بدران: قانون الصوت الواحد هو نصيحة أميركية بامتياز

رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ"الغد" ضمن سلسلة "سياسي يتذكر"- (تصوير: محمد ابو غوش)
رئيس الوزراء الاسبق مضر بدران يتحدث لـ"الغد" ضمن سلسلة "سياسي يتذكر"- (تصوير: محمد ابو غوش)

- بوش الأب شكاني للحسين بعد تصريحات صحفية لي حول رغبة أميركا بالاستحواذ على 20 % من نفط العالم 

- عشية مدريد طلبت استقالة حكومتي وقلت للحسين إن المخططات الأميركية والإسرائيلية تريد إنتاج اتفاق استسلام

اضافة اعلان

- أبلغت عبد الحليم خدام بأن السوريين فاجؤوني بذهابهم إلى مدريد فقد كنت أعول على رفضهم 

-  مجلس النواب القوي حماية للبلد ومصالحه ويجب الحفاظ عليه والتمسك بوجوده

- حكومتي الأولى هي من منع تقديم الكحول بالمناسبات الرسمية وليس إسلاميو حكومتي الأخيرة

محمد خير الرواشدة

عمان- يقترب رئيس الوزراء الأسبق، ومدير المخابرات الأسبق مضر بدران، من نهاية سرد بعض تفاصيل ذكرياته، عن محطات من عمله السياسي، حيث ستتوقف "الغد"، عند نشر الحلقة الثامنة والثلاثين، الأخيرة، يوم الثلاثاء المقبل.
ويكشف بدران اليوم، ومن خلال زاوية "سياسي يتذكر" مع "الغد"، التفاصيل الأولى للقرار الرسمي في تبني قانون الانتخاب، صاحب ماركة "الصوت الواحد"، في انتخابات العام 1993، "الذي قسم الناس"، بحسب بدران.
كما يتحدث عن حوار دار بينه وبين الراحل الحسين، والمخاوف من عودة نواب الإخوان المسلمين لمجلس النواب الثاني عشر (1993)، وامكانية تعطيلهم لمفاوضات السلام، أو إبرام اتفاق سلام بين الأردن وإسرائيل.
وعن حكمه على مجلس النواب الحادي عشر، والمعارضة النيابية فيه؛ أكد بدران: "مجلس النواب القوي حماية للبلد، والمجلس الحقيقي يستطيع تعديل أي حال لا يسر من أحوال الوطن".
واليوم، يؤكد بدران، أسباب استقالته من الحكومة، التي أرادها في أعقاب انتهاء الحرب على العراق، واقتراب استحقاق مفاوضات السلام العربية مع إسرائيل، في ظل حالة ضعف عربي "ستفرز اتفاق استسلام وليس سلاما".
لكن بدران، يؤكد في ذات الحلقة، أسباب إرجاء تقديم استقالته من الحكومة، من شهر كانون الثاني (يناير) من العام 1991 إلى حزيران (يونيو) من ذات العام، بعد أن علم بأن البيت الأبيض، طالب الراحل الحسين بمعاقبة رئيس وزرائه على تصريحات سياسية أدلى بها لصحيفة الرأي.
وأمام رفض الحسين للأمر، أرجأ بدران استقالته لمرحلة متقدمة، مخلفا كرسي رئاسة الحكومة، لرئيس جديد ومرحلة جديدة.

وفيما يلي نص الحلقة الخامسة والثلاثين:

