المسألة الطائفية عربياً

مؤسفة حتماً الحقيقة التي أشار إليها كثير من الكتاب، بأن اعتداء المنيا الإرهابي، يوم الجمعة الماضي، لم يكن الأول ولن يكون الأخير الذي يستهدف مواطنين مصريين أقباطاً. لكن هذه الحقيقة تمثل أيضاً المنطلق الأساس لتشخيص المسألة الطائفية في العالم العربي عموماً، ومن ثم السعي إلى إنهاء تجليها الدموي حالياً.اضافة اعلان
أولى البدهيات في التشخيص، هي أن الصراع الطائفي في العالم العربي لا يرتبط بتنظيم "داعش" الذي أعلن مسؤوليته عن مجزرة المنيا. ومن ثم، فلا يتوقع، بأي درجة كانت، زوال هذا الصراع ولا حتى تراجعه بدرجة كبيرة، بزوال "داعش". وبالدرجة نفسها من اليقين، وبعيداً عن اتخاذ دماء الأبرياء ذريعة للمواقف السياسية، فإن التجلي العنيف للمسألة الطائفية عربياً لا يرتبط أبداً بـ"الربيع العربي"، كما يشهد تاريخ مصر تحديداً.
على مستوى ثان، وعلى الرغم من المبررات/ الذرائع الدينية، فإنه لا يجدي أبداً، في سبيل السعي إلى حل حقيقي، النظر إلى المسألة الطائفية في العالم العربي باعتبارها مسألة دينية فحسب، بل الأصح القول إنها مسألة سياسية بالأساس. فالسؤال الواجب طرحه ليس "لماذا يرتكب "داعش" (وأشباهه من دواعش طوائف أخرى)، مجازر بهذه البشاعة؟". السؤال الفعلي هو: لماذا يظن "داعش" (وأشباهه) أنه بهذه المجازر يستجلب مزيداً من المؤيدين؟ هذا يعني تلقائياً أن ثمة ثقافة أسبق من "داعش" (وأشباهه) تنسجم مع رؤية التنظيم، بل وأن التنظيم بنى استراتيجيته استناداً إلى تلك الثقافة.
وفي تتبع منشأ هذه الثقافة يجب التخلي عن خطيئة كبرى يعني التمسك بها عدم الرغبة في إنهاء سفك الدماء العربية، وهي تتمثل في الاكتفاء بالتركيز على خطاب الجماعات الدينية وإغفال حقيقة أن ثمة أنظمة عربية، ومثالها الأبرز نظام حسني مبارك، رعت الانقسام الديني/ الطائفي باعتباره إحدى أدوات تعزيز استقرارها في السلطة، على حساب استقرار البلد ككل. تماماً كما أسهم فاعلون دوليون وإقليميون، ولا سيما بعد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، في مأسسة هذه الانقسام وترسيخه لأسباب سياسية.
ذاك في التشخيص. أما في العلاج، فإن أول متطلباته وجوب التوقف عن التعامل مع المواطنين العرب المنتمين إلى أديان وطوائف مختلفة وفق منطق "الأقليات" التي تستوجب الحماية في مواجهة الأغلبية، تماماً كما هو الطرح السائد الآن، سواء من قبل بعض الأنظمة العربية أو من دول غربية. إذ إن مثل هذا المنطق لا يعني إلا مزيداً من تمييز مواطنين على أساس دينهم وطائفتهم بشكل يزيد استهدافهم فحسب لا حمايتهم.
وإزاء كل الحقائق السابقة، يغدو حتمياً العودة إلى المدخل الوحيد لإنهاء الصراع الطائفي الدموي، وهو القائم على احترام حقوق المواطنة والإنسان. فالمطالبة بحماية أتباع الأديان والطوائف المنتمين إلى ما يسمى "أقليات" (أكانت أقليات دينية أم سياسية)، يجب أن تكون مطالبة بحماية الحق الأساسي الأول لكل مواطن وإنسان، أي الحق في الحياة، بغض النظر عن أي انتماء ديني أو طائفي أو سواهما. ومثل ذلك حق ممارسة الشعائر الدينية، باعتباره حقاً مكفولاً للمواطنين جميعاً، ولا يُقدم استثناء أو منة لفئة من المواطنين تصنف على أنها أقلية.
من دون مواطنة حقيقية شاملة، قائمة على احترام حقوق كل إنسان، ستبقى المسألة الطائفية ورقة سياسية، يتم استثمارها بشكل دموي من وقت لآخر على حساب الكل، لأنه بالتقسيم الطائفي يخسر الجميع مواطنتهم ليصيروا محض كتل بشرية متواجهة متصارعة.