سمعة الاقتصاد الخارجية

من وقت لآخر، تتكاثر التصريحات الصادرة عن سياسيين ودبلوماسيين وخبراء غربيين في المال والتجارة، وتنطوي على موقف أو انطباع أو تحليل أو حقيقة بخصوص ما يجري في الاقتصاد الأردني؛ باتجاهي النقد أو المديح. غير أن اللافت للنظر في كل هذه التقييمات أو المراجعات، أن ملامح القوة في الاقتصاد تبدو مؤقتة من وجهة نظر هؤلاء، علاوة على أن السلوك الحكومي الدائم ذي الصلة برفع العبء الضريبي على المواطنين والمؤسسات الاقتصادية، بات نقطة ارتكاز للهجوم على دور الحكومة في رفع سوية الاقتصاد.اضافة اعلان
وقد غمز لي بهذا المعنى دبلوماسي أوروبي كبير الأسبوع الماضي؛ بأن الحكومة لا تأبه لأي تداعيات، فأولويتها تكمن في رفع الضرائب! وفي حديث صحفي الأسبوع الحالي، اعتبر السفير السعودي في عمان أن "ارتفاع الضرائب في الأردن أدى إلى هجرة المستثمرين". وهذا صحيح بالنسبة لشرائح مختلفة من المستثمرين، الأردنيين وغير الأردنيين، الذين وجدوا في تركيا ودبي خصوصاً موطئ قدم لهم، بعد أن ضاقت عليهم المملكة بسبب ارتفاع الضرائب ووجود معيقات شكلت أسبابا طاردة لهم.
في السنوات الأربع الماضية، شهد تصنيف الأردن الائتماني تقلبات عديدة. وبدا التراجع واضحا على درجات التصنيف تبعا لتداعيات "الربيع العربي" المالية في المنطقة، وما جاء بعدها من ثورات مضادة. وظل الاقتصاد الأردني مسكونا بإطفاء الحرائق الناجمة عن انسداد حدودنا الشمالية والشرقية التي تشتعل خلفها حروب ينتهي معها حديث التجارة والتصدير. بيد أن الضربة الكبيرة كانت في توقف إمدادات الغاز المصري بسبب تفجيرات متعددة للخط الناقل له.
صحيح أن أسعار الطاقة تراجعت نسبيا في العالم، ما ساند -ولو بحدود ضئيلة- تخفيف العبء على المستوى المحلي. إلا أن الحكومة واصلت الدفاع عن مديونية شركة الكهرباء، فاستدانت ورفعت ما تمكنت من رفعه على مستوى أسعار سلع وخدمات، ولم تتمكن من فتح أسواق للتصدير، سواء للخضار والفواكه التي سدت في وجهها الحدود، أم صادرات الجسم الصناعي الذي أصيب بضربات قاسية أتت على ما تبقى له من مناعة وقوة.
يبدو أن سمعة الاقتصاد -من خلال أداء الحكومة- ليست في أحسن أحوالها. فكثير من السياسيين والدبلوماسيين وخبراء الاقتصاد يعتبرون أن الضرائب هي شغل الحكومة الشاغل، وهي العملية المعقدة التي انخرطت فيها الحكومة الحالية فزادت العبء الضريبي على المواطنين ومفاصل الاقتصاد المختلفة. وفي الوقت الذي يتغزل فيه مسؤولو صندوق النقد والبنك الدوليين بالاقتصاد الأردني ويغرقون في تصريحات بهذا الشأن بمناسبة ومن دون مناسبة، فإن الرد الشعبي أبلغ من هذا الغزل. ففي استطلاع أجراه مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية منتصف العام الماضي، اعتبر 57 % من الأردنيين أن الاقتصاد سيئ وسيئ جدا. وجاءت الإجابات في معظمها حانقة على المستوى الذي بلغه الاقتصاد بفعل سياسات وقرارات حكومية كانت سببا في نكد العيش للمواطنين.
سمعة الاقتصاد تكون بخير عندما يشعر الأردنيون بالطمأنينة إلى معيشتهم، ولو بشكل نسبي. وهي تكون أيضا بخير عندما يتراجع العبء الضريبي. وإلا فإن هذه السمعة ستبقى محطة لغضب داخلي وانتقادات دبلوماسية اقليمية، وغزل دولي مفتوح للمؤسسات التي يرتهن لها الاقتصاد.