‏النيجر ترفض النظام القائم على القواعد‏

1692008694163791500
مروحية عسكرية فرنسية فوق بلدة ماداما النيجيرية – (المصدر)

إم. كيه. بهادراكومار‏* - (‏‏‏إنديان بَنشلاين) 2023/8/11
صدمت فرنسا والولايات المتحدة بالدعم الشعبي الذي حظي به الانقلاب في النيجر، بقدر ما فعل التئام القمة الروسية الأفريقية الذي أشر على الاتجاه نحو تعدد الأقطاب... في جوهره، يُختزل الانقلاب في جمهورية النيجر من دون شك إلى صراع يجري بين النيجريين والقوى الاستعمارية.

اضافة اعلان

 

ومن المؤكد أن الاتجاه المتنامي للتعددية القطبية في النظام العالمي يشجع الدول الأفريقية على التخلص من نزعات الاستعمارية الجديدة. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، تجد القوى الكبرى نفسها مضطرة إلى التفاوض بدلاً من الإملاء.‏

*   *   *
‏جاء ‏‏الانقلاب الذي شهدته دولة النيجر الواقعة في غرب إفريقيا في 26 تموز (يوليو)، وكذلك القمة الروسية الأفريقية التي التأم شملها في اليوم التالي في سان بطرسبرغ، على خلفية الاتجاه إلى التعددية القطبية في النظام العالمي. ومع أنهما يبدوان حدثين منفصلين، فإنهما يلتقطان "‏‏روح العصر‏"‏ التي تميز حقبتنا التحويلية الراهنة.‏


‏أولا، الصورة الكبيرة -تشكل القمة الأفريقية التي استضافتها روسيا في يومي 27-28 تموز (يوليو) تحديًا كبيرًا للغرب، الذي سعى غريزيًا إلى التقليل من أهمية الحدث بعد أن فشل في تشكيل محور للضغط ضد التقاء الدول الأفريقية ذات السيادة بالقيادة الروسية.

 

وقد أرسلت تسع وأربعون دولة أفريقية وفودها إلى سان بطرسبرغ، حيث سافر 17 رئيس دولة شخصيًا إلى روسيا لمناقشة القضايا السياسية والإنسانية والاقتصادية التي ستناقشها القمة. وبالنسبة للبلد المضيف، الذي هو في خضم حرب الآن، كان هذا نجاحًا دبلوماسيًا مدهشًا وجديرًا بالملاحظة.‏


‏كانت القمة في جوهرها حدثًا سياسيًا. وكانت فكرتها الأساسية هي عقد مقارنة بين دعم روسيا طويل الأمد للأفارقة الذين يقاومون الإمبريالية من جهة، والطبيعة الوحشية التطفلية للاستعمارية الغربية الجديدة neo-colonialism. ويخدم هذا التصور بطريقة مثالية روسيا اليوم، التي ليس لها تاريخ استعماري من الاستغلال والنهب في أفريقيا.‏


في حين أن الهياكل البنيوية المتبقية من الحقبة الاستعمارية تستمر بين الحين والآخر في الخروج من الخزانة الغربية، والتي يعود تاريخها إلى تجارة الرقيق الأفريقية التي لا تبدو مأسوفًا عليها، تستفيد روسيا من الإرث السوفياتي المتمثل في الوقوف على "الجانب الصحيح من التاريخ" -حتى أنها قامت بإحياء الاسم الكامل لـ"جامعة باتريس لومومبا للصداقة بين الشعوب في روسيا" في موسكو.


‏ومع ذلك، لم يكن كل شيء يتعلق بالقمة الروسية-الأفريقية سياسيًا. ثمة المداولات حول الشراكة الروسية الأفريقية التي تساعد القارة على تحقيق "السيادة الغذائية"؛ والبدائل لصفقة الحبوب؛ وتحديد ممرات لوجستية جديدة للأغذية والأسمدة الروسية.

 

وثمة تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي والثقافي والتعليمي والعلمي والأمني؛ واحتمال انضمام أفريقيا إلى ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب؛ ومشاركة روسيا في مشاريع البنية التحتية الأفريقية؛ ‏‏ومناقشة خطة عمل "منتدى الشراكة بين روسيا وأفريقيا"‏‏ حتى العام 2026 -هذه كلها عوامل تشهد على نتيجة قابلة للقياس الكمي.


وهنا تدخل النيجر. تؤكد التطورات الأخيرة التي تشهدها هذه الدولة الثيمة المتكررة للقمة الروسية-الأفريقية. وفيها يتم المزيد من إضفاء الصلاحية على تفسيرات روسيا للأزمة الأفريقية وأسبابها: التخريب المستمر الذي تمارسه الإمبريالية الغربية هناك. ويتضح ذلك من التقارير التي تحدثت عن قيام النيجيريين برفع الأعلام الروسية في المظاهرات التي جرت في نيامي، عاصمة النيجر.‏


‏"إيكواس" تفتقر إلى القدرة على التدخل لصالح الغرب‏

 


‏لم يضيع المتمردون الذين استولوا على السلطة في النيجر أي وقت للتنديد باتفاقيات التعاون العسكري والتقني بين النيجر وفرنسا، وأعقبت ذلك مطالبة فرنسا بسحب قواتها من البلد في غضون 30 يومًا. ومن جانبها، تحدثت فرنسا "بحزم وتصميم" لصالح التدخل العسكري الأجنبي "لإحباط محاولة الانقلاب" في البلد.


