الملك يؤكد التزامه بالدفاع عن الحقوق والتراث الأصيل للمسيحيين بالمنطقة

زايد الدخيل

كانت لحظة مخاطبة جلالة الملك عبدالله الثاني لزعماء وقادة العالم في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ77 حول وضع القدس، إيذانا بدق ناقوس الخطر المحدق بهذه المدينة التي قال جلالته في خطابه بشأنها "يشكل مستقبل مدينة القدس مصدر قلق ملح، فهي مدينة مقدسة للمليارات حول العالم، وإن تقويض الوضع القانوني والتاريخي القائم فيها، يسبب توترات على المستوى الدولي ويعمق الانقسامات الدينية. لا مكان للكراهية والانقسام في المدينة المقدسة".

اضافة اعلان


لقد انطلق جلالته من أن مكانة القدس ليس مقصورة على المسلمين، بل وعلى المليارات من أتباع الديانات في العالم، في إلماحة واضحة وذكية إلى الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، بخاصة عندما شدد على الالتزام "بالحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي القائم فيها، وحماية أمن ومستقبل هذه الأماكن المقدسة"".


وفي هذا السياق، فإنه حذر من الخطر الذي تتعرض له المدينة المقدسة حين خاطب قادة العالم بقوله "وكقائد مسلم، دعوني أؤكد لكم بوضوح أننا ملتزمون بالدفاع عن الحقوق والتراث الأصيل والهوية التاريخية للمسيحيين في منطقتنا، وخاصة في القدس. اليوم، المسيحية في المدينة المقدسة معرضة للخطر، وحقوق الكنائس في القدس مهددة، وهذا لا يمكن أن يستمر، فالمسيحية جزء لا يتجزأ من ماضي منطقتنا والأراضي المقدسة وحاضرها، ويجب أن تبقى جزءا أساسيا من مستقبلنا".


لقد وضع جلالته العالم كله أمام مسؤولياته، مشددا على أن الدور الذي يضطلع به في هذه المهمة، هو الحفاظ على مدينة الأديان السماوية، ومشددا في الآن ذاته، على المقدسات المسيحية التي تتعرض للخطر.


وهو ما ترتكز عليه السياسة الأردنية التي صاغها جلالة الملك، ويتطرق اليها في كل مناسبة، مؤكدا على الرابطة القوية دينياً وقومياً وتاريخياً للهاشميين والعرب والمسلمين عموماً والمسيحيين خصوصا بالقدس، وعلى مكانتها لديهم، وارتباطهم الوثيق المتوارث كابراً عن كابر، كما توارثته الأجيال العربية المسلمة والمسيحية منذ آلاف السنين.


وفي هذا السياق، فقد جاءت الاتفاقية التاريخية التي وقعها جلالة الملك والرئيس الفلسطيني محمود عباس في 31 اذار (مارس) 2013، لحماية المسجد الأقصى المبارك، لتؤكد على تلك العناية والرعاية الهاشمية المتواصلة، وتجسيدا للعهدة العمرية التي حملها الهاشميون عبر التاريخ، وكامتداد للبيعة التي انعقدت للشريف الحسين بن علي عام 1924، لحماية المقدسات في القدس ورعايتها والدفاع عنها، في وجه المخططات الإسرائيلية لتهويد القدس ومقدساتها، وطمس معالمها الحضارية والدينية العربية الإسلامية والمسيحية.


ويرى مراقبون، أن الموقف الأردني الثابت، ينطلق من أن القدس الشرقية أرض محتلة، السيادةُ فيها للفلسطينيين، والوصايةُ على مقدساتها الإسلامية والمسيحية هاشمية، يتولّاها ملك المملكة الأردنية الهاشمية جلالة الملك عبدالله الثاني، ومسؤوليةُ حماية المدينة مسؤوليةٌ دولية وفقاً لالتزامات الدول بحسب القانون الدولي والقرارات الدولية.


الوزير الأسبق مجحم الخريشا، يقول "إن المسيحيين في القدس والمسلمين ايضا، يعانون الكثير من التحديات التي تهدد وجودهم وتهدد الوضع التاريخ القائم، بخاصة أن مضايقات المسيحيين والتشديد عليهم وعمليات التهويد المستمرة لطمس هوية القدس العربية، ومحاولة السيطرة بكل الطرق على المقدسات والأملاك الكنسية بخاصة في باب الخليل، يهدد استمرارية الوجود المسيحي في القدس".


ودعا الخريشا العالم كله للتحرك لأجل أن يبقى الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، هو الصوت الوحيد الذي يدافع عن القضية الفلسطينية في كل محافل الدنيا، والملتزم بكل المواثيق والتعهدات التي أبرمها، بخاصة الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، وأهميتها في الحفاظ على المقدسات المسيحية في القدس، في ظل الاحتلال وممارساته اليومية والتضييق المستمر، والتعديات المتواصلة بشكل أو بآخر.


