قصف هيروشيما وناغازاكي: القتل الجماعي غير الضروري

1692176744856981900
‏سحابة ذرية فوق مدينة ناغازاكي اليابانية بعد إسقاط القنبلة النووية الأميركية عليها، 9 آب (أغسطس) 1945 - ‏‏(المصدر)‏

بريان ماكجلينشي – (كونسورتيوم نيوز) 2023/8/9
 
الأساطير المستمرة حول المذابح المدنية الجماعية في هيروشيما ونغازاكي تشوه التفكير في النزعة العسكرية الأميركية. لكن بعضًا من كبار الضباط والمسؤولين الأميركيين خلال الحرب العالمية الثانية يؤكدون أن القصف النووي الأميركي للمدينتين اليابانيتين لم يكن ضروريًا ولم تكن له أي فوائد مادية، لأن اليابان كانت جاهزة للاستسلام من دون القصف.

                          *   *   *
‏تقدم الذكرى السنوية للقصفين الذريين لهيروشيما وناغازاكي فرصة لهدم أسطورة أساسية في التاريخ الأميركي -أن هذين العملين التوأمين من المذابح المدنية الجماعية كانا ضروريين لتحقيق استسلام اليابان، وإنقاذ أرواح نصف مليون جندي أميركي كانوا سيموتون في غزو عسكري للجزر الأم للإمبراطورية.‏

اضافة اعلان


‏غالبًا ما يتم رفض وجهة نظر أولئك الذين يهاجمون هذه الأساطير، واتهامهم، بطريقة انعكاسية، بأنهم غير وطنيين، أو غير مطلعين، أو كليهما. ومع ذلك، كان الشهود الأكثر إقناعًا ضد الرواية الشائعة التقليدية أشخاصًا وطنيين يتمتعون بفهم فريد للوضع في آب (أغسطس) 1945 -كبار قادة أميركا العسكريين في الحرب العالمية الثانية.‏


دعونا نسمع أولاً ما قالوه، ثم نذهب إلى فحص الحقائق الرئيسية التي قادتهم إلى تكوين قناعاتهم التي لم يتم نشرها في العلن كثيرًا:‏


• ‏الجنرال دوايت أيزنهاور‏‏، ‏‏عند علمه بعمليات القصف المخطط لها: "كنت مدركًا لشعور بالاكتئاب وأعربت (لوزير الحرب ستيمسون) عن شكوكي الخطيرة، أولاً على أساس اعتقادي بأن اليابان قد هُزمت بالفعل وأن إسقاط القنبلة لم يكن ضروريًا على الإطلاق، وثانيًا لأنني اعتقدت بأن بلدنا يجب أن يتجنب صدمة الرأي العام العالمي باستخدام سلاح لم يعد استخدامه، كما اعتقدت، ضروريًا كإجراء لإنقاذ الأرواح الأميركية. كان اعتقادي أن اليابان كانت، في تلك اللحظة بالذات، تبحث عن طريقة ما للاستسلام بأقل قدر من ’فقدان ماء الوجه‘".‏


•  ‏الأدميرال ويليام ليهي‏‏، رئيس أركان ترومان: "استخدام هذا السلاح الهمجي... لم يكن يقدم أي مساعدة مادية لنا في حربنا ضد اليابان. كان اليابونيون قد هُزموا مسبقًا ومستعدين للاستسلام بسبب الحصار البحري الفعال والقصف الناجح بالأسلحة التقليدية".‏


• ‏اللواء كورتيس ليماي‏‏، ‏‏قيادة القاذفة 21: "كانت الحرب ستنتهي في ‏‏غضون أسبوعين‏‏ من دون دخول الروس ومن دون القنبلة الذرية... لم تكن للقنبلة الذرية أي علاقة بنهاية الحرب على الإطلاق".‏


