ودائع البنوك مرتفعة: هل نفرح؟

حجم الودائع لدى البنوك العاملة في الأردن وصل قرابة 25 بليون دينار، وهو رقم لم تصله من قبل.
ولدى الاقتصاديين والمصرفيين أسباب متعددة لتفسير ذلك ودلالاته، أولها أن هذا دليل ثقة بالنظام المصرفي الأردني، وثانيها أنه يدلّ على قدرة البنوك الأردنية على حشد المدخرات تمهيدا لتوظيفها لخدمة الاقتصاد الأردني.اضافة اعلان
وثالثها أن الدينار القوي والمستقر جعل أصحاب الأموال يحتفظون بها بالدينار من دون غيره من العملات الأخرى، علما بأن الفرصة لذلك متاحة تماما، ورابعها أن تثبيت البنك المركزي لسعر صرف الدينار مقابل الدولار منذ أكثر من خمسة عشر عاما قد منح الأمان والاستقرار للمودع بالدينار، الذي يستطيع أن يحوّل وديعته بين الدولار والدينار وقتما يشاء بسعر صرف ثابت.
وخامسها، أن هذا دليل خوف اصحاب الأموال وترددهم في استثمارها، ما جعلهم يحتفظون بها على شكل ودائع نقدية لدى البنوك، ما يسهم في إبطاء النمو الاقتصادي وفرص خلق الوظائف.
وسادسها، أن ارتفاع الرقم يعقّد الوضع الاقتصادي، حيث إن الأغنياء هم أصحاب هذه الودائع الذين اختاروا عدم توظيفها بمشاريع استثمارية، لشعورهم بأن هذا يحقق لهم حدا أعلى من الأمان في الوقت الراهن، ولماّ كانت قدرة الآخرين في الحصول على قروض من البنوك تواجه كثيرا من العقبات، فإن الوضع ينتهي بأن الغني صاحب المال لا يوظفه بمشروع يحرّك الاقتصاد ولا المقترض العادي قادر على الحصول على قرض من البنوك ليوظفه، والنتيجة بطء دوران العجلة الاقتصادية.
وسابعها، ولمّا كان معدّل التضخم مرشحا للارتفاع، وسعر الفائدة على الدينار يتراوح بين 3-5 % فإن العائد الحقيقي لصاحب الوديعة في البنك منخفض جدا، إن لم يكن سلبيا ما يمكن ربطه بالبند خامسا ليرجّحه.
وثامنها أن الرقم يشير إلى الأثر السلبي للسياسة النقدية التي سار عليها البنك المركزي خلال الفترة الماضية، عندما كان معدل التضخم سالبا والفائدة على الدولار قرابة الصفر، وكان من الممكن حينها خفض سعر الفائدة على الدينار لتشجيع المودعين وأصحاب رؤوس الأموال على استثمار أموالهم ما كان سيحفّز الاقتصاد، لكن البنك المركزي تأخر ولم يفعل ذلك.
وتاسعها أن حجم الودائع سيجبر البنوك على تخفيف قيودها على منح القروض لتتمكن من المواءمة بين الفوائد التي تدفعها للمودعين والفوائد التي تقبضها من المقترضين، ما يساعد أيضا في حفز الاقتصاد.
وعاشرها، أن ارتفاعها يعود لتدفق أموال إقليمية إلى الأردن لتحقق أمانا أكثر أو عائدا أعلى أو كليهما، ما يمكن أن يطلق البعض عليها "أموالا ساخنة Hot Money" بآثارها السلبية.
وقد نجد من يقول إن هذه التفسيرات كلها لا تصمد أمام تياسير الله ورعايته للأردن، أرض الحشد والرباط، فلنتوكل عليه جلّ وعلا ونترك باب الاجتهاد والتفسير.

[email protected]