سنجار: تسع سنوات بعد الإبادة الجماعية

1692178707427026400
أيزيديون هاربون من بطش "داعش" في العراق، 2014 - (أرشيفية)

تشهد هذه الأيام الذكرى التاسعة للإبادة الجماعية في حق الأيزيديين في سنجار حين ارتكب تنظيم "داعش" في مطلع آب (أغسطس) من العام 2014 واحدة من أسوأ الجرائم في التاريخ الحديث.

اضافة اعلان

 

وأدت تلك المجزرة إلى مقتل آلاف الأيزيديين واستعباد النساء والأطفال وتدمير قرى ومجمعات لمئات الآلاف من السكان المحليين. والآن، بعد ما يقرب من عقد من الزمان، ما يزال العديد من الضحايا في عداد المفقودين، ويعيش الآلاف في مخيمات للنازحين في ظروف غير مستقرة وغير صحية.


تشكل هذه الذكرى فرصة للتأمل في الصراع الدائر في منطقة سنجار بين الجماعات المسلحة وتأثيره العميق على المنطقة وسكانها.

 

كما أنها فرصة لاستعراض الصمود والتحديات التي تواجه الأيزيديين طوال هذه الفترة، وللتطلع للمستقبل بآمال وتطلعات جديدة، حيث يستحق الأيزيديون السلام والاستقرار والفرص المتكافئة لإعادة بناء حياتهم ومجتمعاتهم.


تجلى صمود الأيزيديين من خلال تحملهم العبء الناجم عن هذه المأساة وصمودهم في وجه حملات الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها منذ قرون، وكذلك الصمود الثقافي للحفاظ على هويتهم الأيزيدية وتراثهم على الرغم من المحن التي مروا بها وحملات التشويه التي تستهدفهم باستمرار.


مع ذلك، يواجه الأيزيديون اليوم أيضًا تحديات كبيرة في العراق. فعلى الرغم من الاستقرار الأمني النسبي التي تشهده سنجار، إلا أن هنالك مخاوف لدى سكان المنطقة من عودة الصراع المسلح بين المجموعات التي تتصارع من أجل النفوذ.

 

ومما يثير القلق هو بقاء ملف التهجير والنزوح معلقًا ولم يتم حله حتى بعد تحرير سنجار في العام 2015.  فما يزال الكثير من الأيزيديين يعيشون في مخيمات النزوح، حيث فقدوا منازلهم وأراضيهم وحقوقهم الأساسية ولم يتم تعويضهم ماديًا حتى الآن.


ومن بين التحديات التي تواجه الأيزيديين أيضًا صعوبة التعافي مما بعد الصدمة النفسية الناجمة عن الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها، وخصوصًا بين النساء والأطفال الذين كانوا أسرى لدى تنظيم " داعش".

 

وهؤلاء في حاجة إلى الدعم النفسي والطبي والاقتصادي والمعنوي لتخفيف معاناتهم وإعادتهم إلى حياة الطبيعية. ومما يزيد الأمور سوءًا انتشار الخطاب المعادي للأيزيديين الذي أصبح منتشرًا على وسائل التواصل الاجتماعي من دون وجود رادع قانوني يحد من هذه الحملات ويساهم في حماية الأيزيديين.


عندما يتعلق الأمر بمنع تكرار الإبادة الجماعية، ما يزال أمام الإيزيديين طريق طويل ليقطعوه لتحقيق العدالة الانتقالية. هناك ضرورة لإعادة بناء الثقة بين أفراد المجتمع من جهة وبين سكان المنطقة والمؤسسات الرسمية من جهة أخرى.

 

وعلى مستوى أوسع، يسعى الأيزيديون مع أصدقائهم الدوليين إلى إنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة الإرهابيين المتورطين في ارتكاب الجرائم الوحشية في سنجار، بهدف تحقيق العدالة ومحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم، على غرار المحاكم الألمانية التي أصدرت أحكامًا قضائية في حق الإرهابين العائدين إلى ألمانيا والمتورطين في ارتكاب جرائم حرب والتي استندت إلى الأدلة التي وثقتها منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة لإصدار أحكامها.


أما بخصوص جهود إعادة الإعمار، ما يزال الطريق طويلًا أيضًا. فمنذ نشأة الدولة العراقية وحتى العام 2014، عانت سنجار من الإهمال والتهميش المتعمد من قبل الأنظمة الحاكمة. وعلى الرغم من المبالغ الطائلة التي تم تخصيصها لسنجار من قبل الحكومات المتعاقبة بعد العام 2003، فإنها لم تشهد أي جهود فعالة لإعادة الإعمار. وبعد تحرير سنجار وسقوط تنظيم "داعش"، لم تكن هناك رغبة حقيقية لإعادة الإعمار بسبب الصراعات السياسية المستمرة على المنطقة ولم تكن هناك عدالة من قبل الجهات الرسمية في توزيع الأموال المخصصة ضمن صندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة الذي تأسس وفقًا للمادة (28) من قانون الموازنة الاتحادية لسنة (2015).


يطالب الأيزيديين في الذكرى التاسعة للإبادة الجماعية بتوزيع عادل للأموال بما يتناسب مع حجمهم السكاني والضرر الذي لحق بهم. وفي ظل سعيهم إلى تحقيق الحياة الكريمة والعدالة، يطالب الإيزيديون أيضًا بتقديم الدعم القانوني والاجتماعي والنفسي لضحايا الإبادة الجماعية. كما يأملون في عودة الاستقرار إلى سنجار وإعادة إعمار البنية التحتية وتعزيز التنمية الاقتصادية، مما يوفر الظروف الملائمة لعودة بقية النازحين وعودة الحياة في المنطقة إلى طبيعتها.


لكن هذه الآمال تبقى معلقة من دون تحقيق بسبب الصراعات السياسية بين أطراف محلية وإقليمية، والتي تقف حائلاً أمام جهود إعادة الإعمار النفسي والمادي. ولذلك، يتعين على الحكومة العراقية التعامل بجدية مع أزمة إعادة توطين النازحين في مناطقهم وتقديم الدعم والخدمات الأساسية لهم بعد تعرضهم لجرائم وحشية وتهجير قسري. ويتوجب على الحكومة أيضًا أن تعمل على تحقيق الأمن والاستقرار الشامل لمدينة سنجار من خلال مكافحة ظاهرة الإرهاب الذي يستهدف الأقليات الدينية بشكل عام والأيزيدين بشكل خاص.


بالنظر إلى التداعيات التي خلفتها الإبادة الجماعية للأيزيديين وتأثيرها المدمر على السكان، يبقى السؤال: هل يمكن لهذا المكون السكاني أن ينتهي من مأساته وأن يستعيد هويته ويعيش حياة مستقبلية آمنة؟ مع التزام المجتمع الدولي والحكومة المحلية والجهود المستمرة للأيزيديين يمكن تحقيق هذه الآمال والتغلب على التحديات التي تعرقل عودة الاستقرار والأمن إلى سنجار.

*عزت نوح" هو طالب دراسات عليا في العلوم السياسية في جامعة بيليفيد في جمهورية ألمانيا الاتحادية.

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

القوة اليهودية موجودة – في شكل نزعة الإبادة الجماعية- في إسرائيل‏