• ‏الجنرال هاب أرنولد‏‏‏، القوات الجوية للجيش الأميركي: "كان الموقف الياباني ميؤوسًا منه حتى قبل سقوط القنبلة الذرية الأولى، لأن اليابانيين فقدوا السيطرة على أجوائهم. ‏بدا‏‏ لنا دائمًا أن اليابانيين، سواء كان ذلك بقنبلة ذرية أو من دون قنبلة ذرية، على شفا الانهيار مسبقًا".‏


• ‏رالف بارد‏‏،‏‏ وكيل وزارة البحرية: "كان اليابانيون مستعدين للسلام، وكانوا قد خاطبوا بالفعل كلا من الروس والسويسريين... في رأيي، كانت الحرب اليابانية قد كُسِبت فعليًا قبل أن نستخدم القنبلة الذرية".‏


• ‏العميد كارتر كلارك‏‏، ضابط المخابرات العسكرية‏‏ الذي أعد ملخصات للبرقيات اليابانية التي تم اعتراضها لترومان: "عندما لم نكن في حاجة إلى القيام بذلك، وعرفنا أننا لسنا في حاجة إلى القيام بذلك... استخدمنا (هيروشيما وناغازاكي) كتجربة لقنبلتين ذريتين. ووافق العديد من الضباط العسكريين رفيعي المستوى الآخرين على ذلك".‏


• ‏الأدميرال تشيستر نيميتز، قائد أسطول‏‏ المحيط الهادئ: "لم يكن استخدام القنابل الذرية في هيروشيما وناغازاكي مفيدًا ماديًا في حربنا ضد اليابان. كان اليابانيون قد هزموا مسبقًا وكانوا مستعدين للاستسلام".‏


عن طريق مد المجسّات من خلال القنوات الدبلوماسية التابعة لجهات خارجية، كان اليابانيون يسعون إلى إنهاء الحرب قبل أسابيع من القصف الذري في 6 و9 آب (أغسطس) 1945. كان قد تم تدمير القوات البحرية والجوية اليابانية، وإخضاع أراضيها لحصار بحري وقصف من الحلفاء دون مقاومة تذكر.‏


وكان الأميركيون على علم بنية اليابان الاستسلام، بعد أن اعترضوا ‏‏برقية مرسلة بتاريخ 12 تموز (يوليو)‏‏ من وزير الخارجية الياباني، شيجينوري توغو، يقول فيها للسفير الياباني لدى روسيا، ناوتاكي ساتو: "نحن الآن نفكر سرًا في إنهاء الحرب بسبب الوضع الضاغط الذي يواجه اليابان في الداخل والخارج".‏


وطلب توغو من ساتو "أن يسأل (الدبلوماسي الروسي فياتشيسلاف مولوتوف) إلى أي مدى يمكن الاستفادة من روسيا في إنهاء الحرب".** وطلب توغو في البداية من ساتو إخفاء مصلحة اليابان في استخدام روسيا لإنهاء الحرب، ولكن بعد ساعات فقط، قام بسحب هذه التعليمات، قائلا إنه سيكون "من المناسب أن نوضح للروس موقفنا العام بشأن إنهاء الحرب" –بما يشمل نقل أن اليابان "ليست لديها أي نية على الإطلاق لضم أو الاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها خلال الحرب".‏


‏كان الشاغل الرئيسي لليابان هو الاحتفاظ بإمبراطورها هيروهيتو، الذي كان يعتبر نصف إله. ولكن، حتى مع معرفة ذلك -ومع شعور العديد من المسؤولين الأميركيين بأن الاحتفاظ بالإمبراطور يمكن أن يساعد المجتمع الياباني خلال انتقاله بعد الحرب- استمرت إدارة ترومان في إصدار المطالب بالاستسلام غير المشروط، ولم تقدم أي ضمان بأن الإمبراطور سينجو من الإذلال أو ما هو أسوأ.‏


