الإسترليني واليورو تحت الضغوط

انكمش الاقتصاد البريطاني خلال فترة الأزمة الاقتصادية بنسبة 6 % في وقت يبلغ فيه عجز الموازنة البريطانية لعام 2010 ما نسبته 12.8 % من الناتج المحلي الإجمالي، واقترضت الحكومة البريطانية خلال عام 2009 مبلغ  188 بليون دولار بحصة 2000 دولار لكل مواطن بريطاني، كما اقترضت خلال شهر كانون الثاني (يناير)  2010 مبلغ 6.7 بليون دولار وهو شهر جمع الإيرادات، بينما الفائدة على الجنيه الإسترليني0.5 % وهي الأقل على مدى سنوات طويلة، ما يشير إلى أزمة بريطانية عميقة.

اضافة اعلان

تقدمت خلال الأسابيع الماضية مجموعتان من الاقتصاديين المرموقين بمذكرتين متناقضتين للحكومة، الأولى تطالبها بأولوية الحد من الإنفاق قبل أن يتهاوى الاقتصاد البريطاني تحت وطأة الديون والعجز وتخفيض التصنيف الائتماني وفقدان ثقة المقرضين، بينما تطالب الثانية بأن تستمر الحكومة بتحفيز الاقتصاد وألا تتسرع بوقف خططها لذلك.

أما منطقة اليورو،  فمشاكلها لا تقلّ عن الاقتصاد البريطاني، وأبرزها حتى الآن أزمة اليونان، الخاصرة الموجعة في جسم الاتحاد الأوروبي ووحدته النقدية. فاليونان تعاني من عجز موازنتها بنسبة 12.7 % (بدلا من 3 %)، وديون  تشكل 120 % من الناتج المحلي الإجمالي (بدلا من 60 % كحد أقصى)، وهي من آخر الدول التي ما تزال تدير اقتصادها بالطريقة الاشتراكية، حيث تستأثر الحكومة بنصيب كبير في القطاعات الاقتصادية كالمستشفيات والجامعات والفنادق والمطارات والبنوك والمياه والكهرباء والنقل ومصافي البترول.

ولم يتفق قادة الاتحاد الأوروبي بحيرتهم أمام كيفية التعامل مع العضو اليوناني وهم يرون سعر صرف اليورو يتهاوى إلى مستويات يخشون ألا تكون إلا القاع، بينما البرتغال وإسبانيا تتعرضان لنفس المشكلة اليونانية، وإيطاليا تتابع وتراقب خوفا من المصير نفسه، ما جعل رئيس الوزراء اليوناني الاشتراكي يقول "إنه من الخطأ القول أن اليونانيين متهورون لأن ذلك يعني أن المشكلة في الجينات اليونانية" ملمحا إلى أن اليونان ليس وحده الواقع بالمشاكل.

أمام هذه الحقائق، تتابع الأسواق العالمية الخطوات الغامضة للزعامة الأوروبية لإنقاذ اليونان، وشبح انهيار اليورو وانخفاض سعر صرفها لمستويات قاتمة تدفعها إلى أزمة جديدة، أوروبية المنشأ هذه المرة، بينما العالم لم يخرج من أزمته أميركية المنشأ بعد، خاصة أن الحقائق بدأت تتحول لمشاكل سياسية واجتماعية بدأت اليونان والبرتغال ترى نذرها متمثلة بصراعات وإضرابات عمالية ورفض لجهود تخفيض الأجور، ما زعزع ثقة الشركاء الأوروبيين بقدرة الحكومتين على العمل ببرامج الإصلاح المالي المطلوب تنفيذها.

ويأتي قرار البنك المركزي الأميركي، برفع سعر فائدة الإقراض الطارئ من0.5 % إلى0.75 % ليستفيد الدولار من أزمة اليورو والجنيه الإسترليني، علما بأن تداعيات أزمتهما ستصيب صناعة المال الأميركية، تماما كما أصابت أزمة أميركا أوروبا والعالم.

كثيرون يحتفظون بحسابات باليورو والجنيه الإسترليني، وبينما يقلّب الاتحاد الأوروبي خياراته لانقاذ اليونان مستبعدا حتى الآن دعوة صندوق النقد الدولي، ليس حبا باليونان أو بحكومتها الاشتراكية، بل دفاعا عن عملته ووحدته النقدية التي لم تحسب حساب هكذا أزمات، يتساءل الأردنيون عمّن سيفكر يا ترى بإنقاذ الأردن الذي يعاني اقتصاده من  الأعراض اليونانية والبريطانية نفسها إذا لم تبادر الحكومة الجديدة لعلاج مشاكله قبل أن تنفجر بوجوهنا جميعا.

[email protected]