جلسات المصارحة.. منصة آمنة تنهي الخلافات وتذيب الجليد بين العلاقات

جلسات المصارحة.. منصة آمنة تنهي الخلافات وتذيب الجليد بين العلاقات
جلسات المصارحة.. منصة آمنة تنهي الخلافات وتذيب الجليد بين العلاقات

بين الحين والآخر، تحتاج العلاقات بأشكالها كافة إلى عقد جلسات مصارحة، الهدف منها إزالة الشكوك وإذابة الجليد وإنهاء الخلافات. فالمصارحة هي فرصة للتصافي وتوضيح الصورة لجميع الأطراف وبها تقوى الروابط وتترسخ المشاعر، ويستطيع كل طرف من الأطراف الوصول لنقطة التقاء مع الآخر تسمح بوضع النقاط على الحروف وإعطاء مساحة كافية للتعبير عن كل ما يجول في القلب والخاطر دون خوف من الخسارة.

اضافة اعلان


وتظل جلسات المصارحة، بمفهومها الأعمق، طريقة لكشف الأوراق وتمكين الآخر من فهم كل ما يحدث حوله والتحاور بمحبة وإعادة الحياة لعلاقات باتت باردة وسطحية لكونها اختارت التكتم. 


سارة محمد (36 عاما)، تجد أن الخطأ يبدأ عندما نخاف من مواجهة الطرف الآخر والاستسلام للتراكمات التي من شأنها أن تهدم أقوى العلاقات. هي بطبيعتها إنسانة صريحة تحب الوضوح وتحرص في كل علاقاتها على أن يكون الوضوح هو الأساس. تقول في موقف حدث بينها وبين صديقة لها "ليس المهم من المخطئ، لكن المزعج في القصة أن صديقتها قررت تجاهلها دون أن توضح لها السبب، معتقدة أن على الطرف الآخر أن يفهم وحده،  وأن صمتها هو تعبير عن غضبها"، وذلك ما تنفر منه سارة لأنها شخصية تهتم بأن تتمتع علاقتها بالصدق والوضوح.

 

لذلك ترى أن في جلسات المصارحة فرصة لتخطي كل الخلافات الكبيرة وحتى الصغيرة، ومن يحبك بصدق يواجهك بعيوبك وأخطائك، لذلك فالمصارحة تكون بدافع الحب والإبقاء على العلاقة وليس التجريح.


ويوافقها الرأي أحمد الذي يبين أن المصارحة تبنى على الاحترام واللطف بالكلام، لافتا إلى أنه هو وزوجته اتفقا منذ البداية على أن يبتعدا عن الشك تماما وأن يجعلا الصراحة العنوان العريض لعلاقتهما وقاعدة أساسية يستمدان من خلالها الحب والتفاهم والثقة.. لذا فإن جلسات المصارحة التي اعتادا عقدها بشكل دوري قللت من المشكلات بينهما وساعدتهما على إبقاء مشاعر الحب حقيقية وقوية، فالوضوح يحيي العلاقة وخاصة بين الأحبة.


أما أسماء فقد عانت طويلا قبل أن تغير من طريقة والدتها، تقول إن خوفها من ردة فعل والدتها القاسية كان يمنعها من مصارحتها والتحدث معها عن نقاط معينة تزعجها في علاقتهما معا، مشيرة إلى أنها لطالما تمنت أن تكون والدتها صديقة لها تفهمها وتشعر بها وأن تنسى لو لوقت قصير أنها أم.


وبحسب أسماء، فإن والدتها أخذت وقتا طويلا حتى أدركت أن ابنتها كبرت ولم تعد طفلة. وهذا ما يجعل علاقتهما اليوم أكثر نضوجا وفيها الكثير من الثقة والاحترام والصراحة المتبادلة، فقد أصبحتا صديقتين يجمعهما التفاهم، وتلك الجلسات تمنح كل منهما الأمان على أسرار وتفاصيل تحكمها العاطفة والتوجيه.  


وحول ذلك، يبين الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، أن المصارحة هي التعبير عن رأيك بشفافية، وتأتي لتنهي أي خلاف وتذيب الجليد الحاصل وتعيد العلاقات لمسارها.


ويشير إلى أن المصارحة ضرورية جدا وخاصة بين الزوجين وبين الأهل وأبنائهم وحتى بين الأصدقاء، لكونها تفريغا انفعاليا يساعد على التحرر من الطاقة السلبية وقراءة المواقف والمشكلات بمنظور جديد قائم على المحبة والثقة والتفاهم.


كما أن للمصارحة دورا في بناء علاقات قوية وصحية خالية من التوتر والقلق والضغوط النفسية، إضافة إلى الأحقاد التي قد توجدها التراكمات والكبت.