‏في ‏‏مذكرة بتاريخ 2 تموز (يوليو)‏‏، صاغ وزير الحرب الأميركي، هنري ستيمسون، إعلان شروط الاستسلام لإعلانه في ختام مؤتمر بوتسدام في ذلك الشهر. ونصح ترومان بأنه "إذا... كان يجب أن نضيف أننا لا نستبعد إقامة ملكية دستورية في ظل سلالتها (اليابان) الحاكمة الحالية، فإن هذا سيضيف بشكل كبير إلى فرص القبول".‏


‏ومع ذلك، استمر ترومان ووزير خارجيته، جيمس بيرنز، في رفض التوصيات بإعطاء اليابان ضمانات بشأن الإمبراطور. وحذفَ ‏‏إعلان بوتسدام‏‏ النهائي، الصادر في 26 تموز (يوليو)، اللغة التي أوصى بها ستيمسون، معلنًا بصرامة: "فيما يلي شروطنا. ولن نحيد عنها".‏


ويمكن تفسير أحد هذه الشروط، منطقيًا، بأنه يعرّض الإمبراطور للخطر: "يجب القضاء إلى الأبد على سلطة ونفوذ أولئك الذين خدعوا وضللوا شعب اليابان وقادوه إلى الشروع في غزو العالم".‏


‏في الوقت نفسه الذي كانت فيه الولايات المتحدة تستعد لاستخدام أسلحتها الجديدة الهائلة، كان الاتحاد السوفياتي ينقل جيوشه فعليًا من الجبهة الأوروبية إلى شمال شرق آسيا.‏ في أيار (مايو)، كان ستالين قد أخبر السفير الأميركي‏‏ بأنه يجب وضع القوات السوفياتية استعدادًا لمهاجمة اليابانيين في منشوريا بحلول 8 آب (أغسطس). وفي تموز (يوليو)، تنبأ ترومان بتأثير فتح السوفيات جبهة جديدة. وكتب في ‏‏تدوينة في مذكراته خلال مؤتمر بوتسدام، أن ستالين أكد له "أنه سيكون قد دخل حرب اليابان في 15 آب (أغسطس). ‏سينتهي اليابانيون عندما يحدث ذلك".‏


‏الإمبراطور يسعى إلى محادثات الاستسلام

 

‏تمامًا وفق جدول ستالين الأصلي، أعلن الاتحاد السوفياتي الحرب على اليابان بعد يومين من قصف هيروشيما يوم 6 آب (أغسطس). وفي ذلك اليوم نفسه -8 آب (أغسطس)- أخبر الإمبراطور هيروهيتو القادة المدنيين في البلاد بأنه ما يزال يريد مواصلة السعي إلى استسلام تفاوضي يكون من شأنه أن يحافظ على حكمه.‏


‏في 9 آب (أغسطس)، بدأت الهجمات السوفياتية على ‏‏ثلاث جبهات‏‏. ودفعت ال‏‏أخبار عن غزو ستالين‏‏ لمنشوريا الإمبراطور هيروهيتو إلى الدعوة إلى اجتماع جديد لمناقشة الاستسلام - في الساعة 10 صباحًا، قبل ساعة واحدة من الضربة النووية على ناغازاكي. وجاء قرار الاستسلام النهائي في 10 آب (أغسطس).‏


يجعل الجدول الزمني السوفياتي من القصف الذري أكثر إثارة للتساؤل فحسب: قد يعتقد المرء أن حكومة أميركية مترددة كما ينبغي في حرق وإصابة مئات الآلاف من المدنيين بالإشعاع، كانت سترغب أولاً في رؤية الكيفية التي أثر بها إعلان الحرب السوفياتي على حسابات اليابان.‏


‏كما اتضح، يبدو أن استسلام اليابان كان مدفوعًا في الحقيقة بدخول الاتحاد السوفياتي الحرب على -‏‏وليس ‏‏بسبب القنابل الذرية. كتب يوشيا ليبينكوت في ‏‏مجلة "ذا أميركان كونسيرفاتيف":‏ "لم تكن لدى القيادة اليابانية أبدًا معلومات بالصور أو الفيديو عن الانفجار الذري، واعتبرت تدمير هيروشيما مشابهًا لعشرات الضربات التقليدية التي عانت منها اليابان مُسبقًا".

