في قلب إدلب المتمردة تحت سيطرة الإسلامويين

1689339976363858400
أبو محمد الجولاني يعاين أضرار الزلازل في قرية بسنايا في إدلب قرب الحدود التركية – (المصدر)

وسيم نصر – (أوريان 21) 20 حزيران (يونيو) 2023


بعد 12 عامًا من انطلاق الأحداث في سورية، ما تزال إدلب عصيّة على الحكومة المركزية في دمشق، وتبقى منطقة متمرّدة يسيطر عليها الإسلام السياسي، بعد أن فرضت "هيئة تحرير الشام" وإدارتها المدنية المتمثلة في "حكومة الإنقاذ السورية" سيطرتها على الأرض.

اضافة اعلان

 

وقد تمكّن وسيم نصر، الصحفي في قناة "فرانس 24"، من زيارة المنطقة في شهر أيار (مايو) 2023. وبذلك سجل سابقة لصحفي من قناة تلفزيونية فرنسية، حيث أتيحت له فرصة التجول والالتقاء بقيادات المجموعة، وزيارة عدد من المدن والقرى، لا سيما المسيحية.
                        *   *   *
قطعتُ آخر نقطة عبور تركية. وكان المعبر شبه خالٍ، حيث لم تعبُره سوى السيارة التي أقلتني وبداخلها ثلاثة أشخاص تابعون لجمعية خيرية تركية.

 

وبعد قطع بضعة أمتار، بدا الجهد الذي تبذله "هيئة تحرير الشام" من أجل إظهار إدلب بصورة إيجابية أمام الداخلين إليها جليًّا. الطريق الذي يمتد نحو الداخل السوري واسع، نظيف ومُعبّد، وقد زُرعت على جانبيه الورود وتوسّطه صفّ من أشجار النخيل المستوردة من تركيا.

 

وكانت أولى الإعلانات التي تستقبل الزائر تتعلق بشؤون المعاقين وتدعو إلى إعادة الاعتبار إليهم. وأول راية يصادفها المرء هي راية "الثورة السورية"، وبعدها بأمتار ثمة راية بيضاء كُتبت عليها الشهادتان باللون الأسود.


وها أنا في إدلب، إحدى آخر المناطق التي ما تزال تنخرط في مواجهة عسكرية مع الحكومة المركزية السورية، وأكثرها استقلالية مقارنة بالمناطق التي تسيطر عليها فصائل أخرى لا تملك خيارها السياسي الذي غالبًا ما يكون بأيدي داعميها، مثل مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية"، (قسد)، المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية، التي يهيمن فيها الفرع السوري لـ"حزب العمال الكردستاني"؛ أو مناطق سيطرة الفصائل الموالية لأنقرة في مناطق "درع الفرات"؛ أو ما تعتبره تركيا منطقة "الحزام الأمني" بعد توغلها في الأراضي السورية، حتى مع أن "هيئة تحرير الشام" قبلت، ولو على مضض، بدخول الجيش التركي إلى إدلب على الرغم من كونها في مواجهة وتماس مع الفصائل سالفة الذكر المنضوية تحت لواء "الجيش الوطني السوري".


تجمع "هيئة تحرير الشام" عدة فصائل إسلامية ومتمرّدة ناشطة في منطقة إدلب. فما هو ثقل هذه المجموعة اليوم وما هي مواطن قوتها وضعفها؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، ذهبتُ إلى إدلب بمفردي ومن دون كاميرات للتصوير. وكان يمكن لهذه الرحلة أن تتوقّف في أي لحظة، فقد كانت العوائق جمّة وتتكاثر قبل أن تتلاشى خلال التحضير وحتى اللحظات الأخيرة على الحدود التركية السورية.


تحديات الحوكمة

قليلة هي الحواجز التي صادفناها في الطريق، على الرغم من كوننا في منطقة حرب وتوتر أمني، وتعود إدارتها إلى جهاز خاص هو "إدارة الحواجز". ويرتدي الذين يشغلونها زيًا موحدًا هو عبارة عن بذلة عسكرية خضراء ولثام من نفس اللون، وسلاح فردي من نوع "كلاشنيكوف"، أو "روسية" كما يسمّيه السوريون. ولكلّ حاجز سقف يحميه من الشمس والمطر. وكما قال لي مرافقي: "للأمر أهميته لأنه إذا كان الحاجز بلا حماية من تقلبات الطقس، فإن العنصر المناوب يصبح عرضة للانزعاج والتوتر والعصبية، مما يؤدي إلى حدوث مشاكل على الحواجز لمجرد نظرة أو نبرة صوت خاطئة".