• لماذا استقلت من الحكومة العام 1991، على الرغم من قدرتك على مواجهة مجلس النواب الحادي عشر، وقدرتك على تطويع المعارضة الإسلامية، وإشراكها في حكومتك بآخر تعديل وزاري؟
-خلال كانون الأول "يناير" 1991 أبلغت الراحل الحسين رغبتي في استقالة حكومتي، فقد انجزت المهمات المطلوبة مني، وخدمت المرحلة وفق الرؤية التي أمر بها الحسين، ووضعنا الإجراءات على سكة ثابتة، وبما يسهل على أي رئيس حكومة بعدي، أن يكمل المهمة بكل أريحية.
ثم بدا واضحا لي، وبعد تداعيات الحرب على العراق، بأن حركة الولايات المتحدة سياسيا ستذهب باتجاه انتهاز فرصة دخول صدام حسين للكويت، وإعلان الحرب عليه، وإنهاء قوته العسكرية، للسعي لإبرام اتفاق سلام عربي مع اسرائيل، خصوصا بعد إضعاف العراق وانهاكه.
كنت واضحا مع الحسين، وقلت له بأني كرئيس حكومة، لن أشارك بأي لقاء مع الإسرائيليين، لأنه لن ينتج عن أي مفاوضات مباشرة، ونحن بحالة ضعف عربي، أي اتفاق سلام، بل سيكون اتفاق استسلام.
عندها، وأمام إصراري على الاستقالة، وكنت مع الحسين في قصر الندوة، وأبلغته بأني جاهز تماما للرحيل، قال بأنه ليس جاهزا لتكليف رئيس وزراء بعدي. لم اقتنع بكلامه، وجادلته بالأمر، وإذ به يخرج ورقة من جيبه، مكتوب عليها بخط صغير للغاية باللغة الانجليزية، ولم استطع قراءتها، فقرأ لي من بداية الرسالة، امتعاضا أميركيا من تصريحات صحفية لي نشرت في صحيفة الرأي، خلال الحرب على العراق، وكانت الرسالة موجهة للحسين من الرئيس الأميركي جورج بوش الأب.
وكان الامتعاض الأميركي متبوعا، بأنه لو صرح أحد مسؤولي البيت الأبيض بحق الأردن، مثل هذه التصريحات، لغادر موقعه خلال 24 ساعة. وكنت قبلها قد صرحت للصحفية رباب منكو من صحيفة الرأي، بأن أحد أسباب ضرب أميركا للعراق هو عدم السماح للأخير بالاستحواذ أو امتلاك ما مجموعه 20 % من النفط في العالم، فقد كان العراق ينتج ما نسبته 11 % من استخدام العالم للنفط، فيما الكويت تنتج 9 %، وهو ما يعني امتلاك العراق لهذه القوة الاقتصادية والسياسية بـ20 % من استخدام العالم للنفط.
وقلت بأن أميركا تريد النفط، سلاحا لها، يجعلها دولة عظمى، وتتحكم من خلال القرار الاقتصادي بالاتجاهات السياسية بالمنطقة والعالم.
فقال الملك الحسين وهل تريد مني أن أذعن لرغبة بوش، ويبدو قرار استقالتك كتنفيذ مني لتوجيهات إدارته.
فقلت للراحل الحسين: أنا أسحب طلب استقالتي، وأرجئه حتى شهر حزيران (يونيو) من نفس العام، وقبل بدء التحضيرات لمؤتمر السلام الدولي الذي دعا إليه بوش في واحد من خطاباته.
فعلا، وبعد تلك الحادثة بيني وبين الحسين، قال لي الأمير الحسن، وبعد نحو عام، بأنه دافع عني، وعن تصريحاتي في أحد لقاءاته مع جيمس بيكر في عمان، بعد أن جاء بيكر حاملا، نسخة من صحيفة الرأي، ليشكو تصريحاتي للقصر.
وقال الحسن: بأنه أبلغ مروان القاسم بالأمر، وأبلغته بأن لا علم لدي، في كل هذا الموضوع، إلا من الراحل الحسين.
طبعا كنت خارج المسؤولية، وكان كل شيء انتهى.
بعدها، عرض الحسين عليّ الانتقال لرئاسة الديوان الملكي، ورفضت، وقلت له من الخطأ أن يذهب رئيس الحكومة إلى رئاسة الديوان مباشرة، ففي الأمر تعطيل لمشاريع رئيس الحكومة الجديد، وقلت له "علينا أن ننهي العمل بهذه الثنائية المعيقة للعمل العام".
وبعد استقالتي من الحكومة، سافرت للولايات المتحدة للسياحة، وزارني الأمير زيد بن شاكر، ليبلغني بضرورة العودة لعمان، لأن الإسلاميين لن يمنحوا الثقة للمصري، فاستغربت، وقلت: هل لا تنجح الحكومات في الأردن إلا بثقة الإسلاميين؟! وقلت له بأن المصري سيعبر من امتحان الثقة، لكن مهمته ستظل معقدة، وهو ما قلته للحسين، ونصحته بدعم المصري في مهمته الجديدة.

