على أبواب الشتاء.. أسر تفتح بيوتها على الخير وتغطي احتياجات أسر معوزة

تكثر أوجه المساعدة للعائلات المعوزة بالتزامن مع بدء فصل الشتاء- (أرشيفية)
تكثر أوجه المساعدة للعائلات المعوزة بالتزامن مع بدء فصل الشتاء- (أرشيفية)
منى أبو حمور عمان- في الوقت الذي يفرح به العديد من العائلات بقدوم فصل الشتاء والاحتفال بأجوائه وطقوسه؛ ترضخ أسر تحت وطأة الخوف والقلق من برد الشتاء القارس والمطر القوي وصباحات الانجماد التي تنخر بالعظام. ولأن الخير لا يتوقف من أناس يشعرون بأوجاع غيرهم، فإن صور التكافل الإجتماعي والإحساس بالغير يتحقق بأبهى حلة عبر تنوع أوجه المساعدة المقدمة للعائلات المعوزة، بالتزامن مع بدء فصل الشتاء، وذلك رغبة في تخفيف ثقل فصل الخير، وتأكيدا على تماسك المجتمع الأردني وترابطه. وكعادتها في كل عام، تحرص الخمسينية أم رائد على توظيب بيتها وملابس عائلتها على أبواب فصل الشتاء، وفي زاوية أخرى ترتب حاجيات ومستلزمات في حقيبة كبيرة لتوزيعها على الأسر المحتاجة. تقول “أنتقي القطع النظيفة والمرتبة وأضعها على جنب لتوزيعها على من يستحقها”، لافتة إلى وجود الكثير من القطع التي ترتبها في الخزانة في كل موسم بقصد التبرع بها لأن هناك من يحتاجها أكثر. وتحرص أم رائد في كل مرة على إشراك أبنائها وبناتها في ترتيب الملابس والحاجيات الشتوية التي تنوي توزيعها على المحتاجين، الأمر الذي عزز داخلهم المبادرة للتبرع، حتى أصبحوا يقدمون بعض قطعهم الخاصة تعبيرا عن حبهم في التطوع والمساعدة. وفي شكل آخر من أشكال التكافل الإجتماعي، بحثت أم معاذ من خلال الأقارب والمعارف عن أسر عفيفة، ينقصها سجاد ومدافئ وحرامات لتقدمها لهم. وتقول “رغبت هذه المرة أن أصل إلى الأسر التي لا تطلب، فهناك الكثير من العائلات العفيفة الصامته على الجوع والبرد”، وبعد أن تقوم بفرش بيتها، يتوفر لديها قطع من السجاد ومدافئ الكاز والغاز التي ماتزال في حالة جيدة، ويتم ايصالها لمن يحتاجها. أما الثلاثيني حاتم قطيشات، فأخذ على عاتقه مهمة تأثيث بيت أحد العمال الوافدين في منطقته، وتأمين أطفاله الصغار بكسوة شتوية، مقسمًا الملابس الشتوية بين أبنائه وأبناء الوافد، رغبة منه تخفيف قسوة الغربة والبرد معا. ولم تعد مساعدة الأسر المحتاجة تقتصر على الكسوة الشتوية كما يقول الخمسيني أبومراد، لافتا إلى ضرورة أن يكون هناك تنويع بما يقدم للأسرة الواحدة وهذا ما يقوم به وأبناء حارته. ويقوم أبومراد وأبناء الحي الذي يسكنه في تجميع المساعدات التي يودون توزيعها على الأسر العفيفة في مسجد الحي ومن ثم يتم توزيعها على الأسر المحتاجة بالتساوي مع ضمان وصول كافة احتياجات الشتاء. يقول “نوزع الملابس الشتوية والمدافئ والسجاد والحرامات حتى في بعض الحالات نحصل على تبرعات تشمل غرفا وأدوات كهربائية”، مشيرا إلى أن تنظيم التوزيع يكفل ضمان وصول المساعدات لجميع الأسر دون حصر نوع من المساعدات على أسرة دون غيرها. في حين تكفل مجموعة من الشباب ضمن مبادرات فردية على تأمين المحروقات للأسر المستورة طوال فترة الشتاء بما يمنكهم من استخدام مدافئ الكاز والغاز خلال المنخفضات الجوية. وازدادت ظاهرة التكافل الاجتماعي بين أفراد الشعب الأردني بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، بحسب أخصائي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع الذي يبين ان ذلك لم يعد محصورا او مرتبطا بالمواسم بموسم الشتاء فحسب وإنما أيضا بشهر رمضان والأعياد والعودة إلى المدارس. ويعتبر جريبيع ان التكافل الاجتماعي جزءا من التربية التي ينشئ عليها الأردنيون، وتدل على مدى مرونة المجتمع وتعامله مع القضايا التي تهم المجتمع في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي أثرت بشكل كبير على الطبقات الوسطى. ويلفت بدوره أن وجود التكافل في المجتمع ينمي شعورا وإحساسًا كبيرا لدى الناس بمفهوم الفزعة الاجتماعية، وهي ظاهرة إيجابية وتنم عن الإحساس بالآخر ومدى تيقنهم من حقيقة الظروف الاقتصادية التي يعاني منها الأردنيين عند دخول فصل الشتاء وشهر رمضان المبارك. وفي المضمار النفسي يؤكد أخصائي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة أن المجتمع الاردني متكافئ ومتراحم ودائما حاضرا في الأزمات، لكن مع اتساع البلد وزيادة عدد السكان وتردي الأوضاع الاقتصادية برزت حالات فقر شديد وعائلات بحاجة لمن يساعدها ومد يد العون لها. ويتابع مطارنة أن التكافل الاجتماعي أمر ضروري لأي مجتمع متراحم، مؤشرا إلى وعي المجتمع من خلال مبادرات من أناس خيرين يقدمون المعونات والمؤن خلال فترة الشتاء لمن يحتاجها. وفي الوقت ذاته يؤكد طراونة على ضرورة ان يكون التكافل اوسع من ذلك ايضا، إذ إن احتياجات الاسر المعوزة كثيرة ولا تنتهي، اضافة الى اهمية ان يكون هناك عمل مؤسسي جماعي مرتب ومنظم. ويلفت مطارنة إلى وجود العديد من العائلات العفيفة لا احد يعلم عنها، لذلك ينبغي الوصول اليها في الأحياء البعيدة، متمنيا ان تتسع دائرة المتطوعين وأهل الخير. وللتكافل الاجتماعي انعكاسات نفسية كبيرة جدا وفق مطارنة على المجتمع والناس الذين يشعرون بوقوف الغير معهم، ذلك يعطيهم شعورًا بالأمان ويمدهم بالامل والتفاؤل وحب الحياة. اما المتطوع نفسه، فيشعر بعطائه وبأنه ينقذ طفلا أو عائلة ويقف إلى جانب المحتاج ويسنده في وقت الشدة، هذه التفاصيل تشعره بالسعادة والرضا بالنفس.اضافة اعلان