العربة الفارغة

متطرفون يهود خلال استعدادهم لاقتحام المسجد الأقصى -(وكالات)
متطرفون يهود خلال استعدادهم لاقتحام المسجد الأقصى -(وكالات)
هآرتس
ناحوم برنياع
الحاخام ابراهام يشعياهو كارلتس التقى بن غوريون في تشرين الاول 1952. دخل اللقاء التاريخ بسبب تشبيه اقتبسه كارلتس من التلمود البابلي: جملان التقيا في درب ضيق. الجمل الذي لا يحمل شحنة ملزم بان يخلي الطريق للجمل المحمل. الجمل المحمل في التشبيه هو الجماعة الاهلية الحريدية. اما الجمل عديم الحمولة فهو كل الباقين، علمانيين ومتدينين. وكما كان متوقعا، رفض بن غوريون التشبيه رفضا قاطعا: اليهودي الذي يعيش في اسرائيل يحمل شحنة خاصة به، لا تقل قيمة، لا تقل ثقلا، عن اليهودي الحريدي. وعاد منتشيا من اللقاء مع كارلتس.اضافة اعلان
في فلكلور الوسط الحريدي تدحرجت القصة من تشبيه الجمل الى تشبيه العربة: لم يرق لهم ان يكونوا جمالا، ولا حتى في التشبيه. أما جواب بن غوريون فتجاهلوه. الحريديون هم عربة مليئة، وكل الاخرين هم عربة فارغة. وهذه في نظرهم خلاصة المشروع الصهيوني. أجيال من المربين الحريديين غذوا اطفال الوسط بالعزة الفئوية بمعونة هذه القصة: نحن الحريدون، وبعدنا الطوفان.
ان الازمة التي تهدد سعادة ائتلاف نتنياهو، توفر التواءة اخرى لقصة العربة. ظاهر الخصام هو على المال: اسحق غولدكنوف، ممثل الساحات الحريدية في الحكومة، يطالب بنصف مليار شيكل اخر، إضافة الى المليارات التي تلقاها في إطار الاموال الائتلافية؛ ايتمار بن غفير، ممثل الكهانيين في الحكومة يدعي بان الوزارة التي أعطيت لهذه الكتلة ظلمت مقارنة بالوزارة التي اعطيت لكتلة سموتريتش. في السلب مثلما في السلب: من سرق من الدكان مايكرويف يحسد من سرق تلفزيونا؛ ومن سرق تلفزيونا يحسد من سرق ثلاجة. لا يوجد سالبون سعداء.
مع أن غولدكنوف جديد في السياسة الوطنية لكن في صالحه يقال إنه يعرف بان المال الذي يطالب به يمكنه أن يحصل عليه بهدوء عبر لجنة المالية. رئيس لجنة المالية هو موشيه جفني، زميله في الحزب: لجفني توجد سبل. لكن غولدكنوف ليس إمعة: فهو لن يدع جفني يحصل على الحظوة لقاء الميزانية الاضافية. فاما أن يعطوه المال له شخصيا أو انه سيستقيل ويصوت ضد الميزانية. للسياسيين الحريديين ايضا توجد أنا.
يمكن أن نروي قصة الازمة بشكل مختلف ايضا. غولدكنوف، سموتريتش وبن غفير هم العربة المليئة. لكل واحد منهم توجد وعود تعهد بان يوفي بها، رؤية يسعى لان يجسدها، جماعة اهلية عليه أن يرضيها. في المفاوضات الائتلافية التقوا يريف لفين الذي كان مستعدا لان يعدهم بكل شيء على أن يؤيدوا انقلابه القضائي. وعندها نشب الاحتجاج، وتوقف الانقلاب القضائي، مؤقتا على الاقل، والليكود، الحزب الحاكم، بقي مع عربة فارغة.
سموتريتش يسعى لان يضاعف عدد سكان المستوطنين في الضفة، من نصف مليون الى مليون. برأيي هذه خطوة مسيحانية، سائبة، تبذيرية، خطيرة، لكن لا يمكن القول انها بلا رؤية. على الطريق يغدق باموال الدولة على وسطه وعلى حزبه: لا توجد له عراقيل. وزارة النقب والجليل تعود لبن غفير. في الماضي عملت كصندوق احتياط لاريه درعي. بن غفير يريد أن يري سكان هذه المناطق بانه يقاتل في سبيلهم. أما ما سيفعله بالمال فهي قصة منفصلة. عربة غولدكنوف محملة على نحو خاص: توجد فيها عصبة كبيرة من الادموريين ممن ينتظرون الشيك.
لقد دفعت الاحزاب الحاكمة اثمانا باهظة بالاحزاب الفئوية في الماضي ايضا. هذا صحيح بالنسبة لليسار وصحيح بالنسبة لليمين. محقون رجال الليكود الذين يذكرون التنازلات الواسعة التي قدمها اسحق رابين لشاس في مجال الحلال، والضم الشنيع لغونين سيغف، الفار من حزب رفائيل ايتان الى حكومته. الفرق مطروح بهدف، في الرؤية: رابين اخذ هذه الخطوات كي يحاول انهاء النزاع الاسرائيلي – العربي. هذا ما ارادوه ناخبوه، بكل طاقتهم.أما نتنياهو فلا يعرض على ناخبيه شيئا.
بداية أفرغ حزبه من المنافسين والان يفرغه من الايديولوجيا. اقترح على من لم يقرأ بعد ان يقرأ المقابلة التي نشرت يوم الجمعة في "يديعوت احرونوت" في ملحق "7 ايام" مع حاييم بيبس رئيس بلدية موديعين ورئيس مركز السلطة المحلية. بيبس هو ابن بيسان، عضو الليكود منذ 31 سنة، لا يهدد أي تحقيق شرطي حريته، لا يهدد اي مرشح انتصاره في الانتخابات في تشرين الثاني. وهو يقول ما يفكر به آخرون في الليكود لكنهم يخافون ان يقولوه.
فقد قال: "كلما تحدث اليمين الليبرالي في الليكود بصورة واضحة سيعود سواء العقل. في النهاية يوجد هنا حزب وطني ليبرالي يجب أن تعاد له كرامته الذاتية. حان الوقت للتوقف وعدم السير أسرى خلف المتطرفين".
الاستطلاعات دقيقة، بيبس يمثل النصف على الاقل من منتخبي الليكود. عربتهم مليئة. سلم اولوياتهم واضح: أمن خارجي، الحرب ضد غلاء المعيشة، الامن الداخلي، الاقتصاد النامي، التعليم والمجتمع، ليس لمعظمهم مصلحة في رفع اسوار الغيتو الحريدي بل ربما العكس، لا مصلحة في توجيه استثمارات البنى التحتية الى المناطق، لا مصلحة في تعميق التدين في الحيز العام. هم معنيون باصلاح جهاز القضاء، وليس بحروب لفين وروتمان المسيحانية. الفساد العلني يقلقهم. وكذا فقدان السيطرة.
ناخبو نتنياهو يشعرون الان بانهم مخدوعون: هذه مشكلته، فضلا عن الازمة مع سموتريتش، بن غفير وغولدكنوف.