الفصل الأخير من نزاع ناغورنو-كاراباخ

مدنيون أرمن يترجلون من شاحنة عسكرية بعد إجلائهم من ناغورنو كاراباخ برعاية قوة حفظ السلام الروسية - (أرشيفية)
مدنيون أرمن يترجلون من شاحنة عسكرية بعد إجلائهم من ناغورنو كاراباخ برعاية قوة حفظ السلام الروسية - (أرشيفية)

يناقش توماس دي فال، في مقابلة معه، تشابك المصالح والمخاطر في سياق المعارك الأخيرة في الإقليم المُتنازع عليه.
*   *   *
توماس دي فال باحث أول في مركز كارنيغي-أوروبا، مختصص في شؤون أوروبا الشرقية والقوقاز.

اضافة اعلان

 

وهو مؤلف لكتب عدة حول المنطقة، من بينها "القوقاز: مقدمة" The Caucasus: An Introduction، (منشورات جامعة أكسفورد)؛ و"الكارثة الكبرى: الأرمن والأتراك في ظل الإبادة الجماعية"، Great Catastrophe: Armenians and Turks in the Shadow of Genocide، (منشورات جامعة أكسفورد، 2015)؛

وحول نزاع ناغورنو-كاراباخ، "الحديقة السوداء: أرمينيا وأذربيجان بين السلم والحرب" Black Garden: Armenia and Azerbaijan Through Peace and War، (منشورات جامعة نيويورك، الإصدار الثاني 2013).

 

كما شارك مع كارلوتا غال في تأليف كتاب بعنوان "الشيشان: مأساة في القوقاز" Chechnya: Calamity in the Caucasus، (منشورات جامعة نيويورك، 1997)، الذي فازا عنه بجائزة جايمس كاميرون للتقارير المتميزة. وقد أجرى "مركز كارنيغي للشرق الأوسط" مقابلة مع دي فال في أواخر أيلول (سبتمبر) لمناقشة انتصار أذربيجان في إقليم ناغورنو-كاراباخ، وتداعيات ذلك على المنطقة الأوسع. وفي ما يلي نص المقابلة:


مايكل يونغ: لقد راقب أناس كثر في العالم العربي وإيران عن كثب التطورات التي شهدها إقليم ناغورنو-كاراباخ. ما السبب في ذلك برأيك؟ وبعبارة أخرى، من أي نواحٍ تعد أحداث القوقاز امتدادا لسياسات الشرق الأوسط؟


توماس دي فال: كنا في السابق ننظر إلى النزاع بين أرمينيا وأذربيجان ضمن سياق أوروبي. فقد كانت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا هي الوسيط الأساسي، وكانت لروسيا والدول الغربية مصالح على جانبَي النزاع.

 

أما تركيا، فقد دعمت أذربيجان، لكنها أرادت في الوقت نفسه التوصل إلى حل دبلوماسي للنزاع. وكانت لإيران مصالح أيضا، لكنها هامشية للغاية. لكن حرب العام 2020 غيرت جميع هذه المعادلات. فقد قدمت تركيا دعمها العسكري الكامل لأذربيجان، وهو ما شكل خطوة حاسمة في تحقيق الانتصار على الأرمن. ونشرت روسيا قوات لحفظ السلام في الإقليم، وانهارت الصيغة التي اقترحتها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وتم تهميش الغرب.


في هذا السياق، اختلط حابل النزاع بنابل الديناميات الأوسع في الشرق الأوسط. فبدأت إيران بدعم أرمينيا بشكل أكبر بسبب قلقها من إمكانية بسط أذربيجان وتركيا سيطرتهما الكاملة على حدودها الشمالية.

 

أما إسرائيل فتدعم أذربيجان في الوقت الراهن، ربما بسبب العامل الإيراني.

يُضاف إلى ذلك أن باكستان تزود أذربيجان بالأسلحة، في حين أن الهند تزود أرمينيا بها.


يونغ: تحدث مراقبون عن واقع أن روسيا سمحت للقوات الأذرية بالتقدم في ناغورنو-كاراباخ، معتبرين في ذلك إشارة إلى أن الكفة في موسكو تميل لصالح باكو. هل توافقهم الرأي، وما التداعيات الجيوسياسية الأوسع إذا كانت روسيا قد وقفت بالفعل، وبصورة ضمنية، إلى جانب أذربيجان؟


دي فال: لطالما كانت أذربيجان ماهرة في لعبة التفاعل بين روسيا والغرب، مقنعةً كل طرف بأنه شريك مفيد، لأسباب مختلفة بطبيعة الحال. خلال الأسبوع الفائت، ظهر على نحو سافر كيف عمد الرئيس الأذري، إلهام علييف، إلى تقديم تطمينات إلى شركائه الغربيين، بمن فيهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، بأنه لن يلجأ إلى استخدام القوة، لكنه ما لبث أن فعل عكس ما قاله.

