نوايا ترامب الانتقامية خلف تصريحاته الانتخابية

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب - (أرشيفية)
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب - (أرشيفية)

إحياء الرئيس السابق الدعوة إلى "إلغاء واستبدال" برنامج "أوباما كير" للرعاية الصحية له سمة أساسية واحدة- الثأر.
*   *   *
هل تذكرون "الإلغاء والاستبدال"؟

اضافة اعلان


على مدى عقد من الزمن تقريباً، كانت تلك العبارة هي شعار العديد من الجمهوريين في العاصمة الأميركية، واشنطن، الذين أوكلوا إلى أنفسهم مهمة اقتلاع مشروع "أوباما كير" (قانون الرعاية الصحية الأميركي الذي يعرف باسم أوباما لصدوره في عهده) من جذوره، ذلك المشروع الذي يعد أبرز إنجازات أول رئيس أميركي أسود للجمهورية.


وعندما انتقل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مع أغلبيته الجمهورية في مجلسي الكونغرس، للنواب والشيوخ في العام 2017، كان من البديهي أن يكون ذلك الهدف في المتناول، حتى ولو لم يكن واضحاً تماماً ماذا سيفعل الجمهوريون، فيما يتعلق بجزئية "الاستبدال" من خطتهم.


وبشكل مماثل، لم يكن واضحاً أبداً بنسبة 100 في المائة، ماذا كان اعتراض الجمهوريين على قانون "حماية المرضى وتوفير الرعاية الميسرة مادياً" Patient Protection and Affordable Care Act، خاصة وأن الفكرة من وراء التشريع -أي فرض شراء بوليصة التأمين الصحي من القطاع الخاص، بدلاً من أن يكون هناك برنامج نظام رعاية صحية تديره الحكومة مشابه "لهيئة خدمات الصحة البريطانية" (أن أتش أس) NHS- كان وليد مركز بحوث منحاز للحزب الجمهوري، وكان أول من قام باعتماده هو حاكم ولاية ماساتشوستس في حينه، ميت رومني، قبل سنوات من قيامه بمنافسة السيد أوباما في سباق الانتخابات الرئاسية للعام 2012.


والقصة في هذا الشأن طويلة، ولكن بالمختصر المفيد، لم ير ذلك "الإلغاء" أو "الاستبدال" النور يوماً أن كان الجزء المتعلق "بالإلغاء" قد قضى بجرة قلم على السيناتور الراحل عن ولاية أريزونا جون ماكين خلال تصويت جرى في يوم متأخر من شهر تموز (يوليو) 2017.


ولكن حالياً، وبعد أكثر من ست سنوات على قيام بطل زمن حرب فيتنام، الذي تحول إلى بطل أيضاً بالنسبة للديمقراطيين (والأشخاص الذين يقدرون مبدأ توفير نظام تأمين صحي اقتصادي)، يقوم السيد ترامب وبشكل منفرد بإعادة إحياء الحلم الجمهوري المستحيل القديم، الذي كان قد مات منذ مدة طويلة، بالعمل على إنهاء ما كان قد أصبح تشريعاً يحظى بشعبية كبيرة.


يبدو أنه ومن فراغ تام، قام الرئيس السابق بنشر مقال على موقعه "تروث سوشيال"، عن كيفية "خروج كلفة مشروع أوباما كير عن السيطرة"، وأنه "ليس نظام رعاية جيد".


وأضاف ترامب أنه بصدد "النظر وبجدية في البدائل المتوفرة"، مسترجعاً من الماضي ما كان السيد ترامب يقوم به من إطلاق الوعود بشأن تحقيقه باستمرار، عن نيته الكشف عن خطته الخاصة بالرعاية الصحية "خلال أسبوعين"، في زمن ولايته الرئاسية (تفصيل يفسد القصة هنا! لم يحدث ذلك أبداً).


ولكن، ما الذي دفع ترامب إلى إعادة إحياء اقتراح سياسي في مجال هناك إجماع واسع على أن الديمقراطيين يتمتعون بصدقية لا جدال فيها لدى شريحة واسعة من الناخبين؟ ليس لديَّ أدنى فكرة.


هل يقترب ترامت من اقتراح خطة بديلة بصورة أكبر من وقت توليه الرئاسة؟ لا أعتقد.


لكنَّ ذلك لم يمنع الصحافة من نقل الأخبار حوله بشكل مكثف ومن دون توقف، وكأن السيد ترامب كان يقدم، ببساطة، اقتراح مشروع قرار شرعي كأي مرشح طبيعي للرئاسة.


حسناً، عند هذه النقطة يجوز أن تطرحوا سؤالاً: ما العيب في ذلك؟


عزيزي القارئ، سوف أقول لك ما الخطب. عند هذه النقطة، ليس هناك في الحقيقة من سبب يدعو إلى تغطية صحفية لأي حدث يشبه اقتراحًا سياسيًا يأتي من دونالد ترامب أو من حملته الانتخابية.