• ولماذا هذا الموقف المتشدد من مؤتمر مدريد، ألم تكن على استعداد لتنفيذ توجيهات الحسين بهذه المهمة أيضا؟
-هنا الأمر مختلف؛ أنا ألتزم بالمهام التي توكل إلي، واستطيع فعلا تنفيذها، ولو طلب الحسين مني ما طلب فأنا بأمره، لكن أنا لست ساحر مصباح علاء الدين، وأستطيع عمل كل شيء باتقان وإنجاز، كما أن عندي قناعاتي الذاتية، التي لا أتجاوزها، فقد وصلت إليها بعد تحليل دقيق وتمحيص جيد في الانطباعات والمعلومات، ثم لا يجوز في هذا المقام أن أنتقل من مرحلة لمرحلة بهذه الطريقة. الحسين تفهّم الأمر تماما، وأراد أن يأتي بشخص بعدي، فأمام الشارع، لكل رئيس وزراء مهمته.
مؤتمر مدريد للسلام جاء في أعقاب إضعاف قوة العراق، وهي القوة التي تجادلت فيها مع الراحل صدام حسين، وأبلغته بأنها قوة للشعب العربي، وليس العراقي وحسب.
وناشدته كثيرا أن يحافظ عليها، فهي الكفة الراجحة في ميزان الصراع العربي الإسرائيلي، وإذا فقدناها فسنهلك جميعا، ويضيع الحق الفلسطيني إلى غير رجعة.
وحتى بعد دخوله الكويت، تنبأت بأن الولايات المتحدة ستستخدم الأمر ذريعة لتدمير قوة العراق، بعد أن تزعم بأنها تريد جوارا آمنا لدول ما حول الكويت.
لقد جادلت صدام بهذه الحقيقة، وطلبت منه أن يعالج الأمور، من دون أن يجرنا لحرب جديدة، عنوانها إضعاف العراق، وإبطال مفعول قوته.
بعد الحرب وتداعياتها، أدركت بأننا مقبلون على شكل جديد في العمل السياسي، وأننا سنواجه كل هذه المخططات بظهر عربي مكشوف، العراق ضعيف، ومصر وسورية والخليج العربي لا يساندوننا.
وقلت للحسين، بأني سأغادر الحكومة لقناعتي بأن المخططات الأميركية والإسرائيلية اليوم، تريد أن تستغل كل المتناقضات على الساحة العربية، من أجل إنتاج اتفاق استسلام، يضيّع الحقوق العربية، ويترك إسرائيل تنعم بالراحة، من دون حرب أو خوف من أي طرف عربي.
وظل الحسين يردد بأن سلاحه هو الحق، الذي يملكه، بمطالباته بحقوق الفلسطينيين وعودة السيادة العربية للقدس، والفلسطينية للضفة الغربية.
بالنسبة لي كنت مقتنعا بجدية الحسين، ونواياه الهاشمية العروبية الأصيلة، لكن أميركا وحلفاءها، لا يريدون إلا تضييع المزيد من الحقوق، وإعطاء الشرعية لإسرائيل، من دون أن تقدم الأخيرة أي تنازل، وهذا رأيي بالإسرائيليين، منذ كنت أعمل في دائرة المخابرات.
آخر مهماتي في حكومتي الأخيرة، كانت أن أنتظر إعلان الميثاق الوطني، وتوصيات لجنته برئاسة أحمد عبيدات، وأقدر صعوبة المهمة التي تطلبت حوارات شاقة، مع القوى الحزبية والسياسية، الممثلة في اللجنة.
أذكر بأننا ذهبنا في احدى المرات في زيارة لدمشق، ونزلنا في مطار المزة، وكان الحسين لا يحب أن يهبط في مطار دمشق الدولي، نظرا لبعده عن مكان اللقاء بالرئيس الأسد.
كنت أسير، أنا، مع نائب الرئيس السوري
عبد الحليم خدام، وكان معي وزير الخارجية طاهر المصري.
فسألني خدام لماذا لا آتي لأزور دمشق مع زوجتي، وقال أنه سيستضيفني مدة أسبوع كامل، فقلت إن صبرت عليّ حتى الـ21 من حزيران "يونيو" من العام نفسه، فسألبي دعوتك، لكن ليس أسبوعا واحدا، بل 21 يوما.
مباشرة قال المصري بأن هذه الجملة "ملغومة"، فأجبته أنها كذلك.
بعدها التقيت بخدام في احدى المناسبات، وابلغني معرفته باستقالتي منذ ذلك اللقاء، وقلت له بأن السوريين فاجؤوني بذهابهم إلى مدريد، وبأني كنت أعول على موقفهم الرافض، فقد تعاملوا مع الأمر بسرية ومكتومية عالية، قبل أن يعلنوا موقفهم من المشاركة بالمؤتمر.