ويتابع الخريشا، كما هو معروف، فإن الكنائس في القدس، تبذل جهودا ملموسة لمساعدة المسيحيين، وتثبيت وجودهم عن طريق المدارس والإسكانات والمؤسسات الكنسية والاجتماعية والجمعيات الخيرية والصحية، والتبرعات النقدية والمساعدات العينية، وتوفير فرص للعمل ودعم بعض المشاريع الصغيرة.


ويستدرك بالقول إن هذا وحده لا يكفي، فالمطلوب هو دعم دولي للمسيحيين، لتثبيت الوجود المسيحي في القدس الذي هو جزء اصيل منها، ووقف التجاوزات وقرارات المحاكم، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بحق الفلسطينيين، والعمل على حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، والمحافظة على الوضع القائم والتاريخي للقدس ومقدساتها.
وطالب الخريشا، بدعم جهود الملك عبدالله الثاني ومؤازرته، فهو الضمانة للاستمرارية والحفاظ على المقدسات المسيحية والوجود المسيحي في القدس.


أمس، وخلال خطابه في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ77، أكدّ جلالة المملك عبدالله الثاني بأنّ مستقبل مدينة القدس، يشكّل مصدر قلق مُلح، وإنّ تقويض الوضع القانوني والتاريخي القائم فيها، يسبب توترات على المستوى الدولي، ويعمق الانقسامات الدينيّة؛ لا مكان للكراهية والانقسام في المدينة المقدسة.


كما أكد جلالته، التزامه بالدفاع عن الحقوق والتراث الأصيل والهوية التاريخيّة للمسيحيين في منطقتنا، بخاصة في القدس، مشيرا إلى أنّ المسيحيّة في المدينة المقدسة معرضة للخطر، وحقوق الكنائس في القدس مهددة، وهذا لا يمكن أن يستمر، فالمسيحيّة جزء لا يتجزأ من ماضي منطقتنا والأراضي المقدسة وحاضرها، ويجب أن تبقى جزءًا أساسيًّا من مستقبلنا.


من جانبه، قال مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام الأب الدكتور رفعـت بدر، انه قبل عشرة أعوام عقد في الأردن مؤتمر مهم بعنوان الحفاظ على الهوية العربية المسيحية، تحت رعاية جلالة الملك، وفيه أكد أن الحفاظ على الهوية المسيحية ليس ترفا بل واجب، وبعد عشرة أعوام نستمع بكل فخر واعتزاز لكلمة جلالة الملك من على منبر الأمم المتحدة، ليقول جلالته إن علينا الحفاظ على الهوية العربية المسيحية في المنطقة ككل، وفي منطقة الشرق الأوسط، التي تعرضت عبر السنوات العشر الماضية لأعمال قصرية، بخاصة في العراق وسورية وأحيانا في مصر التي تعرضت كنائسها للمضايقات.


وأضاف بدر، نحن اليوم نتكلم أيضا عن المسيحية المعرضة للخطر في القدس، وأن حديث جلالة الملك عن هذا الجانب، يعد سندا لهم وسندا للمسيحية المشرقية ككل، فجلالته الضمير والموقظ للضمائر البشرية في العالم، وهو الذي يقرع جرس الخطر بأن هناك خطرا محدقا في التركيبة الدينية الأصيلة في الشرق الأوسط والقدس الشريف، لذلك يتبوأ جلالة الملك الموقع الأبرز المساند للمسيحيين في المشرق والقدس الشريف بشكل خاص.


وقال لقد شاهدنا في كلمة جلالته تأكيده على تعزيز وتقوية ورفع المعنويات لأهالي القدس والمنطقة، وتشديده على أن التعددية قائمة هناك، فأن يكون هناك تعددية دينية ويدافع الأخ عن أخيه، يديم الصورة المشرقة القائمة على التعددية الراقية والحوار الديني المزدهر في الأردن، وكثير من البلدان التي علينا تعزيز دورها في هذه المنطقة العزيزة.


من جهته، تطرّق السفير السابق سمير مصاروة إلى التحديات التي يواجهها المقدسيون، سيما من الجماعات الصهيونيّة المتطرّفة التي تسعى جاهدة لتغيير هويّة القدس وإفراغها من أهلها العرب، سواء مسلمون أم مسيحيون.


وأكد مصاروة أن خطاب جلالة الملك، هو رسالة للغرب ولمسيحيي أميركا تحديدا بضرورة حماية الوجود المسيحي في الشرق الأوسط والدفاع عن حقوق المسيحيين في الأراضي المقدسة، وأهمية استعدادهم لتقديم الدعم لتعزيز جهود جلالته، ومساعي الأردن المستمرة للدفع باتجاه تحقيق السلام في المنطقة.


وأشار إلى أن مجلس البطاركة ورؤساء الكنائس في القدس، يعمل منذ سنوات على رفع الوعي الدولي تجاه المخاطر المحدقة بالوجود المسيحي في الأراضي المقدسة بخاصة في القدس، مضيفاً أن أعضاء المجلس عملوا جهدهم في هذا الأمر، ليرى العالم الاضطهاد الذي يعانيه أهل القدس، ومدى الانتهاكات لأبسط الحقوق، كحرية العبادة والوصول للأماكن المقدسة بحرية.

اقرأ المزيد :