"حماس" والرأي العام العربي‏

ملصق للناطق العسكري باسم حماس "أبو ‏‏عبيدة"‏‏ على سور مدينة اسطنبول، تركيا، 10 تشرين الثاني (نوفمبر)، 2023 - (المصدر)
ملصق للناطق العسكري باسم حماس "أبو ‏‏عبيدة"‏‏ على سور مدينة اسطنبول، تركيا، 10 تشرين الثاني (نوفمبر)، 2023 - (المصدر)

أسعد أبو خليل*‏ - (كونسورتيوم نيوز) 2024/1/3
‏بعد ثلاثة أشهر من اندلاع القتال، لم يتمكن الجيش الإسرائيلي القوي من تحقيق نصر عسكري يمكن الحديث عنه، وما يزال غير قادر على الوصول إلى القيادة العليا لـ"حماس" (ومع ذلك، تفاخر بالاستيلاء على حذاء قائد "حماس"، يحيى السنوار، وبقصف شقة ادعى أنها كانت تستخدم ذات مرة كمخبأ).

*   *   *
‏يدّعي الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته، أنتوني بلينكن، في محاولة للظهور بمظهر المتمتع بالحساسية، أن "حماس" لا تتحدث باسم الشعب الفلسطيني.

اضافة اعلان

 

وقد سعيا طوال الوقت إلى تصوير الحرب على الشعب الفلسطيني على أنها حرب على "حماس".


‏حتى كتابة هذه السطور، قتل أكثر من 21.000 فلسطيني وما تزال الحرب تُسوّق على أنها تستهدف "حماس" فقط، وفقًا للمسؤولين الأميركيين والإسرائيليين.


(على الأقل، تعترف إسرائيل بأن أكثر من نصف القتلى ليسوا من مقاتلي "حماس"، وتبالغ كثيرًا في عدد مقاتلي "حماس" الذين يُفترض أنهم قتلوا من أجل تمويه الإبادة الجماعية.

 

وبذلك، تتفاخر إسرائيل بأنها قتلت أكثر من 10.000 مدني فلسطيني "فقط").


‏من جهتها، جعلت إدارة بايدن تفضيلها الخاص واضحًا تمامًا: إنها تريد أن تحكم حركة "فتح" (بعد "تنشيطها" أو "تجديدها") قطاع غزة (نيابة عن إسرائيل).


لكنَّ السلطة الفلسطينية مكروهة ومحتقرة على نطاق واسع لدى الشعب الفلسطيني، ويُنظر إلى قادتها، بحق، على أنهم بلطجية، مجرمون، مختلسون ومتعاونون مع إسرائيل.


‏لا يمكن للسلطة الفلسطينية أن تبقى في السلطة إلا بقوة السلاح، تمامًا مثل الأنظمة العربية المستبدة. وكان لسبب وجيه أن رفضت "فتح" إجراء أي انتخابات منذ فوز "حماس" في انتخابات العام 2006.

 

كما أن الولايات المتحدة، التي اعتادت الضغط على الفلسطينيين من أجل إجراء انتخابات، لا تريد السماح بإجراء الانتخابات الآن لأنه من الواضح أنها ستتم الإطاحة بجماعة "فتح" في التصويت.


السلطة القمعية

 


لا يختلف حكم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية الآن عن أي حكومة استبدادية عربية، وتدير جيشها القمعي من البلطجية المخابرات الأميركية.

 

وفي المقابل، أدارت "حماس" غزة بشكل أقل قمعًا بكثير من إدارة "فتح" للضفة الغربية، ولم تلاحق "حماس" سوى الذين وجدت أنهم متعاونون مع إسرائيل وجواسيس لها.‏


كانت المنافسة بين "حماس" و"فتح" محسومة منذ فترة طويلة. وكان الفلسطينيون يفضلون "حماس" منذ سنوات عديدة، ولأسباب عديدة.


‏إن "حماس" ليست فاسدة، في حين أن "فتح" تجسيد للفساد. و"حماس" تحارب إسرائيل، بينما تتعاون "فتح" مع إسرائيل. وقادة "حماس" يعيشون بين الناس، بينما يعيش قادة "فتح" في قصور مشددة الحماية؛ ويعيش قادة "حماس" حياة متواضعة، في حين يتمتع قادة "فتح" بأنماط حياة مترفة.

 

وعلاوة على ذلك، فإن "فتح" هي التي تتحمل اللوم، بحق، عن المسار الفاشل والبائس لاتفاقات أوسلو، الذي لم تدعمه "حماس" في أي وقت من الأوقات.‏


كما أن "حماس" تمر الآن بولادة جديدة. ويمكن لعملية عسكرية واحدة أن تُحدث فرقًا في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني من أجل الاستقلال.


‏كانت ‏‏معركة الكرامة‏‏ التي جرت في العام 1968 (والتي بالغ ياسر عرفات و"فتح" كثيرًا في عرض مآثرهم فيها) قد دفعت حركة "فتح" إلى موقع القيادة المهيمنة داخل منظمة التحرير الفلسطينية.

