ما وراء تفجيرات موسكو: تداخل الإقليمي بالدولي

 ثلاث دلالات أساسية ترتبط بتفجيرات موسكو الاثنين الماضي، والتي أودت بحياة ما يزيد على خمسة وثلاثين شخصا، وجرح ما يزيد على الخمسين. فبعد هدوء نسبي، وأركز على نسبي، خلال السنوات الثلاث الماضية، داخل الشيشان، وعلى حين لم تنفذ عملية، داخل الأراضي الروسية، تسببت بعدد كبير من الضحايا كما حدث في تفجيرات الاثنين منذ عام 2004. وقد كان هناك تفجير لقطار متجه من موسكو إلى سان بترسبورغ منذ أشهر تبنت "إمارة القوقاز الإسلامية" مسؤوليته.

اضافة اعلان

الدلالات الثلاث ترتبط بتحولات تمر بها منطقة شمال القوقاز، والمرتبطة بعلاقة روسيا بها، ويبدو أنها ستشكل المشهد للعلاقة بين الطرفين خلال الفترة المقبلة، على عكس التوقعات والمزاعم بأن الأمور في شمال القوقاز، وفي الشيشان، قد استقرت نهائياً.

الدلالة الأولى ترتبط بالتكتيك المستخدم باستهداف محطة القطارات في موسكو، والتي تعد من أكثر خطوط "المترو" زحمة في العالم. ففي أيام الأسبوع العادية فإن متوسط مستخدمي "المترو" في موسكو يقدرون بسبعة ملايين. وبالتالي فإن استهداف خط المواصلات في ساعة الذروة في أول أيام الأسبوع يستهدف أكبر تغطية إعلامية ممكنة. وهو ما يرتبط بالدلالة الثانية باستخدام النساء الانتحاريات.

بالإضافة إلى التغطية الإعلامية الكبيرة التي يمكن أن تحققها العمليات التي تنفذ من قبل نساء، فإن النساء أكثر قدرة من الرجال على تجاوز الإجراءات الأمنية، ويكن أقل عرضة للاشتباه، ومن خلال نحو أربع عشرة عملية كبيرة نفذت في موسكو منذ عام 1996، نحو نصفها نفذت من قبل نساء. الإشكالية تكمن في أن معظم الدراسات التي درست ظاهرة النساء الانتحاريات القادمات من شمال القوقاز، والشيشان، تحديداً خلصت إلى ارتباط الظاهرة بظروف أولئك النسوة بعد فقدانهن الأب أو الابن أو القريب...الخ بفعل الحربين الروسيتين عامي 1994 و1999.

أما الدلالة الثالثة فترتبط بتحولات الجماعات المسلحة في شمال القوقاز، فمنذ الإعلان عن تأسيس "إمارة القوقاز الإسلامية"، من فصائل مختلفة من جمهوريات شمال القوقاز، كالشيشان، وداغستان، وأنغوشيتيا، قبردين-بلقار، قراتشاي-تشركيسك، وأديغيه، فقد جاءت بعد الإعلان عن تراجع العنف في الشيشان، حيث شهدت المنطقة تصاعداً في الجماعات المسلحة وحوادث العنف، على النقيض من الجمهوريات المجاورة للشيشان، وباتت إيديولوجية توحيد شمال القوقاز تحت راية إسلامية تلقى قبولاً كبيراً بين أوساط الشبان في المنطقة. ومنذ ذلك الحين شهدت الجماعات المسلحة في تلك المنطقة نوعاً من التحول بحيث باتت معظم الحركات ذات الطابع الإسلامي، تعمل في إطار "دولة القوقاز الإسلامية"، وباتت تتبنى أجندة أكثر إقليمية.

وموخراً، باتت تظهر علامات جديدة على أن اللاعبين، لم يعودوا إقليميين فقط، فالتيار السلفي-الجهادي، وإتساقاً مع استراتيجيته الجديدة، في البحث عن ملاذات آمنة، المترافقة مع ظاهرة تبني الجماعات المحلية للإيديولوجية السلفية-الجهادية في مناطق مختلفة في العالم، يلاحظ أن هذا التيار لم يفقد اهتمامه بالمنطقة، وبات مؤخراً يسعى لاستقطاب الجماعات المسلحة فيها، على الرغم من أن المظالم المحلية ما تزال في شمال القوقاز العامل الأساسي في نشاط تلك المجموعات.

وقد لوحظ في هذا السياق أن العديد من المنتديات الجهادية، باتت تفرد مساحات أوسع لأخبار شمال القوقاز وقيادات المجموعات المسلحة، حتى أن مواقع جهادية شهيرة أفردت صفحات لترجمة المقالات والأدبيات للغة الروسية، بشكل يؤشر على الاهتمام المتزايد للسلفيين-الجهاديين بالمنطقة، وهو، وإن تجدد الآن، اهتمام يعود إلى منتصف التسعينيات، وكان العامل الأساسي في تشكيل ظاهرة المقاتلين العرب في الشيشان.

دلالات وتطورات، سواء على مستواها المحلي أم الإقليمي أم الدولي تشي بأن التحولات في شمال القوقاز، منذ تفجيرات الاثنين الماضي، في طريقها إلى مزيد من التصعيد، والتعقيد في آن معاً.

[email protected]