تناقضات "الإخوان"

لا يمكن إلا أن تتملكك الحيرة وأنت تتابع التناقضات في مواقف قيادات الإخوان المسلمين في الأردن، بحيث يمكن أن نستمع لتصريح من أحدهم في الصباح ونقرأ نقيضه من قيادي آخر مساء. وهذا ما حدث فعلا عندما صرح القيادي في الحركة زكي بني ارشيد أثناء الحملات الانتخابية عن قبول "الإخوان" بمبدأ الدولة المدنية، ليخرج وفي اليوم نفسه النائب صالح العرموطي المحسوب على "الإخوان"، وخاض الانتخابات ضمن تحالفهم، بتصريحات يهاجم فيها الدولة المدنية بأسوأ العبارات خلال المناظرة الشهيرة بين عدد من مرشحي الدائرة الثالثة في عمان. والتناقض ذاته حول الموقف من الدولة المدنية رأيناه مرة أخرى بين بني ارشيد وهمام سعيد. بل تعدى الأمر ذلك عندما وصف همام سعيد وأحمد أبو غنيمة الدولة المدنية بأنها تتناقض مع روح الإسلام. اضافة اعلان
في العلاقة مع الدولة، وخاصة فيما يتعلق بالملفات الساخنة هذه الأيام، يخرج زكي بني ارشيد مرة أخرى، وبتصريح مباشر متعلق بملف تعديل المناهج، مهاجما وزير التربية والتعليم، قائلا إن بقاءه في منصبه استفزاز للمجموع الوطني، ومؤكدا أن أزمة تعديل المناهج ما تزال في بدايتها. هذا في الوقت الذي عبر النائب عن الإخوان المسلمين عبدالله العكايلة، في حديث علني مع أحد الوزراء، عن تفهم "الإخوان" لموضوع تعديل المناهج من حيث التوقيت باعتباره بداية العام الدراسي، وأن "الإخوان" لا يسعون إلى الدخول في مواجهة حدية مع الحكومة حول هذا الموضوع تحت القبة.
وفي الوقت الذي توحي تصريحات بعض قيادات "الإخوان" بأن مسألة الدخول في أزمة مع الحكومة هي مسألة وقت، يؤكد العكايلة أن كتلة "الإخوان" داخل مجلس النواب تسعى إلى علاقة تشاركية هادئة مع الحكومة. ورغم أن كتلة "الإخوان" أو "الإصلاح" لم تحسم موقفها فيما يتعلق بمنح أو حجب الثقة عن الحكومة، وهو الامر الذي تتفهمه الحكومة نفسها وتقبله، إلا أن رسائل العكايلة للحكومة تحتوي على كم كبيرة من الإيجابية فيما يتعلق بالتعامل مع الملفات تحت القبة. وحتى فيما يتعلق بملف صفقة الغاز المثيرة للجدل؛ بين مدافع عنها من قبل الحكومة ورافض لها من قبل أوساط شعبية وسياسية، فإن موقف "الإخوان" غير واضح، فمشاركتهم في الفعاليات الشعبية الرافضة للاتفاقية كانت محدودة، ولم يلقوا بثقلهم في الشارع كما فعلوا سابقا في ملفات أخرى.
ماذا يريد "الإخوان"؟ سؤال لا يمكن الإجابة عنه بسهولة. فهل ما نراه من تناقضات يأتي في سياق تكتيك سياسي متفق عليه بين قيادات الحركة، أم أنه انعكاس لخلافات حقيقية وجذرية داخل التنظيم؟ أم أننا أمام حالة شرخ بين قيادات الحركة وقواعدها؟ أم أننا أمام حالة تعدد منابر داخل الحركة؟
الحقائق التي يمكن أن نتحدث عنها حتى الآن تتمثل في أن تنظيم الإخوان المسلمين يعاني عددا من المشاكل الداخلية منذ سنوات، وهذا أمر غير قابل للنكران. كما أن الحركة فقدت جزءا لا بأس به من ثقلها في الشارع، ونتائج الانتخابات الأخيرة تؤكد ذلك؛ فحزب جبهة العمل الإسلامي الذي يعتبر الأكثر تنظيما في الأردن حصل على عشرة بالمائة من أصوات الناخبين، وهو ما يعكس أزمة حقيقية داخل التنظيم ربما تمثل التصريحات المتناقضة جزءا بسيطا منها.