بطبيعة الحال، قام الرئيس السابق بنشر مجموعة من التصريحات التي ترسم إطاراً لما تطلق عليه حملته الانتخابية اسم "أجندة 47" -ما سيقوم بتنفيذه إذا قام الناخبون بإعادته إلى الرئاسة في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في السنة المقبلة- في سلسلة من أحاديث فيديو مسجلة موجهة مباشرة إلى عدسة الكاميرا.


لكنَّ هناك موضوعاً واحداً يطكم خلف كل تلك الأحاديث، وهو أمر كثيراً ما قام ترامب بالتطرق إليه والتركيز عليه في كل ظهور علني قام به تقريباً: الثأر.


إن محاولات السيد ترامب الفوز بولاية رئاسية ثانية لا تتعلق في جزء كبير منها بما يعتقد أنه سيستطيع تحقيقه لتحسين حياة المواطن الأميركي العادي، وإنما تتعلق برغبته التي لا تنضب في مساعيه إلى إلحاق الضرر بالأشخاص الذين كانوا قد وجهوا إليه أي إهانة، أو أنهم كانوا قد ألحقوا الضرر به، والأشخاص الذين يلومهم أنصاره على أنهم مسؤولون عما آلت إليه حياتهم.


إنه يسعى إلى تدمير جهاز الخدمة المدنية المحايد سياسياً، والذي كان النواة الأساسية التي أرست كيفية تفادي الولايات المتحدة الأميركية، على مدى القرن ونصف القرن الماضيين، الإدارات التي لا تتمتع بالكفاءة، والتي تميزت بالفساد، وذلك في سبيل تحقيقه هدفاً نهائياً هو التأكد من أن أحداً لن يقول له "لا"، عندما يقوم بالمطالبة بأن يسمح له باستخدام سلطات إنفاذ القانون وأجهزة الأمن القومي ضد أعدائه.


اليوم على سبيل المثال، أمضى ترامب صباحه في نشر منشورات إلكترونية يهاجم فيها المدعين العامين الذين يلاحقونه، في أكثر من ولاية قضائية.

 

وقام، ولسبب وجيه، بمهاجمة الرئيس التنفيذي لشركة "كومكاست" Comcast، براين روبرتس، لارتكابه خطيئة لا تغتفر على ما يبدو، تمثلت في إدارته للشركة المالكة والمشغلة لشبكة كابل "أم أس أن بي سي" MSNBC.


وكان ترامب قد اشتكى من أن القناة الإخبارية التقدمية إلى حد ما "تستخدم مجاناً موجات بث حكومية موافقاً عليها، ومع ذلك فهي متفرغة فقط لمهاجمة دونالد ترامب والحزب الجمهوري طوال أربع وعشرين ساعة في اليوم، بهدف التدخل في الانتخابات".


ولنتوقف هناك أيها القارئ العزيز، في محطة سريعة لتدقيق المعلومات.


من المعلوم أن قناة "أم أس أن بي سي" لا تستخدم أياً من "موجات بث" لأنها لا تعتمد على البث الهوائي، ولذلك فهي ليست مشمولة بآليات الحصول على رخصة للبث كما هو حال قنوات التلفزيون المحلية في مناطقكم.

 

ثانياً، أن قناة "أم أس أن بي سي" لا تبث برامجها على مدار "24 ساعة"، لأنها تعيد برامجها التي تبث بين الساعة التاسعة مساءً إلى الـ12 ليلاً مرتين بعد انتهاء برنامج ستيفاني روهل الذي يختم نهار عمل برامج المحطة، ببرنامج "الساعة الحادية عشرة".

 

وأن ما يطلق عليه السيد ترامب وصف "تدخلات انتخابية" هو في الواقع واجبات صحفية.


واختتم ترامب ثورة هيجانه شاكياً من كيف أن شبكة الكابل المالكة لقناة "أن بي سي" الإخبارية (نفس الشركة المالكة لقناة "أم أس أن بي سي") هي "من أكبر الداعمين السياسيين العالميين لتيار اليسار الراديكالي للحزب الديمقراطي، والتي بالمناسبة، تقوم بتدمير بلدنا"، واقترح أن على الحكومة الأميركية "أن تقوم بالتضييق عليهم وأن تقوم بمحاسبتهم على نشاطهم السياسي غير المشروع".

 

وأضاف ترامب: "وهناك المزيد قادم، تابعوا"! إنه هذا التصرف تحديداً -إغلاق وسائل الإعلام الناقدة ومعاقبة الذين يديرونها، وليس العودة إلى مشروع "الإلغاء والاستبدال"- هو جوهر برنامج ترامب. وهو تحديدًا ما يخطط للقيام به إذا كُتب له أن يصبح رئيساً من جديد.

*أندرو فينبيرغ: كاتب وصحفي أميركي.

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

  لا تدعوا السيرك يشتت انتباهكم.. ترامب بارع جدا