التجاهل وعدم التدقيق بالتفاصيل.. هل يعد خيارا آمنا لحفظ الود بالعلاقات؟

التجاهل وعدم التدقيق بالتفاصيل.. هل يعد خيارا آمنا لحفظ الود بالعلاقات؟
التجاهل وعدم التدقيق بالتفاصيل.. هل يعد خيارا آمنا لحفظ الود بالعلاقات؟

تمر العلاقات بتقلبات من فترة لأخرى، فتارة يكون التفاهم في أوجه وتارة أخرى تكثر الخلافات والمشاكل، خاصة إذا كان أحد الأطراف يدقق على الصغيرة والكبيرة ويحتاج للتبرير دائما، فالأمور كلها بالنسبة له لا يمكن أن تكون عابرة.

اضافة اعلان

 

  ولكي تستمر العلاقات وتنجح، فالتجاهل وعدم التدقيق في بعض المواقف هو الخيار لإبقاء الود، ويلجأ إليه بعض الأشخاص ليريحوا أنفسهم من عناء المشادات الكلامية العقيمة التي تشوه الكثير من المشاعر الجميلة وتضع العلاقات على المحك.


الحياة كانت قاسية على سحر (35 عاما) بسبب طبع زوجها الصعب الذي يطالبها دائما بتفسير واضح لكل تصرفاتها. تقول إن أسئلة كثيرة يطرحها عليها، وذريعته الوحيدة أنه يحب الوضوح، لكن ذلك الوضع أتعبها نفسيا وأشعرها بالضغط، فهي مضطرة دائما للتبرير وتقديم إجابات مقنعة له. 


وتلفت إلى أن الحياة معه مؤخرا لم تعد تطاق، وخاصة أنه لا يترك صغيرة أو كبيرة إلا ويسأل عنها. محاصرته لها بهذه الطريقة جعلتها حذرة طوال الوقت خائفة من أي تصرف قد تفعله حتى أنها بدأت تشعر بأنها غريبة عن نفسها. ولأنها امرأة لا تقبل الخسارة وتبحث عن الحياة الهادئة وتريد أن تعيش بسلام وراحة بال، قررت سحر أن تتقبل طبعه مع محاولة لتغييره.


تقول "بالتفاهم والاحتواء تحل أصعب العقد"، فهي ترى أن المسايرة ليست ضعفا، بل على العكس هي دليل على المحبة الكبيرة، مبينة أن العلاقات، وتحديدا الزواج، تتطلب الكثير من التغافل لإبقاء الود. 


وتؤيدها مها عبدالرحمن (28 عاما) التي تعتبر أن عدم تدقيقها على التفاصيل هو ما أنقذها، وجعلها أكثر راحة وسعادة، وكان سببا في حماية علاقتها بصديقتها المقربة، فرغم عيوبها الكثيرة إلا أنها نجحت في أن تكون وفية لها تتقبلها كما هي بأخطائها وهفواتها بل وتحتضنها حتى وإن أخطأت في حقها. 


مها فهمت أن لكل إنسان عيوبه وأنه لا أحد مثالي، كل ذلك ساعدها على أن تتجاوز كل المشكلات بحب، فكانت خير صديقة لم تجلدها أو تتذمر منها، هي ظلت الملجأ لها حتى وإن لم تكن تتفق معها في بعض الأمور. 


أما عماد محمد (45 عاما)، فهو أيضا يجد أن التدقيق في الأشياء طويلا يستنزف الأعصاب، ويرهق النفس، وأن الحياة بصعوبتها تحتاج منا  لأن نتغافل في الكثير من المواقف، فالمبررات ليست دائما موجودة. ويبين أن هناك من يفهم أن التغافل والتجاوز عن بعض الأخطاء والعيوب خوف وضعف، لكن من يرى الموضوع من زاوية إيجابية يدرك أن الود يستمر بعدم التدقيق.