 

ويروي هاني حسن (أحد قادة "فتح") كيف توافد الفلسطينيون بالآلاف للانضمام إلى الحركة بعد معركة الكرامة.


لكن عملية "حماس" ("طوفان الأقصى") في 7 تشرين الأول (أكتوبر)‏‏، ‏‏ستكون أكثر أهمية من معركة الكرامة في الذاكرة التاريخية الفلسطينية، بل وفي الذاكرة التاريخية العربية.


‏وبغض النظر عن الإدانات والاتهامات الغربية -أو ربما بسببها جزئيا- فقد أُعجب العرب والمسلمون في جميع أنحاء العالم بالعملية الجريئة وبقدرة مقاتلي "حماس" على أخذ الجيش الإسرائيلي على حين غرة.‏


ما تزال تفاصيل ما حدث في تلك الليلة غائمة وتتعامل إسرائيل بسرية بالغة مع ما حدث لإخفاء الأخبار عن ‏‏تواطئها‏‏ في قتل الإسرائيليين. وما تزال طبيعة الهجمات على المدنيين موضع نقاش، ولا يصدّق كثير من العرب الروايات الإسرائيلية ويلومون الجيش الإسرائيلي على الموت والدمار الذي نشأ في ذلك الحين. ‏


‏كما أوضحت "حماس" أنها لم تنخرط في الفظائع أو الاعتداءات الجنسية التي ادعت إسرائيل أنها حدثت في ذلك اليوم، ولا يوجد شيء على الإطلاق في تاريخ "حماس" يدعم الادعاءات الإسرائيلية بوقوع اعتداءات جنسية.‏


كان الشعب الفلسطيني ينتظر طويلًا لحظة يهز فيها الأرض تحت أقدام الجيش الإسرائيلي.

 

وكانت عملية أوسلو وإنشاء نظام متعاون في رام الله (الذي يعمل كملحق للاحتلال الإسرائيلي ويتلقى أوامره من مسؤولي المخابرات الأميركية الإقليميين) قد حظمت آمال الجماهير.

 

‏وقد عاش أولئك الذين حلموا لعقود بتحرير فلسطين أوقاتًا أسوأ حتى من الاحتلال نفسه، وكان الحصار القاسي على غزة يزداد إحكامًا مع مرور الوقت. 


وبالإضافة إلى ذلك، اضطر الفلسطينيون الذين يعيشون في الضفة الغربية، لأول مرة، إلى التعامل مع مواطنيهم الفلسطينيين الذين كُلفوا بالمسؤولية عنهم لمنعهم من الانخراط في المقاومة، أو حتى انتقاد المتعاونين مع الاحتلال.


‏كان ثمة توقع بأن يحدث شيء ما لكسر قبضة الاحتلال والسلطة الفلسطينية على حياة الفلسطينيين.

 

وفي غزة، لم يكن من الممكن أن تستمر الحياة البائسة التي فرضتها إسرائيل على الفلسطينيين إلى الأبد.


شقت "حماس" طريقها خارجة من السجن، وكان هناك تأييد بالإجماع لعملها في الرأي العام الفلسطيني والعربي.

 

‏‏(لسبب ما، تفترض وسائل الإعلام الغربية أن الآراء الغربية تؤثر على الناس في جميع أنحاء العالم. وقد اكتشفت في حرب أوكرانيا أن "العالم" ليس الغرب).‏


‏بالإضافة إلى ذلك، تخلت حكومات عربية عن القضية الفلسطينية. وخلصت إلى أن التطبيع مع إسرائيل هو الشرط للحصول على الأسلحة الأكثر تقدمًا من الحكومة الأميركية، وأن التطبيع هو ضامن كبير للتساهل الأميركي مع انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث لديها. وكان الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، قد اختبر ذلك بشكل مباشر.

 

ولهذا السبب، أطلق في الأشهر التي سبقت اغتياله حملة من القمع والاعتقالات واضطهاد المعارضين.

 

‏‏وقد دعمه الغرب على طول الطريق كما يدعم الأوتوقراطيين الحاليين، شريطة ألا يزعجوا إسرائيل واحتلالها.


‏لم يعلق الفلسطينيون آمالهم على الحكومات العربية، لكن مستوى عداء بعضها الصريح تجاه الفلسطينيين قتل أي فرصة لأن تساعد الحكومات العربية في استعادة الأراضي العربية من إسرائيل.

 

وبالإضافة إلى ذلك، شرعت وسائل إعلام بعض الأنظمة في حملة لشيطنة الفلسطينيين، وخاصة "حماس".


في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، انتشر الإعجاب بـ"حماس" وشجاعتها وجرأتها بين الشعوب العربية. وقد لاقت أشرطة الفيديو التي يظهر فيها "أبو عبيدة" (الناطق الرسمي بلسان "كتائب القسام"، الذراع العسكري لحركة "حماس") نجاحًا كبيرًا، وتم تداولها على نطاق واسع في وسائل الإعلام العربية التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي.


‏كما رُسمت صورة "أبو عبيدة" على الجدران، وأصبح الأطفال يرتدون ملابس مثل ملابسه ويغطون وجوههم بالكوفية الفلسطينية التقليدية على طريقته.

