نصائح تساعدك في التحكم في أمور حياتك عندما تشعر بالعجز

الشعور بالعجز واستعادة السيطرة
الشعور بالعجز واستعادة السيطرة

إن أهم ما تعلمناه عن احتياجات العقل البشرى على مدى قرن من الأبحاث والدراسات في مجال علم النفس، هو أن البشر يتوقون لامتلاك زمام الأمور.

اضافة اعلان

فالأشخاص الذين يشعرون أنهم يملكون زمام مصائرهم، بمعنى أنهم قادرون على التحكم في كل شيء في حياتهم، بدءا من القرارات قصيرة الأمد ووصولا إلى الأحداث الكبرى في حياتهم، يكونون على الأرجح أكثر سعادة وأفضل صحة وأكثر كفاءة. بل إن أشد المصاعب قد تهون إذا شعرنا أننا لدينا القدرة على التأثير في نتائجها، في حين أن المشاكل والضغوط الطفيفة قد تتعاظم إذا شعرنا أننا معدومو الحيلة وعاجزون عن تغيير الأوضاع.

ويقول إريك أنيسيتش، أستاذ مساعد الإدارة والتنظيم بكلية مارشال لإدارة الأعمال بجامعة كاليفورنيا الجنوبية: "إن الشعور بالعجز مرعب في حد ذاته، ويثير رغبة جارفة لدى المرء لتخفيف هذا الشعور أو التخلص منه".

وربما نكون الآن في عام 2020 أحوج ما نكون إلى هذا البحث. فبالإضافة إلى المخاوف من الإصابة بفيروس كورونا، تسببت الجائحة في تقييد حياتنا الشخصية والعملية من مناح عديدة، وتحذر تقارير من أن الغموض الاقتصادي والقيود قد يستمران في عام 2021.

ولا شك أن فقدان القدرة على السيطرة على الأحداث والحياة الشخصية قد أثر على صحتنا وحالتنا النفسية، لكن أبحاث أنيسيتش تدل على أن الكثيرين استطاعوا أن يتكيفوا مع التحديات الجديدة إلى حد فاق توقعاتهم.

أما عن الأشخاص الذين لا يزالون يجدون صعوبة في التعامل معها، فيقدم لهم علماء النفس، مثل أنيسيتش، بعض النصائح حول أفضل الطرق لاستعادة الشعور بالتحكم والسيطرة على مجريات حياتهم الآن ومستقبلا.

حرية مسلوبة

ربما تكون الرغبة في تقرير المصير متأصلة في تاريخنا التطوري. فالكثير من أنواع الحيوانات تضطرب وتعاني عندما يُسلب منها الحق في الاختيار واتخاذ القرار. وأثبتت الأبحاث على مدى قرون أن تقييد حرية الحيوانات يؤدي إلى زيادة ملحوظة في الاستجابة الفسيولوجية للتوتر.

فعندما تشعر الحيوانات أنها عاجزة عن التحرك أو التصرف بحرية، رغم عدم تهديدها بالعقاب البدني، تطلق أجسامها هرمونات مثل الأدرينالين والكورتيزول، وتتسارع ضربات قلبها وتتكون لديها قرح المعدة.

وأشارت دراسة إلى أن حيوانات الباندا الضخمة التي يتاح لها الاختيار بين حجرتين في محبسها، كانت مستويات الهرمونات المرتبطة بالتوتر لديها أقل مقارنة بالحيوانات التي لديها حجرة واحدة فقط.

وبالمثل، قد أثبتت دراسات أجريت على البشر بطرق ذكية دون تعمد تعريضهم للضغوط النفسية، أن إدراك الفرد لمدى قدرته على التحكم في الظروف والأحداث، يؤثر تأثيرا عميقا على الطرق التي يستجيب بها للتحديات. فإذا شعر أنه فقد السيطرة التي كان يمتلكها في الماضي ستكون استجابته محفوفة بالتوتر والضغوط.

وفي عام 2008، على سبيل المثال، طلب باحثون بلجيكيون وبريطانيون من المشاركين أن يشاركوا في لعب البطاقات. وتعرض المشاركون لصدمات كهربائية طفيفة أثناء اللعب. وفي الثلث الأول من اللعبة، تعلم المشاركون السلوكيات التي يتلقون بسببها الصعق بالكهرباء وتجنبوها، وهذا منحهم قدرا من التحكم في الألم.

لكن في منتصف اللعبة، اختفت هذه القواعد، وتلقى المشاركون الصدمات الكهربائية بانتظام، بغض النظر عن سلوكياتهم. وعلى الرغم من أن شدة الصعق لم تتغير طوال اللعبة، فإن فقدان القدرة على السيطرة على توقيت تلقي الصدمة الكهربائية والشعور بالألم، أدى إلى زيادة الخوف والتوتر وانخفاض القدرة على التركيز.

