؤى سياسية تولى زمامها جلالته وتمثلت بمجموعة من الانزالات الجوية على قطاع غزة حيث شهدت حكمته تحديات جسيمة على المستويين الداخلي والخارجي نظراً لموقع الأردن الجغرافي الهام وارتباطه العميق في القضايا العربية أهمها الصراع العربي الاسرائيلي. 


وبما أن هذه الأحداث كانت تقع في أغلبها على الحدود الجغرافية المحاذية للأردن كان لابد للملك أن يلعب دوراً مؤثراً فاعل في مجريات الأحداث في الإقليم والعالم ويحمي من خلاله أمنه القومي من ناحيه ويخدم قضايا أمته العربية من ناحيه ثانيه، ولتحقيق ذلك سار على نهج والده الملك الحسين في بناء جبهه داخلية متينه وقوية لتعزز دور الأردن الخارجي بوصفه دولة وسيطة ومعتدلة تسعى دائماً لإيجاد الحلول السلمية للصراعات وعلى رأسها القضية الفلسطينية. 


ويمكن فهم أسس الاستراتيجية التي اعتمدها جلاله الملك في مجموعة الإنزالات الجوية على قطاع غزة لمواجهة التحديات والأوضاع الكارثية التي يعاني منها أهلنا في القطاع الذي ترأس قيادتها جلالته ونشامى القوات المسلحة الأردنية (سلاح الجو الملكي) لكسر الحصار المفروض على القطاع في ظل حرب همجية منذ السابع من أكتوبر، فالمساعدات جرى تسيرها بتوجيهات واضحة وقوية بداية عبر جسر جوي من خلال ٨٨ طائرة (بينها ٤٠ إنزالا جويا)، وبحمولة برية وصلت إلى ٤٥٦ شاحنة إجمالي الحمولة ٧١٦٠ طنا من المواد، سواء أكانت غذائية، أو إغاثية أو طبية يوميا يتم تنفيذ ٢٠٠٠ إلى ٣٠٠٠ طرد غذائي، أو وجبة، أو مياه نقية. فجهود الأردن متمثل بالهيئة الخيرية الهاشمية لتسخير كل السبل المتاحة لفتح خط من الجنوب إلى الشمال أو بشكل مباشر إلى شمال غزة حتى تحصل هذه المناطق على المساعدات المناسبة لها. فالعدو بات يعرفنا جيدا بتلك الإنزالات والذي قابلناها بالشجاعة والصلابة والثقة، من وجهة نظر العالم أجمع هي مبادرات فكرية محنكة ورصينة، جاءت نتيجة رؤية جلالة الملك أن للأردن طموحات كبيرة وكثيرة؛ وأنه اثبت بأن لدينا الفريق المناسب والإمكانات المتوفرة لتحقيق هدف بناء دولة أردنية نموذجية بقيادة وشعب نموذجي.


أن الأردن اليوم يمثل شريكاً استراتيجياً حقيقيا في محاربة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والوقوف جنبا إلى جنب الشعب الفلسطيني، إلا أنه لم يتورع في إطلاق مبادرات جديدة وخلق فرص لدعم ومساندة الفلسطينيين، فما زال الأردن يرفض اقامت اسرائيل دولتها على كامل الاراضي الفلسطينية ورفض الدبلوماسية الأردنية على ضرورة التمسك في حل الدولتين تحقيق التوازن والأمن والاستقرار في فلسطين الأمر الذي أدى الى تكاتف الجهود وتوطيد العلاقات الودية بين كثير من الدول المجاورة التي تمسكت لدعم ومساندة الفلسطينيين. 


فالأردن سيبقى هو الصوت الأعلى في العالم وقد لا أبالغ ان قلت بأن الأردن هو الدولة الوحيدة التي رفعت صوتها عالياً معترضة على ما بات يعرف بالعدوان الإسرائيلي على غزة وهذا ليس بجديد عبر التصريحات والمواقف، فحجم القلق والغضب الأردني تجاه هذا العدوان الغاشم والعدائي على قطاع غزة؛ لكن الموقف الدبلوماسي الأردني لم ولن يتغير فما زال له الأثر الملحوظ في الخطابات السياسية إزاء السياسة الصهيونية المجحفة بحق الدولة الفلسطينية والحقوق العربية.