 

من الواضح أن هناك صفقة جانبية مع موسكو، إذ لم تحرك قوات حفظ السلام الروسية ساكنا ولم تقم موسكو بإدانة الهجوم، وسرعان ما سيطرت أذربيجان على ناغورنو-كاراباخ. وبعد ذلك تدخل الروس للتفاوض بشأن وقف إطلاق نار كان في الواقع بمثابة استسلام كامل للطرف الأرميني في الإقليم. وشكل ذلك انتصارا ساحقا للأذريين، ولكن سيتعين عليهم تحمل عواقب هذا التحول القوي نحو روسيا وبعيدا عن الغرب.


أما المسألة الثانية فتتعلق بجمهورية أرمينيا، إذ يطالب الروس علنا بإقالة رئيس وزرائها نيكول باشينيان من منصبه نظرا إلى انحيازه الكبير إلى الغرب. ويبدو أن لدى باكو وموسكو وأنقرة أجندة مشتركة لإرغام يريفان على القبول بشروطهما لشق طريق بري وفتح خط سكة حديد عبر الأراضي الأرمينية إلى إقليم ناخيتشيفان الأذري، على ألا يتمتع الطرف الأرميني سوى بحد أدنى من السيطرة وأن يتولى حرس الحدود الروس مهمة الحراسة.

 

وسيتم توجيه تهديدات مُبطنة باستخدام القوة إن لم تقبل أرمينيا بذلك. ويحتمل أن تكون هذه هي الجبهة المقبلة للنزاع التي ستضطر الحكومات الغربية إلى التعامل معها. فجأة، بات على الغرب الاضطلاع بدور المدافع الأخير عن أرمينيا، فيما أصبحت إيران، لسخرية القدر، تجلس في مقعد الاحتياط.


يونغ: ثمة في الولايات المتحدة وإسرائيل من يدعمون أذربيجان لأنهم يرون في ذلك وسيلة لزعزعة استقرار إيران، التي تقطنها شريحة كبيرة من الأذريين الذين عبروا في الماضي عن مشاعر مؤيدة للحكم الذاتي. هل هذه الحسابات واقعية؟ وكيف يمكن أن تؤثر نجاحات أذربيجان، المدعومة من تركيا، على الوضع في إيران؟


دي فال: هذا صحيح. هناك الكثيرون الذين ينظرون إلى المنطقة من منظور روسيا أو إيران. وكان جون بولتون من ضمن هذه المجموعة لفترة من الزمن، حين كان يشغل منصب مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترامب، وقد حاول أن يجعل جهود الوساطة في النزاع تتمحور حول إيران.

 

وقد استخدم الأذريون ذلك لمصلحتهم، فتمكنوا من استمالة الكثير من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة. لكنني أرى أن هناك أشخاصا من ذوي الآراء المتزنة في باكو الذين يدركون أن زعزعة الاستقرار في إيران قد تنطوي على مخاطر، وأن الإيرانيين لديهم أيضا أوراق ضغط قادرة على زعزعة الاستقرار في أذربيجان، مثل رجال الدين الشيعة أو بعض أفراد أقلية التاليش.


يونغ: تتعرض الحكومة الأرمينية إلى انتقادات لاذعة محليا لعدم بذلها ما يكفي من الجهود لمساعدة الأرمن في إقليم ناغورنو-كاراباخ. ما الدروس التي يمكن أن تستقيها أرمينيا من الكارثة الأخيرة في المنطقة؟


دي فال: سوف تعيش أرمينيا حالة من الاضطرابات لفترة طويلة. فخسارة ناغورنو-كاراباخ تشكل أكبر هزيمة وصدمة للأرمن منذ سقوط مدينة كارس في أيدي الأتراك في العام 1920.

 

بل إن الأمر أكبر من ذلك على الأرجح. وكما ذكرت سابقا، سيحاول كثيرون التخلص من باشينيان، لكنني آمل بأن تكون هذه هي لحظة التضامن والوقوف في صف واحد، بدلا من تراشق الاتهامات والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد.

*مايكل يونغ: محرر مدونة "ديوان" ومدير تحرير في "مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط".

 

اقرأ المزيد في ترجمات