وقد لوحظت نفس الأنماط في دراسات عديدة راقبت الصحة النفسية والبدنية للمشاركين لشهور وسنوات. واكتشفت دراسات أن إدراكنا لمدى قدرتنا على التحكم في الأحداث وتغيير مسارها أمر نسبي يختلف من شخص لآخر.

وخلصت دراسة إلى أن رؤية المرء لمدى قدرته على الإمساك بزمام الأمور في حياته تؤثر على صحته ورضاه عن حياته، بغض النظر عن العوامل التي تحدد مدى الحرية المتاحة له لاتخاذ قراراته والتحكم في مجريات حياته.

ولاحظ الباحثون أن المشاركين الذين ذكروا أنهم محدودو الإرادة ولا يمكنهم تغيير مسار الأحداث في حياتهم، كانوا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والموت.

وهذه الآثار الصحية طويلة الأمد قد يكون مردها إلى الاستجابة الفسيولوجية للتوتر والقلق، كما أوضحت الدراسات التي أجريت على الحيوانات، لكن ربما تكون أيضا بسبب الاختلافات السلوكية من شخص لآخر. فعندما يشعر الناس أنهم مغلوبون على أمرهم، يكونون أقل حرصا على الاهتمام بصحتهم وأنظمتهم الغذائية. فإذا كنت تشك في قدرتك على السيطرة على الأحداث، سيبدو أي مجهود تبذله لتغييرها عديم الفائدة.

وهذه الاختلافات في أساليب التفكير هي التي تحدد استجابة الفرد للأحداث مثل البطالة. فقد أشارت دراسة إلى أن الأشخاص الذين كانوا يعتقدون أنهم غير قادرين على السيطرة على الأحداث وتغيير نتائجها قبل التسريح من العمل، وجدوا صعوبة أكثر من غيرهم في العثور على وظيفة لاحقا مقارنة بنظرائهم الذين كانوا يعتقدون أنهم قادرون على تغيير مسار الأحداث.

وذلك يرجع إلى أن الشعور بالقدرة على السيطرة على الأحداث وتغيير مسارها يدفع المرء للبحث وتحسين الذات ويزيد فرص العثور على وظيفة.

حتى لو تغيرت بيئة العمل بشدة، فإن البحث عن طرق للتأقلم مع البيئة الجديدة قد يساعدك في تجاوز التحديات
التعليق على الصورة،حتى لو تغيرت بيئة العمل بشدة، فإن البحث عن طرق للتأقلم مع البيئة الجديدة قد يساعدك في تجاوز التحديات

مقاومة مضاعفة

ألقى أنيسيتش بمحض الصدفة، نظرة عن كثب على مشاعرنا في الأيام الأولى للوباء، الذي قلب حياة المليارات رأسا على عقب، وقيد الكثير من السلوكيات التي اعتدنا على ممارستها.

وكان فريقه يعد استطلاع رأي لقياس تجارب الأمريكيين مع العمل عندما أصبحت ملامح الأزمة جلية في مارس/آذار، ما أتاح لهم تسجيل ردود الفعل الأولى للناس حيال الاضطرابات الناجمة عن الوباء. وسأل الفريق المشاركين ثلاث مرات يوميا على مدى 10 أيام منذ أن صنفت منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا وباء عالميا وأعلنت الحكومة الأمريكية حالة الطوارئ.

ولقياس إحساس المشاركين بالسيطرة على الأحداث وضبطها، طلب الباحثون من المشاركين تقييم عبارة: "أشعر الآن أني مسلوب الإرادة"، من 1 (لا أوافق قط) إلى 5 (أوافق بشدة). ولقياس الصدق مع الذات - والذي يعد أحد مظاهر الاستقلالية - طلبوا من المشاركين تقييم عبارة "أشعر أنني أستطيع أن أتصرف وفقا لقناعاتي الشخصية".

وبينما تراجع الإحساس بالاستقلالية لدى معظم الناس بعدها، فإن المشاركين في دراسة أنيسيتش، استعادوا زمام الأمور بسرعة مدهشة. فبعد عشرة أيام، بلغ الإحساس بالسيطرة نفس المستويات التي سجلت في عام 2019.