• وماذا تقول في مجالس النواب القوية، خصوصا وأنك تعاملت مع أقوى مجلس نواب، يتحدث الناس عنه ويتذكرونه، وهو مجلس النواب الحادي عشر؟
-مجلس النواب القوي حماية للبلد، والمجلس الحقيقي، يستطيع تعديل أي حال لا يسر من أحوال الوطن.
وباختصار، سأحدثك بقصة ليس لها أي تداعيات، وهي حوار قصير كان مع الراحل الحسين، لكن هي مربط الفرس، في رأيي بمجلس النواب القوي والمستقل.
فقد قال لي الحسين بأن أميركا تضغط عليه، من أجل تخزين أسلحة أميركية في مستودعات أردنية، فقلت له الأمر هين، غدا نعرضها على مجلس النواب لأخذ القرار، فقال: "لا داعي للأمر". وانتهى الضغط الاميركي هنا، وهنا تكمن أهمية المجالس القوية، التي تغطيك وتحميك، من أي ضغوط دولية، بذريعة الرفض الشعبي.

•  لكن عاد قانون الصوت الواحد في انتخابات مجلس النواب الثاني عشر، مخلفا وراءه حسرة التحول الديمقراطي، هل كنت على علم بالأمر، قبيل انسحابك من الحياة السياسية كصاحب قرار؟
-قانون الصوت الواحد، هو نصيحة أميركية بامتياز. لما لمع نجم فكرة قانون الصوت الواحد، كنت قد استقلت من الحكومة، في حزيران "يونيو" 1991، وقلت لكم سابقا أسباب تأخري في الاستقالة، التي كانت مقررة في كانون الأول "يناير" 1991.
لقد سمعت عن الأمر، وأنا خارج الحكومة، بالصدفة أو بالتدبير لا أعلم؛ جاءني السفير الأميركي في عمان روجر هاريسون، وطلب مقابلتي، لم استغرب الأمر، فعادتهم دائما، الاتصال برجالات الحكم، ليستقصوا عن معلومات أو تحليلات، وذلك بقصد، اعرفه جيدا، وهو كتابة تقاريرهم عن البلد.
جاءني هاريسون، وتكلمنا طويلا، وكعادتي لا أحبهم ولا يحبونني. كان كلاما عاديا وعاما، من دون الدخول في تفاصيل عميقة.
بدأ الحديث عن قانون الانتخاب، الملائم للحالة الأردنية، وبدأ يتحدث عن قانون الصوت الواحد، الذي سألته عن معناه، وأجابني بإسهاب. وسألته حول كيفية أن ينتخب أبناء دائرة لها 9 مقاعد مثلا، مقعدا واحدا!، مباشرة فهمت المعادلة، وقلت له: لكن ما رح تمشي الفكرة، فقال: إنها ستمر بالضرورة.
ولدى شعوري بثقة السفير الأميركي بكلامه، ومباشرة، في صباح اليوم التالي، طلبت مقابلة الحسين للضرورة.
وكان رحمه الله ألمعيا للدرجة التي يعرف بها أسباب طلب لقاء أي شخص، قبل أن يستقبله، ومباشرة قبل أن أبدأ بالكلام، سألني، سؤالا مباشرا، وقال: "معقول يا ابو عماد.. واحد ينتخب 9 في دائرة انتخابية، وواحد ينتخب واحدا في دائرة انتخابية أخرى، أليس الكل متساويا أمام الدستور؟!".
نظرت إليه، رحمه الله، وقلت: أنا الداعي مضر بدران، يا سيدي هل تتذكره؟ اليوم ستحدثني عن الدستور؟ وهل توفيق ابو الهدى وابراهيم هاشم، رحمهما الله، وهما من كتبا الدستور وطبقاه طوال خدمتهما في العمل العام، كانا على خطأ في الفهم الدستوري لقانون الانتخاب، طيلة هذه الفترة من تاريخ الدولة الأردنية؟!
هل هم مخالفون للدستور؟ والآن بدنا نصلح أخطاءهم؟ وإن كان لديك أي ملاحظة دستورية على قانون الانتخاب، كل ما عليك فعله، هو أن ترسل سؤالك للمجلس العالي لتفسير الدستور في مجلس الأعيان، ونحن من نجيبك على الأمر، إن كان مخالفا أو موافقا للدستور، وأسباب ذلك ومبرراته، أما أن تفسر الدستور على هواك ومزاجك، فليس هذا ما تعودنا عليه يا سيدي.