استهداف متعمد للمدنيين‏


‏للأسف، تشير الأدلة إلى أن حكومة الولايات المتحدة كانت مصممة على إسقاط القنابل الذرية فوق المدن اليابانية كغاية في حد ذاته، لدرجة أنها لم تتجاهل مصلحة اليابان في الاستسلام فحسب، بل وعملت أيضًا على ضمان تأجيل الاستسلام إلى ما بعد مقتل ما يزيد على ‏‏241.000 شخص –يتكونون بشكل غير متناسب من النساء والأطفال وكبار السن-‏‏ في المدينتين اليابانيتين.‏


‏لا يخطئن أحد، لقد كان هذا استهدافًا متعمدًا للسكان المدنيين. وتم اختيار هيروشيما وناغازاكي لأنهما كانتا مدينتين بكريَن لم تُمسا تقريبًا، وبالتالي يمكنهما إظهار أثر القوة الكاملة للقنابل. كانت هيروشيما موقعً لمقر عسكري صغير، لكن حقيقة أن كلتا المدينتين لم تمسهما حملة القصف الاستراتيجي التي بدأت ‏‏قبل 14 شهرًا‏‏ تؤكد عدم أهميتهما العسكرية والصناعية.‏


‏وسوف يقول‏‏ أيزنهاور لاحقًا: "كان اليابانيون مستعدين للاستسلام ولم يكن من الضروري ضربهم بهذا الشيء الفظيع. لقد كرهت أن أرى بلدنا وهو يكون أول من يستخدم مثل هذا السلاح".‏


و‏وفقًا لطياره، كان ‏‏الجنرال دوغلاس ماك آرثر‏‏، قائد قوات الجيش الأميركي في المحيط الهادئ، "مروَّعًا ومكتئبًا من وحش فرانكشتاين هذا".‏


‏وكتب الصحفي نورمان كوزينز: "عندما سألت الجنرال ماك آرثر عن قرار إسقاط القنبلة، فوجئت عندما علمت بأنها لم تتم استشارته... لم ير أي مبرر عسكري لإسقاط القنبلة. وقال أن الحرب كانت ستنتهي قبل أسابيع، لو وافقت الولايات المتحدة، كما فعلت لاحقًا على أي حال، على الاحتفاظ بمؤسسة الإمبراطور".‏


قنابل تهدف إلى ترك انطباع -فيزيائي- عند ستالين‏

 


‏ماذا كان الغرض إذن من تدمير هيروشيما وناغازاكي بالقنابل الذرية؟‏


‏تأتي إضاءة مهمة من العالم الفيزيائي في مشروع مانهاتن، ليو زيلارد. في العام 1945، نظم زيلارد ‏‏عريضة‏‏ وقعها‏‏ 70 عالمًا في مشروع مانهاتن، تحث ترومان على عدم استخدام القنابل الذرية ضد اليابان من دون إعطاء البلد أولاً فرصة للاستسلام، بشروط معلنة على الملأ.‏


و‏في أيار (مايو) 1945، التقى زيلارد بوزير الخارجية، بيرنز، من أجل الحث على ضبط النفس الذري. ولم يكن بيرنز متقبلاً للمناشدة. و‏‏روى‏‏ زيلارد -العالِم الذي صاغ الرسالة المهمة التي أرسلها في ا‏‏لعام 1939‏‏ ألبرت أينشتاين إلى روزفلت ليحثه فيها على تطوير قنبلة ذرية-:‏


‏"كان (بيرنز) قلقًا بشأن سلوك روسيا بعد الحرب. كانت القوات الروسية قد انتقلت إلى المجر ورومانيا، واعتقد بيرنز أنه سيكون من الصعب للغاية إقناع روسيا بسحب قواتها من هذه البلدان، وأن روسيا قد تكون أكثر قابلية للإدارة إذا تأثرت بالقوة العسكرية الأميركية، وأن عرض القنبلة قد يُحدث هذا التأثير على روسيا".‏