ولاحظ أنيسيتش أن المشاركين الذين يعانون من العصبية الزائدة رغم أنهم كانوا أشد تأثرا في البداية، استطاعوا أن يتعافوا بوتيرة أسرع من غيرهم. ويقول أنيسيتش: "أعتقد أن الأشخاص الذين يعانون من العصبية أكثر حذرا في حياتهم وتعاملهم مع الآخرين، فهم أكثر قدرة بطبعهم على رصد المخاطر في البيئة والاستجابة لها بسرعة فور ظهورها".

الترياق

ويرى أنيسيتش أن هذا الشعور بالعجز وفقدان القدرة على السيطرة لدى المشاركين، ربما زاد وانحسر على مدى الأشهر اللاحقة مع تطور الأزمة وارتفاع الإصابات بعد دخول الموجة الثانية من كورونا.

ولحسن الحظ، فإن أنيسيتش لديه بعض النصائح حول الطرق التي قد تساعدنا في استعادة السيطرة على مجريات حياتنا الآن ومستقبلا.

ويقول أنيسيتش إن الخطوة الأولى هي إدراك تحيزاتك عند تقييم الأوضاع. فإن البشر بشكل العام لا يجيدون تقييم مشاعرهم مستقبلا فيما يسمى بأخطاء التنبؤ بالانفعالات.

فقد نبالغ مثلا في تقدير سعادتنا إذا ربحنا جائزة اليانصيب، والعكس صحيح مع الأحداث السلبية، فقد نجد صعوبة بالغة في تخيل قدرتنا على تجاوز المخاطر أو الإخفاقات. ويقول أنيسيتش: "إن التجارب السلبية تكون في الغالب أخف وقعا وأقصر مدة مما يعتقد معظم الناس". ولو واظبنا على تذكير أنفسنا بهذه الحقيقة، قد نتجاوز هذا الإحساس بالعجز الذي يعترينا عندما نسمع الأخبار السيئة.

ويشدد أنيسيتش على أهمية تفادي عقد المقارنات السلبية. فقد نحسد الآخرين عندما نشعر أنهم يتمتعون بقدر أكبر من الحرية أو قد نتحسر على الأيام التي كنا نملك فيها زمام أمرنا، لكن هذه الأفكار تزيد من مشاعر العجز.

وينصح في المقابل بالبحث عن سبل تجعلك تشعر بأنك تملك زمام الأمور. فإذا كنت مثلا أرغمت على العمل من المنزل، فبإمكانك أن تضع جدول خاص بك وتستفيد إلى أقصى حد من البيئة التي تعمل فيها، حتى تستعيد الشعور بالاستقلالية وحرية الإرادة.

وينصح أنيسيتش المديرين بتمكين الموظفين ويقول: "ينبغي أن يحاول المديرون ترك مساحة من الحرية للموظفين لاتخاذ قراراتهم بأنفسهم بدلا من التدخل في كل صغيرة وكبيرة في العمل".

وأجرت أستريد هومان، أستاذة علم النفس التنظيمي والعمل بجامعة أمستردام، دراسة مؤخرا طلبت فيها من المشاركين أن يذكروا سبعة أساليب مختلفة للتعامل مع الأزمات، وأجرت استطلاعات رأي لقياس مدى إدراكهم لقدرتهم على التحكم في حياتهم وضبطها ورضاهم عن حياتهم.

وكما قد تتوقع، كانت أساليب التهرب من المشكلة أقل فعالية في حلها مقارنة بالمواجهة الاستباقية. وقد يساهم أيضا النظر إلى الأمور من زاوية مختلفة ووضع الأمور في نصابها الصحيح في استعادة الشعور بحرية الإرادة والاستقلالية، مهما اشتدت الضغوط والأزمات.

وبتطبيق هذه النصائح على فترة الوباء، فإن ذلك قد يعني تعديل سقف أهدافنا والتسليم بوجود حدود وقيود لا يمكن تجاوزها. وتقول هومان: "ستدرك أنك مضطر لتخفيض سقف أهدافك، لا لأنك لا تريد أن تبذل مجهودا، ولكن لأنك لن تستطيع أن تنجز جميع المهام التي كنت معتادا على إنجازها سابقا".

ولعل نتائج دراستها وكذلك نصائح أنيسيتش تذكرنا بالفلسفة الرواقية اليونانية القديمة، التي تنادي بفصل الأمور الخارجة عن السيطرة عن تلك التي نستطيع السيطرة عليها وتغييرها، ثم نحاول تغيير نظرتنا إلى المشكلة.

ربما لا نملك تغيير العالم، لكننا نستطيع أن نغير استجابتنا للأحداث التي تقع من حولنا. وهذه الحكمة القديمة المجربة قد تكون الترياق لهذا الإحساس بالعجز وضعف الإرادة الذي ينتابنا اليوم.