تمكّنتُ من زيارة عدة مدن وقرى وإدارات في أرجاء المنطقة. وكما في أي منطقة حرب، تستفيد الأطراف هنا على حساب المركز، أي المدن التي كانت تتركّز فيها معظم الحركة الاقتصادية.

 

فعلى سبيل المثال، ارتفع سعر المتر المربّع من الأرض في مدينة الدانا من دولارين قبل الحرب إلى 200 دولار اليوم. والحديث هنا يجري عن الدولار لكونه، إلى جانب الليرة التركية، هو العملة التي يتم التبادل بها والمعتمدة في المنطقة، حيث لا أثر لليرة السورية، لا في المتاجر ولا في الأسواق الشعبية.

وكنتُ أظن أن ذلك يعود إلى وجود رسم الرئيسين حافظ وبشار الأسد على الأوراق النقدية، إلا أن التفسير كان أكثر بساطة وموضوعية، حيث قال لي مرافقي أن "الهدف هو عدم تسهيل حصول النظام في دمشق، الذي يرزح تحت ثقل العقوبات الأميركية، على العملة الصعبة من الداخل ’المُحرّر‘"، كما قال.
                       *   *   *
تشكل وزارة التنمية والشؤون الإنسانية إحدى الوزارات التي سنحت لي الفرصة لزيارتها. ويستحق الاسم وحده أن نقف عنده، حيث إنه من المستغرب أن يتم استحداث وزارة للشؤون الإنسانية في هذه المناطق. ولدى "هيئة تحرير الشام"، عبر "حكومة الإنقاذ" عدّة وزارات وإدارات تناط بها إدارة المنطقة، ولو بإمكانيات بسيطة جداً. وتُعتبَر مخيّمات النازحين أكبر تحدّ إنساني وجغرافي وأمني والأكثر إلحاحًا للسلطة القائمة.

 

ومن أهم العوائق في هذا الملف تصنيف "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية، بما في ذلك من جهة تركيا التي تشكل شريان الحياة الوحيد لمنطقة إدلب وسكانها. وقد وصف لي الوزير المدني، محمد بشير، تفاصيل العوائق والمشاكل التقنية التي تواجه وزارته، وقال إن "أهمها، على سبيل المثال، يكمن في إحصاء عدد النازحين في المخيمات الشرعية وغير الشرعية"، وأضاف:
"الناس هنا متخوفون من فكرة إحصائهم، ويجب ألا ننسى أن هؤلاء الناس هم الذين هربوا من المعارك والقصف، أو الذين تم نقلهم قسراً في الباصات من مختلف المناطق التي استعادها النظام. كان علينا إعادة إسكان أهالي المخيمات غير الشرعية في مساكن ملائمة من دون البناء في الأراضي المشاع أو التي قامت بمصادرتها ("هيئة تحرير الشام")، بسبب تناقض مثل هذا الإجراء مع قوانين الأمم المتحدة. وقد لجأنا إلى بناء مساكن من دون سقوف أسمنتية كي تكون بحتفظة بمواصفات البناء المؤقت، وإنما المرقمة والصحية. وبمجرّد أن انتهينا، إذ بالزلزال يضرب المنطقة، مما اضطرنا إلى إيواء المتضررين فيها بدلاً من اللاجئين".


بصيص أمل للأقليات الدينية

 

تسعى "هيئة تحرير الشام" إلى كسب أكبر تأييد ممكن من الحاضنة الشعبية التي أنهكتها تجاوزات الحركات والفصائل المسلّحة في مناطقها، كما هو الحال في أي حرب يصبغها الطابع الأهلي. وقد منعت "الهيئة" أي مظاهر تسلّح داخل المدن والبلدات، كما سعت إلى التقرب من الوجهاء والعشائر من أبناء المنطقة ومن ممثلي النازحين إليها، وكذلك من الحركات النقابية أو الأهلية فيها.