ولكن، ‏سواء كان جمهور المشاهدين المستهدف لتفجير القنبلة الذرية في طوكيو أو موسكو، فقد دافع البعض في المؤسسة العسكرية الأميركية عن طرق بديلة لإظهار قوتها.‏


‏رفض اقتراح بإسقاط القنبلة على الغابات‏

 

‏قال لويس شتراوس، المساعد الخاص لوزير البحرية، أنه ‏‏اقترح‏‏ "أن يتم عرض تفجير السلاح فوق... غابة كبيرة من أشجار الكريبتومريا ليست بعيدة عن طوكيو. وشجرة الكريبتوميريا هي النسخة اليابانية من شجرة الخشب الأحمر لدينا ... سوف يجعل ذلك الأشجار التي في طريق موجات الرياح المندفعة من مركز الانفجار تتطاير في جميع الاتجاهات كما لو أنها أعواد ثقاب، وبالطبع سيشعل النار فيها في المركز. بدا لي أن عرضًا من هذا النوع سيثبِت لليابانيين أنه يمكننا تدمير أي من مدنهم متى أردنا".‏


وقال شتراوس أن وزير البحرية، فورستال، "وافق بكل إخلاص" على الاقتراح، لكن ترومان قرر في النهاية أن العرض الأمثل يتطلب حرق مئات الآلاف من المدنيين غير المقاتلين وتدمير مدنهم. وتوقف الاقتراح عند هذا الحد.‏


‏تساعد الوسيلة ذاتها التي تم استخدامها لارتكاب عمليات القتل الجماعي هذه -جسم منفرد يتم إسقاطه من طائرة على ارتفاع 31 قدم- في تشويه تقييم الأميركيين لأخلاقيتها. وباستخدام المجاز، يشرح المؤرخ، ‏‏روبرت رايكو، مسألة‏‏ الوضوح الأخلاقي:‏


‏"لنفترض أننا عندما غزونا ألمانيا في أوائل العام 1945، اعتقد قادتنا أن إعدام جميع سكان آخن أو ترير أو أي مدينة أخرى في راينلاند سيكسر أخيرًا إرادة الألمان ويقودهم إلى الاستسلام. بهذه الطريقة، ربما كانت الحرب قد انتهت بسرعة، ويكون ذلك قد أنقذ حياة العديد من جنود الحلفاء. هل كان ذلك ليبرر قتل عشرات الآلاف من المدنيين الألمان، بمن فيهم النساء والأطفال"؟‏


‏ليس الادعاء بأن إسقاط القنابل الذرية على اليابان أنقذ حياة نصف مليون أميركي  أكثر من تبرير فارغ: يمكن قول أن رفض ترومان العنيد لتقديم ضمانات مسبقة بشأن الاحتفاظ بإمبراطور اليابان ‏‏كلف‏‏ فقدان أرواح أميركية.‏


وهذا صحيح -ليس بالنسبة لحرب ضد اليابان التي استمرت لفترة أطول مما ينبغي فحسب، ولكن أيضًا بالنسبة للحرب الكورية، التي عجل بها الغزو السوفياتي الذي دعت إليه الولايات المتحدة للأراضي التي تسيطر عليها اليابان في شمال شرق آسيا. وقد قتل أكثر من 36.000 من الجنود الأميركيين في الحرب الكورية -من بين عدد مذهل هو 2.5 مليون قتيل عسكري ومدني سقطوا على جانبي خط العرض 38.‏


‏إننا نحب أن نفكر في نظامنا على أنه واحد ترجح فيه سيادة القادة المدنيين، كقوة عقلانية ومعتدلة، على قرارات العسكريين. لكن القصف الذري الذي لا داعي له لهيروشيما وناغازاكي -ضد رغبات القادة العسكريين الأكثر احترامًا في الحرب العالمية الثانية- ينبئنا بخلاف ذلك.‏


‏احتضان المبدأ الأكثر شرًّا‏

 

‏للأسف، لا تقتصر الآثار المدمرة لأسطورة هيروشيما على فهم الأميركيين للأحداث في آب (أغسطس) 1945. "ثمة لمحات ومشاهدات عن أسطورة هيروشيما ما تزال مستمرة في كل أوقات في العصر الحديث"، كما قال المخبر عن المخالفات والمؤلف بيتر فان بورين في برنامج "عرض سكوت هورتون" الحواري.