فالأردن اليوم كشعب ودولة عميقة يتربع على سددتها الملك يرى بأنه مستهدف من هذا العدوان عبر ما يطلق عليه "بالوطن البديل" والذي يعني، بمعنى من المعاني، توطين الفلسطينيين بشكل كامل ونهائي على الأرض الأردنية، فضلاً عن شعور الأردن مستهدف في حقوقه الشرعية في "الوصاية الهاشمية" على الأماكن المقدسة في القدس الإسلامية منها والمسيحية.
 في هذا الاطار لا بد من الإشارة الى أن رؤية الاردن وقيادته ازدادت قوة وقناعه لموقفهم إزاء هذا العدوان وهذه الكوارث البشرية، ولاسيما جاء ذلك لتقوية موقف الأردن الرافض لهذه الحرب وهذا العدوان، وان شجاعة وجسارة جلالته في رفضه للمخططات الأحادية من جانب العدوان، وللتأكيد على ضرورة تعزيز دور الاردن كشريك استراتيجي وفعال في المنطقة والعالم أجمع لتبقى العلاقات الدبلوماسية الأردنية قوية ومتينه كما عهدناها وحتى أثناء أزمة الحرب المستعرة حرب 7 أكتوبر، فمن خلال الإنزالات الأخيرة التي قام بها الجيش العربي المصطفوي لقطاع غزه سواء كان في الجنوب او في الشمال وما أكد عليه جلالته في لقاءه في محافظتي معان والعقبة، ففي هذه اللقاءات برزت متانة القيادة الهاشمية الرصينة في صف الصفوف العربية والشعبية وكبح جماح الحروب والصراعات المذهبية والطائفية التي اجتاحت المنطقة لسير قدما في تحقيق مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف الذي أصبحت الشغل الشاغل لجلالة الملك خلال زياراته وجولاته لدول العالم، ما يسمح بفسحة من الاستقرار والأمن والرخاء على كافة الشعوب العربية ودورها كما يفعل الأردن وقيادته. 


اذا يستمر الاردن اليوم من خلال مواقفه الرصينة والحكيمة تجاه القضية الفلسطينية في التحرك بسياسة ودبلوماسية مع الدول الكبرى ولاسيما مع الولايات المتحدة الأمريكية للتفكير في القضايا الخلافية على أرض الواقع مع اسرائيل المتعلقة بإقامه دوله فلسطينية حسب قرارات الشرعية الدولية ولاسيما قرارات الأمم المتحدة 242 و 338 ودفن فكرة ما يسمى الوطن البديل التي تطل من وقت الى آخر وظهرت في 7 اكتوبر القائمة على تصفية القضية الفلسطينية من جذورها على حساب الأردن عبر ترحيل ما تبقى من الفلسطينيين الى المملكة الأردنية الهاشمية وجعل الدولة الإسرائيلية دولة يهودية، وهذا استحالة بجهود القائد المحنك، ومع ذلك كله كل الدلائل التاريخية والسياسية تشير الى إن من تجاوز الصعوبات الأولى التأسيسية يمكنه أن يتجاوز الصعوبات والتحديات اللاحقة.


فالأردن الصغير القوي بشعبه وقيادته الواثق بتاريخه المتمكن من جغرافيته استطاع ان يتجاوز امتحانات البيئتين المحلية والدولية، قد تجاوز امتحان الوجود والاستقلال وامتحان الحرب الباردة وصراع القيادة في الشرق العربي، وخطر الربيع العربي المدمر عام 2011 وتحدي ما يسمى بصفقه القرن عام 2019 وما زال ينتظر المزيد من الامتحانات الداخلية والخارجية ليثبت بأنه قادر على النجاح والانتصار دوماً للوصول الى المستقبل الذي يريده.