وقلت له بأن السفير الأميركي جاءني، وتحدث لي عن الأمر، وتحداني بأن القانون سيمشي، فهل نحن اليوم، تحت رحمة أوامر الأميركيين؟!
وتابعت من دون توقف، "أنت تشتكي من الإسلاميين، وتخشى معارضتهم لأي مشروع اتفاق سلام، وهذا حقك، وتخشى أن يزيد عددهم في البرلمان، وأيضا هذا حقك، لكن لكل مشكلة حل".
قال الحسين: وما الحل؟
قلت: كم تريد عددهم في البرلمان، 20 نائبا، 18 نائبا، 16 او 14، وبقي صامتا، حتى وصلت لرقم 12 نائبا.
قال الحسين: نعم هذا الرقم مناسب.
قلت: الأمر عندي، وأنا سآتي لك بموافقتهم على ترشيح 12 نائبا للبرلمان، وسيكون هذا عن طريق التفاهم والتوافق، وليس عن طريق قانون، يضر بنا وبحياتنا السياسية، وبنهج التحول الديمقراطي.
قال: إذا، على بركة الله، أنا سأسافر إلى لندن لمدة اسبوعين، وبعد العودة سنشكل لجنة سياسية، على غرار لجنة الميثاق الوطني، من أجل صياغة قانون انتخاب، وما سيخرج من اللجنة سأوافق عليه.
غادرت مكتب الحسين، وركبت سيارتي، وبدأت رحلة من التفكير، كيف أتعهد للحسين بشيء، وأنا لست ضامنا لموافقة الإخوان المسلمين عليه.
وأنا بالسيارة، اتصلت بالقيادي اسحق فرحان، وطلبت منه أن نلتقي في بيتي، ومباشرة قلت له، بأننا على طريق محادثات السلام، وأن أي مجلس نيابي قادم، سيكون في مواجهة مثل هذا الاستحقاق، وسيمر السلام "غصب عن المجلس وعنكم إن كنتم أعضاء فيه"، ومن أجل ذلك عليكم، أن لا تعطلوا القرار، بوجودكم اللافت عددا ونوعا في مجلس النواب، وعليكم أمام ذلك أن ترشحوا 12 نائبا، وعليكم أن تعلموا بأن تلك حصتكم في مجلس النواب القادم، وهذا من مصلحتكم، تعارضون القرار لكن لا تعطلوه.
قال الفرحان: سيكون ذلك.
قلت: أريد قرارا من مجلس شورى الإخوان، وليس قرارا فرديا منك، وأنا أنتظر أن ترد عليّ بالسرعة المطلوبة.
بعدها، بنحو 3 أيام، اتصل معي اسحق فرحان، وقال: اُتخذ القرار من شورى الجماعة بالإجماع، أو لا أذكر تماما، لكن نجح القرار بالموافقة، وهذا المهم بالنسبة لي.
بعدها، جلست أنتظر عودة الحسين من السفر، وفي اليوم المعلن لعودته، جلست على التلفزيون الساعة الثامنة، ولدى رؤيتي لميكروفون التلفزيون الأردني، شعرت بأن هناك أمرا سيعلنه الحسين، خصوصا وأنه لم تجر العادة أن تكون هناك تصريحات رسمية، فور عودة الملك من رحلة خاصة، وذهب تفكيري إلى إعلانه عن لجنة سياسية، ستشرف على الحوار حول قانون الانتخاب، وأهمية انتاجه عن طريق التوافق.
وإذ بالملك الحسين، رحمه الله، يقول عبر شاشة التلفزيون بأنه تابع وراقب خلال أيام سفره، ما يقوله الأردنيون عن قانون الانتخاب، وأنه اطمان لفكرة أن الشعب يطالب بقانون انتخاب الصوت الواحد.
اتصلت مع زيد بن شاكر، وقلت: كان بإمكان الحسين أن يرد علي بغرفة مغلقة، بعيدا عن رده علي عبر التلفزيون.
وفعلا، كان موقفي، من الأمر ما قلته، لأني حرصت على المستقبل السياسي لمجالس النواب، ولعلمي بعد تعرفي على قانون الصوت الواحد، وتقديري لتبعاته، بأنه سيفسخ المجتمع، وسيقسم الناس، وهذا ليس من مصلحتنا في شيء، وها نحن جميعا، نتابع كل التعديلات على قانون الصوت الواحد، وكلها كانت سطحية، لا عمق فيها، ولا تأثير إيجابيا على الحياة البرلمانية والسياسية، وسأظل أرددها دائما، مجلس النواب القوي هو مصلحة وطنية، يجب الحفاظ عليها، والتمسك بوجودها.
