استطلاع مهم وخطير

استطلاع خطير آخر أجراه مركز الدّراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنيّة، حول الدّيمقراطيّة في الأردن، ولكن من دون أن تتحرّك هناك جهة ما حكوميّة أو غير حكوميّة، وتبادر إلى دراسته والاستفادة من النتائج والأرقام التي توصّل إليها! هل هي حالة اللامبالاة والاستهتار بكلّ شيء نبيل؟! هل هو التّخبّط والتّراجع والانكفاء وعدم الرّغبة في معانقة المستقبل!!

اضافة اعلان

خواطر كثيرة تعنّ على البال، ونحن نتلقّى ببرود النتائج الصّادمة التي طرحها هذا الاستطلاع المهمّ، الذي نشرته الصّحف الأردنية قبل أيّام.

يقول الاستطلاع إنّ هناك تراجعاً ملحوظاً في الحياة الديمقراطيّة في العام الأخير 2010، قياساً بالمستوى الذي كان سائداً في العام 2009. ففي العام 2010، أعطى الرّأي العام في الأردن 6.3 نقطة من أصل 10 نقاط للمستوى الذي بلغته الديمقراطية، مقابل 6.9 نقطة في العام 2009. يرصد الاستطلاع أيضاً معوقات الدّيمقراطيّة، ويشير إليها بوضوح، ويحدّدها بالفساد المالي والإداري والواسطة والمحسوبية، وهذه المعوقات حين نعرّضها للفحص سنرى أنّها معوقات قديمة، وكان ينبغي لها أن تتلاشى مع التطوّر الذي شهده المجتمع، وعودة الحياة البرلمانية في أواخر ثمانينيّات القرن الماضي.

يكشف الاستطلاع أيضاً عن كفر النّاس بالأحزاب الأردنية، وذلك حين يتبيّن لنا أنّ جميع التيّارات والأحزاب السّياسيّة القائمة لا تمثّل التّطلّعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلا لـ6 % من المواطنين الذين شملتهم العيّنة، وهذه كما نرى نسبة متدنّية جدّاً. هناك أيضاً 76 % من الذين توجّه إليهم الاستطلاع أفادوا بأنّ الأحزاب السّياسيّة الموجودة غير مؤهّلة لتشكيل حكومة. المؤلم بالنّسبة للحياة الحزبيّة أنّ نسبة الأفراد المنتسبين إلى أحزاب أردنيّة في العيّنة هي أقل من %1، وهذه المعلومة تعتبر كارثة، وهي تؤشّر على ضآلة الحياة الحزبية وابتعاد النّاس عنها. على العكس من حالة النّكوص هذه، كان ينبغي للحياة الحزبية أن تكون متجذّرة وممتدّة في النسيج الاجتماعي والسياسي الأردني، ذلك أنّ الديمقراطيّة لا يمكن لها أن تتحقّق من دون وجود أحزاب حقيقيّة وفاعلة تنظّم عمل الجماهير، وتدفع به إلى الواجهة، وتعبّر عن تطلّعات هذه الجماهير من خلال صناديق الاقتراع.

هذه النتائج المزعجة، التي خرج بها الاستطلاع حول الديمقراطية، تشير إلى نقطة في منتهى الخطورة: إننا نتلكّأ، ولنقل بصراحة إنّنا غير جادّين في السّير بخطوات شجاعة على طريق بناء الديمقراطية. عمرنا كدولة الآن هو أكبر من أعمار كثير من الدّول -في الشرق وفي الغرب- التي وصلت إلى الديمقراطية، وأصبحت شعوبها تتداول السّلطة. هل ننتظر حتى تمرّ علينا 300 سنة أخرى من أجل أن ننعم بالديمقراطيّة؟

لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار أنّ هذا الوضع الديمقراطي المتراجع لم يكن وليد اللحظة، فقد جاء في ظلّ استمرار عوامل الإحباط التي اعترضت الديمقراطية منذ البداية، فالفساد المالي والإداري والواسطة والمحسوبيّة التي يتحدّث عنها الاستطلاع عناصر ظلّت موجودة في حياتنا، ولم يجرِ التّخلّص منها بشكل نهائي وحاسم.

ينبغي ألا يمرّ هذا الاستطلاع مرور الكرام، بل ينبغي تلقّيه ودراسته بعمق من قبل عدد كبير من الجهات، ومنها الحكومة الأردنية ممثّلةً بوزارتي الدّاخلية والتنمية السياسية وغيرهما من الوزارات، هذا بالإضافة إلى مجلس الأمة الأردني، وقبل هذا وذاك الأحزاب الأردنية ومنظّمات المجتمع المدني. المرحلة التالية التي ينبغي اتّخاذها تتّصل بالخطوات العمليّة الملموسة التي تنطلق من روح هذا الاستطلاع، والتي يمكن لها أن تمهّد الطريق للديمقراطية وتدفع بها إلى الأمام. هذه نقطة في غاية الأهميّة، ومن دونها يظلّ جميع ما جاء في الاستطلاع حبراً على ورق.

[email protected]