‏وأوضحت السلطات الفرنسية، أنها لا تعتزم سحب وحدتها المسلحة المكونة من 1.500 شخص الموجودين في النيجر "بناء على طلب من السلطات الشرعية في البلاد على أساس الاتفاقات الموقعة".‏


ولم يكن موقف فرنسا مفاجئًا -لا تريد باريس بالتأكيد أن تفقد مكانتها في منطقة الساحل ومصدر الموارد الرخيص الموجود هناك، وخاصة اليورانيوم.

 

لكن فرنسا أخطأت في حساباتها حين قدّرت أن الانقلاب لم يحظ بدعم الجيش النيجيري، أو أنها لم تكن له قاعدة اجتماعية، وكل ما كان مطلوبًا لدحره هو استعراض محدود للقوة يكون من شأنه أن يجبر الحرس الرئاسي النخبوي على بدء مفاوضات مباشرة مع فرنسا.‏


‏تنسق فرنسا والولايات المتحدة إجراءاتهما مع "المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا" (إيكواس). وقد أصدرت المجموعة في البداية بعض التهديدات الصاخبة وقعقعة السيوف، لكن ذلك الضجيج سرعان ما خفَت. وقد انقضى الموعد النهائي الذي حددته المجموعة للتدخل في البلد. وببساطة، لا تملك المجموعة آلية للتجميع السريع للقوات وتنسيق الأعمال العدائية، كما أن نيجيريا، التي تشكل محطة الطاقة للمجموعة، منشغلة تمامًا بمعالجة قضاياها الخاصة المتعلقة بالأمن الداخلي.


وإضافة إلى ذلك، ‏يشعر الرأي العام النيجيري بالقلق‏‏ من مواجهة رد فعل سلبي على التدخل -النيجر بلد كبير وله حدود نفاذة سهلة الاختراق بطول 1.500 كيلومتر مع نيجيريا. وثمة حقيقة غير معلنة، هي أن نيجيريا ليست مهتمة بزيادة الوجود العسكري الفرنسي في النيجر، أو بأن تقف في الجانب نفسه مع فرنسا التي لا تحظى بشعبية كبيرة في جميع أنحاء منطقة الساحل.
 ‏

‏الدعم الشعبي للانقلاب يصدم الغرب‏

 

 

  ‏كانت أم كل المفاجآت هي أن الانقلاب العسكري تمتع ‏‏بموجة عارمة من الدعم الشعبي‏‏. وفي ظل هذه الظروف، فإن الاحتمال القوي هو أن القوات الفرنسية قد تضطر إلى مغادرة النيجر، مستعمرتها السابقة. وقد أصبحت النيجر اليوم ضحية لاستغلال الاستعمارية الجديدة. وتحت ستار مكافحة الإرهاب، الذي هو، فيما ينطوي على كثير من المفارقة، امتداد لتدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا في العام 2011 بقيادة فرنسا، إلى منطقة الساحل، استغلت فرنسا بلا رحمة الموارد المعدنية الموجودة في النيجر.


‏كتب الشاعر والناقد الأدبي النيجيري الشهير البروفيسور أوسونداري الأسبوع الماضي:‏
‏"حقِّقوا في سبب، ومسار، وأعراض عودة الانقلابات العسكرية الحالية في غرب إفريقيا. ابحثوا عن علاج لهذا الوباء. والأهم من ذلك، أوجدوا علاجًا لوباء المظالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية المسؤولة عن حتمية تكراره. تذكروا الفوضى الوحشية الحالية في ليبيا والتداعيات التي لا حصر لها لزعزعة استقرار ذلك البلد الذي كان مزدهرًا ذات مرة في منطقة غرب إفريقيا".‏


تبقى ‏الدولة الإقليمية الوحيدة القادرة على تحمل كلفة تدخل عسكري فعال في النيجر هي الجزائر. لكن الجزائر ليست لديها أي خبرة في تنفيذ مثل هذه العمليات على نطاق إقليمي، وليست لديها أي نية للافتراق عن سياستها الثابتة المتمثلة في عدم التدخل في السياسة الداخلية لبلد ذي سيادة.


بل إن الجزائر حذرت من أي تدخل عسكري خارجي في النيجر. وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون: "إن الحديث عن تدخل عسكري في النيجر يشكل تهديدًا مباشرًا للجزائر، ونحن نرفضه رفضًا حازمًا وقاطعًا... يجب حل المشاكل سلميًا".