 

‏وقد تحسنت نوعية الدعاية العسكرية لـ"حماس" بشكل كبير وأصبح الناس يلتصقون بشاشاتهم في انتظار التصريح التالي.

 

وأثارت نبرة التحدي التي ميزت تصريحات "حماس" إعجاب الكثيرين في العالم العربي وقارنوا ذلك بالأداء السياسي والعسكري السيئ لمنظمة التحرير الفلسطينية. ‏


الآن، بعد ثلاثة أشهر من اندلاع القتال، لم يتمكن الجيش الإسرائيلي القوي من تحقيق نصر عسكري يمكن الحديث عنه، وما يزال غير قادر على الوصول إلى القيادة العليا لـ"حماس" (ومع ذلك، تفاخر بالاستيلاء على حذاء قائد "حماس"، يحيى السنوار، وبقصف شقة ادعى أنها كانت تستخدم ذات مرة كمخبأ). (قبل أيام،‏‏ قتلت‏‏ إسرائيل صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، في هجوم بطائرة من دون طيار في بيروت،‏‏ ‏‏لبنان).‏


في العام 1982، تمكن الجيش الإسرائيلي من عبور منطقة جنوب لبنان بأكملها وصولاً إلى ضواحي بيروت في غضون ساعات، على الرغم من وجود آلاف المقاتلين من منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية.


‏نوعية جديدة من المقاومة‏

 


‏لاحظ الرأي العام العربي أن حركات المقاومة الجديدة، في لبنان وفلسطين واليمن، هي من نوعية مختلفة عن تلك التي كانت في الماضي، وأن شخصيات القادة الجدد للمقاومة شرسة -وحتى قاسية- مقارنة بقادة منظمة التحرير الفلسطينية الذين لم يصمدوا كما ينبغي تحت الضغط (حتى عرفات الذي تعامل مع الضغط بشكل أفضل من العديد من زملائه، عانى من نوبات من الشك وأظهر نوبات غضب شديدة أثناء حصار بيروت، وفقًا لرواية رئيس الوزراء اللبناني آنذاك، صائب سلام، في مذكراته التي صدرت مؤخرًا بعد وفاته). ‏


وسوف يستمر صعود "حماس"، وسوف تهيمن على المشهد السياسي الفلسطيني لسنوات عديدة قادمة. ‏‏

 

ويُسمع اسم "حماس" الآن في جميع هتافات المتظاهرين العرب ويمكن التعرف على أسماء قادتها في كتابات الشوارع.


‏وفي الوقت نفسه، تريد بعض الدول العربية مواصلة الترويج للسلطة الفلسطينية كبديل (يريد بعضها استبدال محمود عباس بمحمد دحلان، الأداة في أيدي قادتها).


‏لكنّ المرجح هو أن يتغير الطيف السياسي الفلسطيني بعد أن ينقشع الغبار في غزة.‏

 

‏ومن المرجح أن يتم نبذ مسؤولي "فتح" الذين بنوا حياتهم المهنية على الفساد والولاء للجيش الإسرائيلي -أو حتى اغتيالهم. وسوف تبشّر نهاية حرب غزة بمرحلة من الحرب الفلسطينية الضروس، حيث سيتم استهداف المتعاونين (لدى يحيى السنوار، الزعيم السياسي لـ"حماس"، تاريخ في مطاردة ومعاقبة المتسللين والمتعاونين مع إسرائيل).


‏ومن غير المرجح أن تنتشر السلطة الفلسطينية في غزة، على الرغم من رغبات فريق بايدن-بلينكن. وستكون "حماس"، في أعقاب حرب غزة، أكثر جرأة، وستضمن الخطة (التي وضعتها الولايات المتحدة وإسرائيل) للقضاء على "حماس" أن تبقى الحركة العمود الفقري لحركة التحرير الفلسطينية.


‏من المفارقات أنه في الوقت الذي أصرت فيه إسرائيل والولايات المتحدة على القضاء على "حماس"، ضمنت حرب الإبادة الجماعية التي أُطلقت على غزة والمقاومة الشديدة التي أبدتها "حماس" مكانة بارزة للحركة في الرأي العام الفلسطيني والعربي.

 

ولن يتم طرد "حماس" مهما كانت القوة الوحشية التي تستخدمها إسرائيل.‏

*‏أسعد أبو خليل As`ad AbuKhalil: أستاذ لبناني أميركي للعلوم السياسية في جامعة ولاية كاليفورنيا، ستانيسلاوس.

 

وهو مؤلف كل من "القاموس التاريخي للبنان" (1998)، و"بن لادن، الإسلام وحرب أميركا الجديدة على الإرهاب" (2002)، و"المعركة من أجل المملكة العربية السعودية" (2004). أدار مدونة "العربي الغاضب" The Angry Arab الشهيرة.

 

*نشر هذا المقال تحت عنوان: AS`AD AbuKHALIL: Hamas & Arab Public Opinion

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

هل يمكن تدمير "حماس"؟