كما أن استحداث شبكات للخدمات الأساسية، مثل تعبيد الطرقات، وجمع القمامة، أو وضع جداول مناوبات ليلية للصيدليات، وتنظيم الأسواق الشعبية في إدلب -على سبيل الذكر لا الحصر- كلّها أمور حياتية ساهمت في تطبيع وجود "الهيئة" و"حكومة الإنقاذ" في نظر الأهالي. ويمر كسب الحاضنة أيضًا عبر القضاء، والمحاكم، وجهاز الأمن الداخلي، وكذلك عبر تدريب مقاتلي "الهيئة" لتجعل منهم قوة منظمة ومحترفة لا تتصرّف مع السكان المحليّين تصرّف الميليشيات.

 

وقد قضت إحدى قرارات أبو محمد الجولاني، على سبيل المثال، بإلغاء ما يُعرف بـ"الحسبة" ودمجها في وزارة الداخلية، إذ يرى أنه "على كل وزارة وإدارة أن تعمل بما يتوافق مع الشريعة في ما تُحرّم وتُحلّل. وتطبيق الشريعة لا يقتصر على الرّكض وراء الناس بالعصا".


من معضلات إدلب الشائكة قضية الأراضي والممتلكات التي تعود ملكيتها إلى الأقليات الدرزية والمسيحية، التي قامت بمصادرتها فصائل وجِهات مختلفة على مرّ السنين، ومنها "هيئة تحرير الشام". وقد تعرضت تلك الأقليات لكل أشكال التنكيل، والخطف، والاغتصاب، والقتل.


سُمح لي بأن أكون شاهداً على اجتماع عقد بين ممثلي ثلاث قرى -القنية، واليعقوبية، والجديدة- من منطقة جسر الشغور، وبين المسؤول على ملف الأقليات لدى "هيئة تحرير الشام"، وذلك في صالون كنيسة اليعقوبية.

 

وكان الهدف من هذا الاجتماع هو مناقشة موضوع استعادة المنازل والأراضي الزراعية لمسيحيي تلك القرى الذين يرون أن "الأوضاع ما تزال دقيقة، لكنها في تحسّن منذ حوالي سنتين. نحن نسعى اليوم إلى استرداد المنازل والأراضي الزراعية، وهي مصدر رزقنا الأساسي". وقد استعاد المسيحيون حق إقامة الصلاة في كنائسهم وفي ترميم عدد منها، ولكن منها التي لن تُستعاد بعد أن تم تحويلها إلى مساجد، ومنها الموجود في مناطق عسكرية، علماً بأن المسيحيين لن يتمكنوا، بأي حال، من إعادة وضع الصلبان على المباني، والرموز الدينية الظاهرة، أو قرع الأجراس.


نبذة عن "هيئة تحرير الشام" وقائدها أبو محمد الجولاني

 

ينحدر أبو محمد الجولاني – واسمه الحقيقي أحمد حسين الشرع- من عائلة من الطبقة الوسطى المتعلّمة وأصلها من الجولان، أما إقامتها فكانت في العاصمة السورية دمشق. وكان الجولاني قد توجّه إلى العراق في مطلع شبابه لينضم إلى تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" (2003-2004). وخلال فترة سجنه تحت هوية مزورة في معتقل "بوكا" – الذي كان تحت إدارة القوات الأميركية - انضمّ في العام 2006 إلى تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق".


بعد خروجه من السجن بفترة وجيزة، أرسله أبو بكر البغدادي "مع نصف الخزينة وعدد قليل من الرجال" إلى سورية في مطلع الثورة لينخرط في المعارك ضد النظام تحت راية "جبهة النصرة"، علماً بأن الجماعة الأم كانت ضعيفة في العراق في تلك الفترة، ولكنها كانت تمتلك شبكة لوجستية مهمة في سورية يعود إنشاؤها إلى بدايات الغزو الأميركي للعراق.


عند النشأة (2011 – 2012)، كان أغلب مقاتلي "جبهة النصرة" من السوريين والعراقيين الذين كان لهم وزن عسكري كبير على الأرض نتيجة لخبراتهم المتراكمة في العراق، لكنهم كتموا انتمائهم إلى تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" بهدف عدم تنفير العامة والفصائل.

