العولمة وتشكيل الجمهور

د.هيثم أبو كركي كان من أهم آثار النظام العالمي الجديد تصدير أنماط ثقافية اتخذت أشكالا مختلفة في التعامل معها من قبل مختلف شعوب العالم ولم يقتصر ذلك على الشعوب التي تصنف ضمن العالم الثالث إلا انها ايضا كانت على الدوام بين شد وجذب حتى بين الشعوب الأوروبية ذات التقاليد العريقة والتي حاولت على الدوام التمسك بأنماطها وموروثاتها الثقافية في مواجهة سيل الانماط الثقافية الجديدة. ويمكن أن يكون سبب التوجه والاقبال على الانماط الثقافية الجديدة إلى سببين رئيسين، الأول، نجاح ماكينة الإعلام والتي لم تعد تقتصر على الإعلام المرئي والمسموع والمقروء فقط الا انها امتدت وبفضل ثورة الاتصالات لتشمل نمط مواقع التواصل الاجتماعي والتي اضحت تشكل إعلام الظل ومكونا اساسيا ورئيسيا من مكونات الرأي العام. اما السبب الثاني فيعود إلى فراغ الموروث الثقافي من مضمونه الأصيل، فوجدت الانماط الثقافية المستحدثة والمصدرة باسم العولمة الطريق ممهدا أمامها، ويشمل الموروث الثقافي القيم السائدة في المجتمع وما تعارف عليه الناس والفوه ، وهو ما بدا يتغير شيئا فشيئا تأثرا بنظرية العقل الجمعي. ويمكن ضرب مثالين واقعيين أحدهما ذو بعد اقتصادي واجتماعي مهم وهو النمط الاستهلاكي السائد والآخر ذو مدلول ثقافي سلوكي لبيان الأثر الكبير والفرق الذي احدثته الانماط الثقافية المستوردة ضمن العولمة وهو تبني نمطية السرعة في كل شيء. إن الدارس لاقتصادات الدول وما ينشأ عن سلوك الأفراد من آثار اقتصادية يلاحظ وبوضوح أثر تغير النمط الاستهلاكي لدى كل الشعوب التي تأثرت بموروثات العولمة ، فزاد الاعتماد على ما تنتجه المصانع في جميع النواحي وبالذات الغذاء الاساسي والذي كان الموروث الثقافي السائد في فترة ما قبل العولمة يعتبر ان توفير الغذاء من المنازل أمر أساسي إلا أن هذا المفهوم تراجع لصالح التحول إلى النمط الاستهلاكي في مختلف المجالات. اما النمط الثاني فهو تحويل المجتمعات إلى الاعتماد كليا إلى الاستهلاك السريع ونمط المواد المستخدمة لمرة واحدة بشكل قتل فكرة الاستدامة لدى الاذهان وغير كثيرا من الانماط الاستهلاكية والثقافية لدى المجتمعات وهو ما شكل اعتداء كبيرا على القوميات في محاولة لصبغها بالطابع المصر ضمن موروثات العولمة. وتتجلى مظاهر هذا الاعتداء من خلال تغير الانماط الثقافية والاجتماعية والاستهلاكية بشكل بات يهدد الموروث الثقافي للشعوب بشكل اجبرها على تغيير ما الفته منذ سنوات وهو ما يبرز بشكل كبير في الفنون والموسيقى على الخصوص فنجد الانماط الموسيقية السائدة في المجتمعات المتأثرة بالعولمة مختلفة كليا عما كان سائدا قبل العولمة. وتتداخل العوامل الاقتصادية والاجتماعية مع العوامل السياسية بشكل يجعل الدول والمجتمعات التي تحاول مقاومة التغيير بمظهر محارب طواحين الهواء ومن يواجه ما لا قبل له بمواجهته نظرا لان المنظور السائد ان المعركة معركة بقاء أو فناء بينما يمكن ان تحققت الارادة ان نحافظ على ما لدينا وان نقدم ما يثري منظومة التعددية، ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال ان تقوم بدعم توجه يحافظ على الموروث في وجه الانماط الثقافية والاقتصادية المستوردة كمحاولة للصمود في معركة التغيير انطلاقا من ان هدف هذة المعركة الحفاظ على ما لدينا وليس افناء ما لدى الاخر من خلال تبني مفهوم تلاقح الحضارات بدلا من صراع الحضارات. باحث زائر بجامعة وسترن أونتاريو كندا مؤسس مبادرة التوعية بالحقوق والواجبات الكنديةاضافة اعلان