عقوبة الإعدام.. مرة أخرى

بيتر سينغر*
في أيلول (سبتمبر) الماضي وقعت ثلاثة أحداث مهمة تتعلق بعقوبة الإعدام في الولايات المتحدة. وكان الحدث الذي حظي بالقدر الأعظم من الدعاية والتغطية الإعلامية هو تنفيذ عقوبة الإعدام بولاية جورجيا في توري ديفيز الذي دين بجريمة قتل مارك ماكفيل في العام 1989. والواقع أن حكم الإعدام تم تنفيذه على الرغم من الشكوك الجدية التي أثيرت حول ما إذا كان ديفيز مذنباً بهذه الجريمة. ففي وقت لاحق قال الشهود  الذين أدلوا بشهادتهم في محاكمته إن ممثلي الادعاء أرغموهم على هذه الشهادة. ولكن المحكمة رفضت  التماساته. اضافة اعلان
إن القتل القضائي المتعمد لأي إنسان قد يكون بريئاً أمر مزعج للغاية. ولكن الإعدام جاء متسقاً مع حدث وقع قبل أسبوعين فقط، في واحدة من المناظرات بين مرشحي الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية. فقد ذَكّر الحاضرون حاكم ولاية تكساس ريك بيري بأن حكم الإعدام تم تنفيذه 234 مرة أثناء فترة ولايته. ولكن الأمر الأكثر لفتاً للنظر هو أن بعض أفراد الجمهور صفقوا عندما ذُكِر عدد عمليات الإعدام المرتفع. ثُم سئِل بيري عما إذا كان شعر بأي انزعاج قط إزاء احتمال أن يكون أحد الذين نُفِّذ فيهم حكم الإعدام بريئا، فأجاب بأنه ينام ملء جفنيه، لأنه يثق تمام الثقة بالنظام القضائي في تكساس. ولكن من الصعب في ضوء سجل الأخطاء التي ارتكبت في كل الأنظمة القضائية الأخرى أن نبرر مثل هذه الثقة. فبعد أقل من شهر واحد أطلِق سراح مايكل مورتون، الذي أمضى مدة تقرب من 25 عاماً من حكم بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بقتل زوجته، من أحد سجون تكساس. وذلك بعد أن أظهرت اختبارات الحمض النووي أن رجلاً آخر كان مسؤولاً عن الجريمة.
وقرب نهاية شهر أيلول (سبتمبر)، أصدرت المحكمة العليا في أميركا حكمها في قضية مانويل فال، الذي حُكِم عليه بالإعدام قبل 33 عاما. فقد طلب فال من المحكمة وقف تنفيذ الحكم بإعدامه بدعوى أن قضاء هذه الفترة الطويلة في انتظار تنفيذ حكم الإعدام يُعَد "عقاباً قاسياً وغير عادي"، وبالتالي فهو محظور بموجب الدستور الأميركي. وقد أقر القاضي ذلك.
إن الولايات المتحدة الآن هي الدولة الغربية الصناعية الوحيدة التي تبقي على عقوبة الإعدام على جرائم القتل. ومن بين خمسين دولة أوروبية فإن روسيا البيضاء المعروفة بافتقارها إلى احترام حقوق الإنسان الأساسية هي الدولة الوحيدة التي ما تزال تنفذ عقوبة الإعدام في زمن السلم.
إن عقوبة الإعدام لا تشكل رادعاً فعّالا. فمعدلات القتل في أوروبا وغيرها من الدول الصناعية الغربية أدنى كثيراً من نظيراتها في الولايات المتحدة. وفي الولايات المتحدة ذاتها، فإن الولايات الست عشرة التي ألغت عقوبة الإعدام سجلت عموماً معدلات قتل أدنى من نظيراتها التي أبقت عليها. ورغم ذلك فإن الردع في الولايات المتحدة ليس القضية الحقيقية في هذا السياق. ففي أغلب الأحوال يُنظَر إلى الانتقام باعتباره مبرراً أكثر أهمية لعقوبة الإعدام. فمن الشائع هناك أن يحضر أفراد أسرة الضحية تنفيذ عقوبة الإعدام في الشخص المدان بقتل قريبهم، وأن يعلنوا بعد ذلك عن شعورهم بالرضا لأن العدالة أخذت مجراها.
أما في بقية بلدان العالم الغربي فإن الرغبة في مشاهدة تنفيذ الإعدام تُعَد على نطاق واسع شعوراً همجياً ويكاد يكون غير مفهوم على الإطلاق. والواقع أن فكرة عدم  اعتبار أسر ضحايا القتل قضيتهم "منتهية" قبل أن يتم تنفيذ حكم الإعدام في القاتل لا تبدو حقيقة إنسانية عالمية، بل إن هذه الفكرة نتاج ثقافة بعينها.
ومن عجيب المفارقات، في ضوء الاحتمال الوارد بأن تكون ولاية جورجيا قد أعدمت رجلاً بريئاً مؤخرا، أن يكون الناخبون في الجنوب هم أكثر المتحمسين في بذل الجهود الرامية إلى حماية الحياة البشرية البريئة، ما دامت تلك الحياة داخل الرحم، أو كانت حياة شخص يعاني من مرض عضال ويسعى إلى الحصول على المساعدة من طبيب لإنهاء حياته عندما يرغب في ذلك. وهو في واقع الأمر تناقض يكذب ما يروج له الحزب الجمهوري الذي يهيمن على المنطقة، باعتباره "ثقافة الحياة".
* أستاذ أخلاق الطب الحيوي في جامعة برينستون.
خاص بـ الغد بالتنسيق مع بروجيكت سنديكيت.