 

والمصارحة أيضا، وفق مطارنة، تشعر أطراف العلاقة بالراحة والتخلص من عبء تحمل شخص بات مرهقا بالنسبة لهم وتجعل الرؤية أوضح، وهذا ما يحقق المصالحة النفسية والانسجام في العلاقة. 


ويرى مطارنة أن هناك أشخاصا يخافون المصارحة لعدم قدرتهم على المواجهة، وبالتالي يفضلون التكتم على كل ما يشعرون به وتحمل أمور فوق استطاعتهم من شأنها أن تؤذيهم نفسيا. ولذلك فإن الشخص عندما ينوي المصارحة عليه ألا يحسب حسابا للخسارة؛ لأن من يؤمن بصدق محبته يستطيع أن يفهمه ويشعر به ويتقبل رأيه وكلامه، أما المخطئ فيجد في المصارحة فرصة لإنهاء العلاقة والانسحاب. 


وتشير خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم، إلى أن جلسة المصارحة أو الفضفضة مع الأشخاص المقربين لدينا تعزز من التواصل وتقوية العلاقات وتزيل الشكوك، ومن خلالها نفهم مشاعر الآخرين، ويمكن أن يكون لها تأثير إيجابي كبير على العلاقات الشخصية والأسرية. 


جلسة المصارحة مع الزوجة تعد أمرا مهما لتعزيز الفهم المتبادل وتقوية العلاقة الزوجية، ويمكن أن تساعد على التعبير عن مشاعرك واحتياجاتك بصراحة، والاستماع إلى مشاعرها واحتياجاتها أيضا. هذا يمكن أن يؤدي إلى حل الخلافات وتعزيز الثقة، والاهتمام بالتواصل المفتوح والصريح.


ووفق إبراهيم، فإن الصراحة مع الأبناء أيضا تعد مهمة جدا، حيث تساعد هذه الجلسات على فهم أفضل لمشاعر وأفكار أبنائنا وتقديم الدعم الذي يحتاجونه وتطوير ثقافة الاحترام المتبادل وبناء علاقات قوية داخل الأسرة. كما أنها تمنحهم الثقة في التحدث عن مشاكلهم وتجاربهم بصدق. 


أما الصراحة مع الأصدقاء المقربين، فهي تعزز من علاقة الصداقة وتسهم في بناء روابط قوية. يمكن أن تكون هذه الجلسات فرصة لمناقشة أمور مهمة أو مشاكل شخصية، والتعبير عن مشاعرك بصدق، والاستماع إلى مشاعرهم أيضا. 


وتذهب إبراهيم إلى أن هدف هذه الجلسات، سواء كانت مع الزوجة، الأبناء، أو الأصدقاء المقربين، هو تحقيق أمور مهمة عدة، منها؛ إزالة الشكوك عبر توفير منصة آمنة للتحدث والتعبير عن المشاعر والأفكار الذي يمكن أن يساعد على حل الشكوك وفهم أفضل للآخرين، وتعزيز التفاهم المتبادل، بما يساعد على فهم أفضل للآخرين ولمشاعرهم واحتياجاتهم، وتقوية الروابط وبناء علاقات أقوى وأكثر عمقا بين الأفراد، سواء كانوا أفراد أسرة أو أصدقاء. كذلك دعم العلاقات الإيجابية التي تجعل الأشخاص أكثر تقديرا لبعض بعضا. 


أما الأسباب التي قد تجعل بعض الأشخاص يبتعدون عن جلسات المصارحة أو الصراحة، فمنها الخوف من الرفض وأن تكون ردود فعل الآخرين سلبية وتؤدي إلى رفضهم، مما يمكن أن يكون مؤلما لهم. كذلك الضغط والتوتر عند مشاركة مشاعرهم بصراحة، ويمكن أن يكون ذلك مثبطا بالنسبة لهم، كما أن هناك أشخاصا يفضلون الاحتفاظ بأمورهم الشخصية لأنفسهم ويرون أنها ليست مناسبة للمشاركة.


ومن الأسباب الأخرى، الخوف من التأثير السلبي على العلاقات، فبعض الأشخاص يخشون أن الصراحة قد تؤدي إلى تأثير سلبي على العلاقات وقد تؤدي إلى صراعات أو انفصال، وقد يشعر بعض الأشخاص بالخجل أو العار من مشاركة مشاعرهم أو تجاربهم، كذلك سوء تجارب سابقة سلبية قد تكون سببا لتجنب الصراحة، خاصة إذا كانت هناك تجارب لا ترتقي إلى التوقعات. لذا يجب أن يتم فهم هذه الأسباب ومساعدة الأشخاص على التغلب عليها إذا كانوا يرغبون في تحقيق فوائد الصراحة في العلاقات.

 

اقرأ أيضاً: 

الأمان في العلاقات طوق نجاة يحمي من الخسائر