 

لكن الأمور بلغت حدها بعد تصاعد التوتر بين البغدادي ومبعوثه الجولاني، حيث رفض الأخير عدة توجيهات لم تكن في رأيه "تلائم الوضع السوري، وكانت بمثابة تكرار للأخطاء التي اقترفتها الجماعة في العراق". فما كان من البغدادي، في نيسان (أبريل) 2013، إلا أن أعلن عن حلّ "جبهة النصرة" وإنشاء جماعة واحدة تحت مسمى "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وهو ما رفضه الجولاني الذي بايع القاعدة وأميرها، أيمن الظواهري، في ذلك الحين. وهنا بدأت الحرب بين الجماعتين، والتي ما تزال جاريةفي شتى أنحاء العالم.


في العام 2016، أعلنت "جبهة النصرة" في بيان مصور بحضور أبو الخير المصري ممثلاً عن "القاعدة"، فك ارتباطها بهذا التنظيم. لكن فك الارتباط السلمي لم يدم طويلاً، وحصل أخذ وردّ طويلين حول الاتفاق الذي نجم عنه، والذي كان يسمح لتنظيم القاعدة بالتواجد في سورية، وحول طريقة تفسيره وتنفيذه على أرض الواقع، حتى قام أبو محمد الجولاني بنقضه من طرفه. وتقوم "هيئة تحرير الشام" اليوم بملاحقة واعتقال عناصر "القاعدة" في إدلب.


على الرغم من هذا التطور، مكث عدد من القيادات إلى جانب الجولاني، ناقضين بذلك بيعتهم لـ"القاعدة"، أبرزهم عبد الرحيم عطون، وأبو أحمد زكور، وأبو مارية القحطاني العراقي الجنسية. وينتمي القحطاني إلى عشيرة الجبور الكبيرة التي لها فروع في كل من سورية والعراق، ويُعتبر بمثابة الرجل الأول أمنيًا، حيث كلّفه الجولاني بمواجهة خلايا جماعة "داعش" و"القاعدة" في إدلب، على الرغم من عدم وجود منصب رسمي له في هرمية "هيئة تحرير الشام".


الطريق الثالث

 

من المفارقات أن جذور هذه التغيرات العميقة في سلوكية "هيئة تحرير الشام" تعود إلى خطوات "جبهة النصرة" الأولى في سورية، من خلال رفض الجولاني الامتثال لتعليمات البغدادي، أو من خلال إقناع الظواهري بعدم استعمال الأراضي السورية كمنطلق لعمليات تستهدف الغرب، علماً بأن "جبهة النصرة" كانت في ذلك الوقت أقوى فروع تنظيم القاعدة في العالم عدداً وعدة وسيطرة على الأرض.

 

وبالرغم من ذلك، أدار الجولاني ظهره لـ"القاعدة" وللجهاد العالمي على طريقتها وطريقة "داعش" بعدها، للتركيز على القتال في سورية ضد النظام وضد إيران وروسيا المتواجدتين عسكريًّا على الأراضي السورية. ومن دون الخوض في تفاصيل لقائنا به، يرى الجولاني أنه لم يَحِد عن خطّه منذ دخوله سورية، وأنه استطاع فرضه تدريجيًّا، إلى أن فرضه تماماً بصيغته الحالية.


هذا الخط، أو هذا "الطريق الثالث"، قام بتفنيده وتفسيره لي أبو مارية القحطاني، الذي يعتبره بعض المراقبين الرجل الثاني للجماعة. وليس لدى هذا العراقي، الذي كان من أعمدة "جبهة النصرة" عند نشأتها، أدنى شك بشأن صواب هذه الخيارات الجذرية "لا بل واليوم أكثر من السنوات التي خلت"، علماً بأنه وبعد لقائي به، جدّد دعوته إلى حلّ تنظيم القاعدة بعد مقتل أيمن الظواهري. وقد زاد القحطاني، الذي لا يظهر إلا ملثماً، كثيراً من تحركاته ومشاركاته العلنية مؤخراً. إلا أنه في آخر يوم لي في إدلب أعلنت الخزانة الأميركية بقرار مشترك مع تركيا عن وضع أبو أحمد زكور، وهو من أهم مساعدي القحطاني في الصراع مع خلايا "داعش" في الشمال السوري، على لائحة تمويل الإرهاب.