وبحسب عماد، فقد وصل إلى قناعة مفادها بأن الحياة تريد الكثير من التجاهل، يقول "كون واعي على كل شيء بيصير حواليك بس مو بالضرورة كل شي تحكي فيه وتعطيه قيمة". وهذا ما بدأ يطبقه في بيته ومع أبنائه، بل باتت طريقته في التعاطي مع الحياة والأشخاص، فاستطاع بذلك أن يكون أكثر هدوءا وصبرا وتحملا ولم يعد من السهل استفزازه.


نجاح العلاقات وقبولها يبدأ من التجاوز وعدم التدقيق على الصغيرة والكبيرة، هذا ما يؤكده الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، الذي يجد التغافل عن الزلات هو خيار الإنسان ليعيش براحة وهدوء، فليست كل الأشياء تستحق أن نتوقف عندها ونعطيها من وقتنا وصحتنا. 


ويذهب الى أن التدقيق في التفاصيل أمر متعب ويمنع الشخص من أن يستمتع بالحياة، فالتفكير الزائد وتصيد السلبيات وانتقادها باستمرار ورمي التعليقات الجارحة، كلها أشياء تقتل الود وتبني الحواجز بين الناس. ووفق قوله، فإن عدم التدقيق هو أمر صحي في حقيقته وأيضا دليل قوة، فالحياة مليئة بالمواقف والأحداث والأشخاص، وهذا يعني أن الإنسان معرض دائما للانتقاد، لذلك لا بد من أن يكون واعيا على كل شيء حوله، لكن في الوقت نفسه قادر على تحكيم الأمور وتقييم ما يمر به من مواقف وما إذا كانت تستحق الرد أم أنها أقل من أن يفكر فيها أصلا.


وهنا يبين مطارنة، أن هناك فرقا بين التجاوز وعدم التدقيق وبين الاستهتار وعدم الإحساس، وهذا يتطلب حتما من كل شخص أن يفهم أن لكل شعور حدا معينا، وأن هناك مواقف تحدث لاستفزازك أو حتى دون قصد لكنها عابرة وسطحية لا تستحق الاهتمام. بهذه الطريقة فقط تستمر العلاقات ونستطيع أن نكون مستقرين وأكثر هدوءا ونتمكن من الوصول إلى أهدافنا. 


ويرى اختصاصي علم الاجتماع محمد جريبيع، أن العلاقات تستمر بتجاهل الكثير من التفاصيل سواء كانت علاقات زواج أو صداقة أو غيرها من العلاقات. ووفق جريبيع، فإن التدقيق على كل صغيرة وكبيرة مشكلة تتسبب في إنهاء الكثير من العلاقات، فالأشخاص الذين يدققون وينتقدون باستمرار ويبحثون عن مبررات طوال الوقت هم أشخاص يعتقدون أن الحياة مثالية وأن الجميع عليهم أن يصلوا لتلك الدرجة من الكمال، رغم أنهم في حقيقتهم أيضا لديهم الكثير من العيوب والأخطاء. 


ويلفت إلى أن العلاقات الإنسانية في أساسها هي علاقات معقدة، الأحداث فيها متغيرة ومتنوعة، كما أن الإنسان أيضا بطبيعته متغير ومتطور ولا يمكن أن تحكم عليه لأن رهين لظروفه ولبيئته وحتى لثقافته، فمتى كان الإنسان متجاهلا يعرف متى ينتقد ومتى يصمت  وكانت علاقاته بمن حوله ناجحة ومستقرة، وبالتالي ينعكس ذلك كله عليه شخصيا ونفسيا فيكون أكثر سعادة وراحة ويمتاز بالصبر والحكمة والذكاء وقادر على رؤية الأمور بعين الواعي المتزن. 

 

اقرأ أيضاً: 

كيفية التعامل مع أشخاص يتقنون فن "التجاهل"

تجاهل المحادثات الإلكترونية.. هروب من الرد أم "تهميش" للمرسل؟