 

 

‏في جوهره، يُختزل الانقلاب في جمهورية النيجر من دون شك إلى صراع يجري بين النيجريين والقوى الاستعمارية. ومن المؤكد أن الاتجاه المتنامي للتعددية القطبية في النظام العالمي يشجع الدول الأفريقية على التخلص من نزعات الاستعمارية الجديدة. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، تجد القوى الكبرى نفسها مضطرة إلى التفاوض بدلاً من الإملاء.‏


‏من المثير للاهتمام أن واشنطن كانت مقيدة نسبيًا. كان تبني الرئيس بايدن مسألة "القيم" أقل بكثير من تبنيه لإملاءات "النظام القائم على القواعد" -على الرغم من أن أميركا تمتلك ثلاث قواعد عسكرية في النيجر، كما يقال. وفي إطار متعدد الأقطاب، تكتسب الدول الأفريقية مساحة للتفاوض. ومن شأن الموقف الروسي المؤيد للنشاط التحري أن يحفز هذه العملية. كما أن للصين أيضًا حصصها الاقتصادية في النيجر.‏


تجدر ملاحظة أن قائد الانقلاب، عبد الرحمن تشياني، قال علنًا إن "الفرنسيين ليس لديهم أسباب موضوعية لمغادرة النيجر"، مشيرًا بذلك إلى أن علاقة عادلة ومنصفة ستكون ممكنة في نهاية المطاف. وكانت روسيا حذرة بالتأكيد على أن المهمة الرئيسية في الوقت الحالي هي "منع المزيد من تدهور الوضع في البلاد".‏‏

 

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا: ‏‏"إننا نعتبر تنظيم حوار وطني لاستعادة السلم الأهلي وضمان القانون والنظام مهمة ملحة... نعتقد أن التهديد باستخدام القوة ضد دولة ذات سيادة لن يسهم في نزع فتيل التوترات وحل الأزمة في البلاد".‏


‏من الواضح أن نيامي لن تستسلم للضغوط التي يمارسها الغرباء. وقال ممثل للمجلس العسكري في بيان: "إن القوات المسلحة النيجرية وجميع قواتنا الدفاعية والأمنية، مدعومة بدعم لا ينضب من شعبنا، مستعدة للدفاع عن سلامة أراضينا". كما ذهب وفد من نيامي إلى مالي طالبًا انضمام مقاتلي مجموعة "فاغنر" التابعة لروسيا إلى القتال في حالة حدوث تدخل مدعوم من الغرب في البلد.‏

‏التوتر في منطقة الساحل‏ يتصاعد

 

 

  ‏لا يمكن توقع التوصل إلى حل مبكر للأزمة في النيجر. والنيجر دولة رئيسية في الحرب ضد الشبكة الجهادية، وهي ترتبط استراتيجيًا وهيكليًا بمالي المجاورة. ويبدو الوضع في منطقة الساحل آخذًا في التصاعد. وستكون لذلك آثار عميقة على أزمة الدولة التي تعاني منها منطقة غرب أفريقيا ككل.‏


‏ليست الاستثنائية الأميركية حلاً سحريًا عالميًا للعلل القائمة. كان البنتاغون قد ساعد على تدريب واحد على الأقل من قادة الانقلاب في النيجر -وكذلك العديد من أولئك في مالي وبوركينا فاسو، الذين وعدوا بأن يهبوا للدفاع عن النيجر.


ومع ذلك، أعربت فيكتوريا نولاند، نائبة وزير الخارجية الأميركي الزائرة، متحدثة من نيامي، ‏‏عن أسفها‏‏، لأن قادة الانقلاب رفضوا السماح لها بمقابلة الرئيس المخلوع محمد بازوم، ولم يتقبلوا الدعوات الأميركية لإعادة البلاد إلى الحكم المدني. ‏‏وهدفت مهمة نولاند إلى ثني قادة الانقلاب عن التعامل مع مجموعة "فاغنر"، لكنها لم تكن متأكدة من النجاح. ولم تمنح نولاند الموافقة على اجتماع مع الجنرال تشياني.



‏*إم. كيه. بهادراكومار M. K. Bhadrakumar: ‏‏دبلوماسي هندي ‏‏سابق يحمل درجة الدكتوراه في الأدب. عمل لأكثر من نصف فترة عمله الدبلوماسي الذي استمر ثلاثة عقود في الاتحاد السوفياتي السابق وباكستان وإيران وأفغانستان. وشملت مهماته الخارجية الأخرى كوريا الجنوبية وسريلانكا وألمانيا وتركيا. يكتب بشكل رئيسي عن السياسة الخارجية الهندية وشؤون الشرق الأوسط وأوراسيا وآسيا الوسطى وجنوب آسيا والمحيط الهادئ.

 

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Niger Rejects Rules-Based Order

 

اقرأ أيضا في ترجمات:

 

"ليس انقلابا آخر كالمعتاد": ما الذي يحدث في النيجر؟