تركيا والاتحاد الأوروبي: إلى أين؟

 

فيما يدور الجدل حول العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي إعلامياً دوماً في الإشارة إلى العاصمة التركية أنقرة أو بروكسل مقر الاتحاد الأوربي، أو حتى فرنسا بحكم المعارضة التي أبدتها إلى انضمام تركيا إلى الاتحاد، فإن فيينا العاصمة النمساوية قلما تذكر، على رغم الرموز التي تحملها تلك المدينة في طياتها لطبيعة العلاقة التركية-الأوروبية الملتبسة.

اضافة اعلان

عارفو التاريخ سيعودون بطبيعة الحال إلى القرنين السادس عشر والسابع عشر للميلاد، بإشارة إلى حصار فيينا، وبالتالي الحرب الكبرى عام 1683، حين هزم النمساويون (والمجريون الذين كانوا دولة واحدة آنذاك)، الدولة العثمانية، في معركة فيينا. ولكن الرموز المعاصرة القائمة في المدينة، والوقائع على الأرض، تقدم مؤشرات عدة على طبيعة العلاقة الملتبسة تلك، حتى وإن كان بعضها يرتبط بتاريخ الصراع المذكور بين الطرفين.

من المعالم الرئيسية في العاصمة النمساوية، القصر الصيفي لأمير سافوي، يوجين (ولد 1663-وتوفي 1736)، وهو الأمير الذي انتصر على الدولة العثمانية ويعد من القادة العسكريين البارزين في التاريخ الأوروبي. في مقابل هذا القصر مباشرة، والذي يقع في شارع يحمل اسمه، ينتصب العلم التركي موجهاً نحو القصر، أمام مقر السفارة التركية في النمسا.

 وعلى الرغم من الدلالة الرمزية لهذا المشهد، وتعبيره عن حال التوتر في العلاقة الأوروبية-التركية، إلا أن في المدينة ذاتها ما يرمز أيضاً إلى أن معطيات الواقع هي التي ستحدد بالنهاية مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي أم لا بدلاً من إبقاء هذا الملف "رموزياً" بامتياز. تلك المعطيات ترتبط بالتواجد التركي في الغرب. في  فيينا أكشاك الكباب في كل مكان، ومن السهل أن تقابل تركياً أو تركية من أبناء الجيل الثالث الذين استوعبوا الثقافة التي نشأوا فيها. والأهم أن الأتراك عموماً مندمجون في المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها.

تغطية بعض الصحف "الشعبية" أو "التابلويد" البريطانية، لحملة تركية حول إقرار انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي كانت تعبر عن صور نمطية مغلوطة، وتشير إلى أن التحفظ على انضمام تركيا إلى الاتحاد لأنها ستسمح بهجرة كبيرة، ولأنها ستكون الدولة الوحيدة المسلمة فيها. تكفي الإشارة إلى أنه يقال إن أكبر مدينة تركية بعد العاصمة أنقرة من حيث عدد السكان هي العاصمة الألمانية برلين، في إشارة إلى التواجد التركي في أوروبا، بشكل يعيد التفكير بالحجج المطروحة حول الهجرة. وبقيت الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من الصحف الرصينة في الغرب، إن لم يكن معظمها، لا تتب]ن مثل هذه الطروحات ذات طابع الإثارة في تناول الموضوع.

على ما سبق وبعيداً عن "الترميز"، و"الإثارة"، فإن الوجود التركي في الغرب لم يعد قضية هجرة وأجانب، بل مسألة مواطنين واندماج، والأهم من ذلك أن تركيا باتت تطرح نفسها كقوة إقليمية، قد يصعب على الاتحاد الأوروبي تجاهلها، إن لم يسع إلى ضمها. خلصت دراسة حديثة صدرت عن "مركز دراسات الإصلاح الأوروبي" إلى أن الجمود التي يسم محاولات تركيا في الانضمام للاتحاد الاوروبي يتناقض مع الدور المتزايد لها في منطقة الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى، الذي قد يكون مهماً للأوروبيين. وتنقل الدراسة عن "مراقبين" خشيتهم أن تتحول أنقرة بعيداً عن الغرب، وتنتهج سياسة خارجية تعبر عن "عثمانية جديدة" أو حتى "إسلاموية"، إذا لم تؤخذ رغبتها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بجدية.

إضافة إلى الوجود التركي في أوروبا، وأهميتها الإقليمية، فإن تركيا تتزايد أهميتها بالنسبة للاتحاد الأوروبي بوصفها دولة محتملة لعبور الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب نابوكو، والذي يوصف بواحد من أهم المشاريع الأوروبية، وبالتالي يبدو أن الشروط الموضوعية هي التي ستحكم العلاقة الأوروبية-التركية في المستقبل، لا الطروحات الشعاراتية الإيديولوجية، على الجانبين.