‏ما تزال أسطورة هيروشيما تعزز شعورًا باللامبالاة الفاسدة تجاه الضحايا المدنيين المرتبطين بالأعمال الأميركية في الخارج، سواء كانوا النساء والأطفال الذين يُذبحون بغارة بطائرة من دون طيار في أفغانستان، أو ‏‏مئات الآلاف من القتلى‏‏ الذين سقطوا في غزو غير مبرر للعراق، أو طفل يموت بسبب ‏‏نقص الأدوية المستوردة‏‏ في إيران الخاضعة للعقوبات الأميركية.‏


في نهاية المطاف، يعني اعتناق أسطورة هيروشيما تبني مبدأ شرير حقًا: أنه في الظروف المناسبة، يكون من الصواب أن تعمد الحكومات عمدًا إلى ذبح المدنيين الأبرياء. وسواء كان الضرر في هذه الحالات ناجمًا عن القنابل أو العقوبات، فإن هذه تظل فلسفة ‏‏تعكس أخلاق تنظيم القاعدة‏‏.‏


‏وليس هذا هو الخيط الوحيد الذي يربط بين العامين 1945 و2023، حيث يتردد صدى إصرار ترومان على الاستسلام غير المشروط لليابان من خلال عدم اهتمام إدارة بايدن المطلق بالسعي إلى تحقيق سلام تفاوضي في أوكرانيا.‏


واليوم، في مواجهة خصم يمتلك في ترسانته 6.000 رأس حربي نووي -كل منها أقوى ألف مرة من القنابل التي أسقطت على اليابان- فإن إدامة بايدن العنيدة للحرب تعرضنا جميعًا لخطر مواجهة نفس مصير الأبرياء في هيروشيما ناغازاكي.‏

*‏بريان ماكجلينشي Brian McGlinchey: صحفي مستقل يغطي مجموعة من القضايا لمنصة "Substack" الإلكترونية الأميركية، بما في ذلك الاقتصاد والتاريخ والسياسة الضريبية والعدالة الجنائية والسياسة الخارجية والسياسة والحرب على الإرهاب والأحداث الجارية. 

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Atomic Bombings Were Needless: WW II’s Top US Brass

هامش المترجم:
** في رسالة اعترضتها المخابرات الأميركية مرسلة من وزير خارجية اليابان إلى سفيرة في موسكو قبيل الضربة النووية الأميركية، كانت ضمن الوثائق التي قُدمت إلى الرئيس الأميركي، كتب: "نود أن نعرف وجهات نظر الحكومة الروسية حول هذا الموضوع (الاستسلام) في أسرع وقت ممكن. كما أن البلاط الإمبراطوري مهتم للغاية بهذه المسألة، لذك يرجى مقابلة مولتوف، على الرغم من أن تي. في. سونغ ربما ما يزال في موسكو. مع وضع الحقائق المذكورة أعلاه في الاعتبار، حاوِل استكشاف وجهات نظر الروس والرد علينا على الفور".


‏كان فياتشيسلاف ميخائيلوفيتش مولوتوف المذكور في الرسالة سياسيًا ودبلوماسيًا روسيًا وسوفيتيًا لاحقًا، وشخصية بارزة في الحكومة السوفياتية. وسونغ كان رجل أعمال وسياسيًا بارزاً شغل منصب رئيس وزراء الصين ومناصب مصرفية.

 

اقرأ المزيد من ترجمات: 

‏الصلة بين مأساتين: هيروشيما ونورمبرغ‏