كيف تؤثر "الفوضى" على أنماط حياة الإنسان وجوانبه النفسية؟

كيف تؤثر "الفوضى" على أنماط حياة الإنسان وجوانبه النفسية؟
كيف تؤثر "الفوضى" على أنماط حياة الإنسان وجوانبه النفسية؟

كثير من الأشخاص محاطون بالفوضى من كل جانب، سواء في تنظيم الوقت أو في "كركبة" المكان. ومع مرور الأيام، قد يصبح ذلك "أمراً اعتيادياً"، على الرغم من آثاره السلبية على صحة الفرد. من ناحية أخرى، يعزز التنظيم الصحة العقلية والنفسية، إذ يساعد على التخلص من الفوضى والأمور غير المرغوب فيها، مما يجعل الفرد يشعر بالسعادة والحيوية والنشاط، وفقاً لما يؤكده خبراء.

اضافة اعلان


الثلاثيني حسان يذكر تجربته "بين الفوضى والتنظيم"، كما يطلق عليها، بقوله "كان من الصعب التخلص من مقتنياتي الشخصية كونها مرتبطة بذكريات عاطفية، وأعتبرها جزءا من هويتي ويصعب التفريط بها"، مؤكدا أن هذا الأمر سبب له العيش بأجواء نفسية صعبة جراء تكرار تتبع أحداث الماضي والشعور بالألم والحزن.


أسهم أصدقاء حسان بتخلصه من هذا السلوك السلبي، كما يصفه؛ إذ استجاب لنصحهم في تخصيص يوم لجمع المقتينات كافة وتوظيبها بمكان بعيد عن مرأى العين، بعد أن كانت منتشرة في جميع أركان منزله.


وتحرص رنا مصطفى (32 عاما) على تشجيع زملائها وزميلاتها على ترتيب مكاتبهم عند وصولها إلى العمل. وتعتقد أن هذا الترتيب يساعد في تقليل أجواء التوترات السلبية، كما يجعل الإنجاز في العمل أسرع وأكثر نشاطا.


وبدورها، تقول المرشدة المتخصصة بالأسرة ريما العابد، إن التنظيم لا يكون فقط في المكان وإنما بتنظيم الحياة كاملة، مثل تنظيم المهام المطلوبة بشكل يومي أو تنظيم المواعيد مثل مواعيد الدراسة، مما يؤدي إلى الشعور بالراحة النفسية، فلا يشعر الفرد بالفوضى أو أنه يتخبط ولا يعلم من أين يبدأ.


وما يزال خبراء الكفاءة يؤكدون أن الأفراد يكونون أكثر إنتاجية عندما تكون أماكن تواجدهم منظمة ومرتبة، وتتحدث بعض الدراسات بما يخص علاقة الفوضى بالمماطلة، بأن آثار الفوضى في المنزل أو العمل أشعرت الكثيرين بإلارهاق، وبالتالي جعلتهم أكثر عرضة للمماطلة في الإنجاز.


ووفقا لدراسات، فإن الفوضى قد تكون مثيرة لخيال الطفل وإبداعه وهي خلاقة له، وتعلمه الكثير، وتعطيه مساحة من الحرية لكي يلعب في كل شيء متاح وغير ضار، ولكن بالمقابل يجب تعليمه أساسيات النظام والترتيب والنظافة، وهي أيضا مهمة لمخيلته ومهاراته المستقبلية.


ويبدأ الطفل بالتعود على ذلك شيئا فشيئا من خلال مساعدة والديه، وذلك أن نشارك الطفل خلال ترتيب ألعابه، مثلا، وإعادة كل شيء إلى مكانه المخصص.


وعند بلوغ الأبناء سن المراهقة، تكون الأمور أكثر صعوبة أحيانا، فالأبناء في هذه المرحلة قد يطالبون بالخصوصية، فيما تزداد شكاوى الأمهات ليقمن بجميع المهام المزلية، بحجة أن الابن يحتاج إلى وقت إضافي أو أنه لا ينجز المهمة بالشكل المناسب، فيكبر الابن وهو معتاد على ذلك، وأن والدته هي المسؤولة عن جميع المهام.

 

يقول اختصاصي الأمراض النفسية وعلاج الإدمان الدكتور محمد أبوصليح "إن من السبل التي قد تساعد على تحسين الصحة النفسية والجسدية التخلص من المقتنيات غير الضرورية؛ حيث يشعر الأفراد بنوع من الراحة النفسية والتحرر عند التخلي عن الأشياء التي لا تخدم وظيفة مفيدة في حياتهم، هذا التصرف يمكن أن يقلل من مستويات القلق ويزيد من الشعور بالسيطرة على البيئة المحيطة، مما يؤدي إلى تحسين الصحة النفسية".


ويذهب أبوصليح إلى أن اضطراب الاكتناز، حالة نفسية تتميز بصعوبة التخلص من الأغراض الشحصية حتى تلك التي لا قيمة لها بشكل واضح.


والأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب قد يجدون أنفسهم محاطين بكميات كبيرة من الممتلكات التي تملأ مساكنهم، إلى درجة تعيق الاستخدام العادي للمساحات وتسبب ضغطا نفسيا وجسديا ملحوظا.


وينوه أبوصليح إلى أهمية الأخذ بعين الاعتبار أن الأشخاص يختلفون في ردود فعلهم تجاه الفوضى والنظام. بعض الأشخاص قد يجدون الراحة والأمان في التمسك بأغراضهم وذكرياتهم المرتبطة بها، وقد يشعرون بالضيق عند محاولة التخلي عنها. كما أن هناك من يجدون الإلهام والإبداع في بيئة غير منظمة ويفضلون العمل في فوضى معينة، لذلك من الأساسي أن يتم التعامل مع هذه القضايا بشكل فردي وبتفهم لاحتياجات ومشاعر كل شخص.


ووفق قوله، الفوضى قد تسبب الإجهاد والقلق، وقد يؤدي ذلك إلى مشاكل صحية مختلفة مثل زيادة الوزن، الإجهاد المستمر يمكن أن يؤدي إلى عادات غذائية غير صحية ونقص في النشاط البدني، وهو ما يعزز من فرصة زيادة الوزن.


وكشفت دراسة عن ارتباط الفوضى في المكان بزيادة الأرق والإقبال على تناول الأطعمة غير الصحية؛ إذ لاحظت الدراسة أن المشاركين الذين يستخدمون مطابخ غير مرتبة يأكلون ضعف الكميات التي يتناولها نظراؤهم في المطابخ المنظمة.


فيما تؤكد اختصاصية التغذية ديمة كيلاني، أنه إذا كان الشخص الذي يحاول أن يقلل من وزنه يعيش في بيئة غير منظمة ويوجد فيها فوضى، تتأثر قوته وإرادته في تحقيق الأهداف الصحية. والفوضى تجعل الفرد متوترا وغير قادر على التركيز بالمهمات، مثل تحضير وجبات صحية وتناول الوجبات بوقتها وغياب القدرة على ممارسة الرياضة. 


‎وتبين أن ترتيب البيت يعني القدرة على التحكم بالإرادة وتحقيق النجاح، أما إذا كان المحيط الداخلي مليئا بالفوضى، فهذا ينعكس على الفرد ويجعله متوترا، وقد يشجع على تناول الأطعمة المليئة بالسكر والدهون.

 

اقرأ أيضاً: 

"الفوضى" الداخلية.. صراع نفسي يغيب الرؤية الواضحة للإنسان