يشكل تطور تنظيم "هيئة تحرير الشام" بإمرة نفس القيادة التي مرّت بنواة الحركات الجهادية في العراق وسورية وصفوف "القاعدة" و"داعش"، نهجاً جديداً وطريقاً ثالثاً يناقض ويبتعد عن هاتين الجماعتين اللتين تمثلان الجهاد العالمي اليوم، وإن كان الاختلاف عقائديّا ولا رجعة عنه. ولا يقتصر الأمر على قيادات خرجت من الساحة توبةً أو مللاً أو قهرًا، وإنما هي قيادات حملت هذا الفكر وتخلّت عنه وهي ما تزال وازنة في ساحة جغرافية، وفي موقع ومنعطف استراتيجي.

 

يقول القحطاني: "الجهاد العالمي (أي على طريقة "القاعدة" أو "داعش") لم يجلب علينا إلا الويلات والدمار والتشرد للشعوب التي كنا نريد حمايتها […] يجب التركيز على الجهاد ضد النظام وإيران وروسيا. وفي نفس الوقت، هذه ساعة بناء وتمكين لمكتسبات الثورة (في سورية)".


لكن إدلب -التي ما تزال مستعصية على الحكومة المركزية- قد تستعصي أيضاً على "هيئة تحرير الشام". فالسوريون الذين لجأوا طوعاً أو قسراً إليها على مردى أكثر من عقد من الزمن ليسوا جميعهم من مؤيدي أو أتباع "الهيئة" و"حكومة الإنقاذ". وتتعدد الأسباب وتختلف مع تعدد واختلاف مشاربهم. فمنهم من يستنكر تكميم حرية التعبير، أو الاعتقالات الجائرة، أو غياب الديمقراطية لبعض النشطاء، أو شبه توقف المعارك بالنسبة لمن يتوقون إلى العودة إلى قراهم ومدنهم بالقوة، وصولاً إلى الذين لا يوافقون على قبول "الهيئة" للتواجد العسكري التركي، أو نكرانها لـ"القاعدة" والجهاد العالمي وقمعها لأتباعه. وتشهد المخيمات وبعض القرى مظاهرات ليلية تندّد بممارسات جهاز أمن "الهيئة". ومن الواضح أن "هيئة تحرير الشام"، و"حكومة الإنقاذ" معها، تكتسب شعبية يوماً بعد يوماً، ولكنها تستعمل أيضاً القوة ضد خصومها أو من يخرجون عن بيت الطاعة من داخل صفوفها.


تسعى "هيئة تحرير الشام" إلى فرض نفسها كرقم صعب في المعادلة الحالية وأي معادلة قادمة، عبر الملفات الشائكة والحساسة التي أصبحت بعهدتها بحكم الأمر الواقع، ولأن إدارة تلك الملفات ضرورة قصوى ووازنة لاستمرارية السيطرة والحكم، وأهمها ملف النازحين والمقاتلين الأجانب وعوائلهم.

 

ويتجاوز أي تطور في المعارك القصف المتبادل والعمليات المحدودة على خطوط التماس، وسيؤدي إلى حركة نزوح نحو تركيا ومنها إلى أوروبا. كما أن أي تقارب بين دمشق وأنقرة، حتى لو لم يُترجم عسكرياً، يغلب أن تكون له نفس التداعيات. أما بالنسبة للمقاتلين الأجانب وعائلاتهم، فمن انضوى تحت لواء "الهيئة" من المرجح ألا يتم التعرض له.

 

أما المناوئون والمستقلون فمن المُرجح أن تختلف المعاملات والتبعات بحسب الجنسيات. وهذان الملفان هما بمثابة ورقة ضغط سياسي قد توازي القوة العسكرية التي تمتلكها "الهيئة" وتضاعفها في سعيها للحصور على الاعتراف والتطبيع الدوليين، بعد خروجها جهاراً من الحراك الجهادي العالمي.

وسيم نصر: صحفي في قناة "فرانس 24" متخصص في الحركات الجهادية.

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

مستقبل براغماتية "الجولاني" في إدلب وعفرين