لقد ساعدت تلك السياسات، على إقصاء مكون سياسي مهم في البلاد، قل لي: ماذا فعل الإسلاميون؟ ولماذا أخطط لإقصائهم، ماداموا يمارسون العمل السياسي، بالمقدار الذي تمارسه الدولة الأردنية ومؤسساتها؟! فالمصلحة العامة والوطنية الجميع ينضوي تحتها، ولا أحد سيكون فوقها.
إن معادلة تطرف الإسلام السياسي، هي رهينة تطرف بعض رجال الدولة، تجاه الإسلاميين والحركة الإسلامية في البلاد، أما إن سألتني، كرئيس الحكومة الوحيد، الذي شارك الاسلاميون بحكومته، فسأقول، إنهم سياسيون وطنيون، تستطيع بناء تحالفاتك معهم، عن طريق أمر بسيط، وهو النجاح في صناعة الثقة بينك وبينهم.
أذكر جيدا بأن احدى القنوات الأميركية المتخصصة بالشأن المحلي الأميركي، أظن اسمها "سايس بان"، طلبت إجراء مقابلة معي، في ذلك الوقت، حول الإخوان المسلمين، ومشاركتهم في العمل الحكومي.
وكنت واضحا في حديثي إليهم، بأن الاخوان المسلمين لم يعملوا شيئا، وكل شروطهم في العمل الحكومي، تم التوافق عليها، ولم نخضع من أجل ذلك.
فسألوا عن منع الاخوان المسلمين لشرب الكحول في المناسبات الرسمية، فقلت لهم "أنا من منع ذلك"، وكان هذا القرار في حكومتي الأولى، لأن الكحول أمر زائد عن الحاجة، وكلفته عالية، وعلى من يريد تقديم الكحول، فليأتِ بها من جيبه الخاص.
وفعلا في احدى زيارات رئيس الوزراء الإيطالي لعمان، طلبت من أحد موظفي التشريفات في وزارة الخارجية، أن يذهب بأحسن أنواع النبيذ للضيف الإيطالي إلى غرفته، وأنا من دفع تلك الكلفة.
وفي العشاء الرسمي في فندق الأردن، شكرني الضيف الإيطالي، على تقديري لوضعه، بأنه لا يستطيع تناول العشاء إلا بعد أن يتناول الكحول، فقلت له، بأننا منعنا تقديم الكحول في الاستقبالات الرسمية، لأن دين الدولة في دستورنا هو الإسلام، ولا يجوز أن نكون دولة مسلمة، ونقدم ما هو حرام في عقيدتنا، لكننا لا نمنع بيعه أو تعاطيه في الفنادق والمطاعم، التي تم ترخيصها لهذه الغايات، لكن من يريد أن يشرب عليه أن يشرب من جيبه، وليس من جيب الحكومة.
وقلت إن هناك مثلا يقولونه دائما: "عندما تكون في روما.. إفعل كما يفعل أهل روما"، وأنا أقول: "عندما تكون في عمان إفعل كما يفعل أهل عمان"، لذلك أنا من منعت وليس الإخوان المسلمين.
وكذلك، سألوني عن تقديم الكحول في شركة عالية، فقلت لهم، أنا منعت تقديمه، لكني سمحت لمن يريد أن يشتري ويشرب في المطار أو فندق عالية.
وعن فوائد الإسكان، وتحديدا اسكان ابو نصير، أنا من اسميت تلك الفائدة، واستبدلتها بكلمة "خدمة القرض"، وذلك لكي لا يعزف أصحاب الدخل المحدود، عن شراء شقق لهم، بأسعار منافسة وبمواصفات مناسبة، وذلك تحت شبهة الحلال والحرام، في شراء شقق الإسكان.
هناك بعض المواقف، يتداولها البعض عن الوزراء الذين شاركوا في حكومتي، من جماعة الاخوان المسلمين، وفيها مبالغات كثيرة، لقد كانوا وزراء عاديين، لهم رأيهم داخل مجلس الوزراء، لكنهم لم يتطرفوا في شيء، وحتى لما انتقدتهم أقلام إعلامية، في نهاية حكومتي الأخيرة، امتعض بعضهم، لأنهم وزراء، يمثلون لونا سياسيا، وهم ليسوا حكومة وحدهم، وامتعاضهم كان سببه أنهم لا يريدون الفرز في الأداء السياسي، لكن الفرز على أساس الانتماء السياسي، فهو حق للجميع.