لا تُقرضوا النساء إذن!!


الغارمةُ هي "كل من كان عليها دين ولم تستطع سداده"، ومن الواضح أنّ النساء لدينا يستدنّ باستمرار إمّا بالطلب من الأب والزوج والأبناء أو بأخذ القروض البنكيّة والدفعات على الراتب أو عبر أُم أو أخت أو مُحسنة صديقة.اضافة اعلان
واليوم، وفي زاوية مُريحة من منزل دعمة اقتصاد حقبة السبعينيات الفارهة، تجلس سيّدة في صالونها قابضة على الجمر وعلى مبلغ خمسة آلاف دينار هي حصيلة "جمعيّة" السيّدات لها في ذلك الشهر.
الديون أصبحت ضرورة وفي معظمها شخصيّة، ولكنها ستقوم وبأسلوب حياة طبقة وسطى مُتفائلة وكتومة بفكفكتها بطريقة تتناسب مع وقار المنزل، فالمطلوب فقط تدبير مبلغ ألف دينار للأشهر الخمسة المقبلة ولتحلّ المشاكل كافّة في وقتها!
وقد أثارت قضيّة سجن المرأة على خلفيّة التخلّف عن تسديد الديون، والتي انتشرت أوّلاّ في مصر وسُميت هناك بالغارمات، أوجاعا كثيرة ومن بينها العودة الى المُربّع الأول؛ حيث لا فائدة من حركة المرأة، وتهويل المخاطر مثل "سيكون مصيرها الحبس"، كما والتردّد في قصص النجاح التي تحتمل الدعم والتمويل.
ولاحظنا أنّ الفرضيّة الواردة بالنصّ الشرعي بأنّ "كلّ نفقة امرئ على نفسه إلاّ نفقة المرأة على زوجها" لم تعد قائمة  للكثيرات، فمن بينهن بلا مُعيل أو ممّن سقطن في شرك عقد الغرر، وبالإكراه، وبحرق المُمتلك عبر البيع أو الرهن البخس، بالعادة لزوج أو جار أو لقريب!
وتُشير بعض إحصائيّات الأمن العام إلى أنّ قلة من النساء اقترضن لتمويل المُخدرات أو خُضن في مُخالفات أو جُنح بالمعنى الجنائي بل اقترضن لتنفيذ مهام تدور حول الأُسرة، والصحة، والتعليم، وتمويل العمل والعيش الكريم بفعل فضالة وبدون توثيق لصفتهن الدائنة.
والذي تتعلّمه النساء إذن من قضيّة الغارمات هو أنّ كل دين يأتي باستحقاقاته فلا يُوجد غذاء مجّاني سيقدّمه بنك أو مُعيل أو كفيل أو أي مُؤسّسة أخرى مهما كانت عندما يتعلّق الأمر بالمال! وأنّ حبس المدين ما يزال معمولا به في الأردن على الرغم من شيوع خبرة تسهيل العمل للمدين لكي يتمكّن من السداد ولو بالقليل أو عبر إمكانيّة إشهار الإفلاس كبديل قانوني عن السجن، ففي القضايا الماليّة لدينا يُساوي القانون تماما بين الرجل والمرأة، ولكنّه قد يغضُّ بعض النظر بالقضايا الأخرى!
وأمّا في الحُلول فإن لم يحلّها الرجل، فما الحل، وهو الشيء الواضح من تدخّل صُندوق الزكاة ووزارة الأوقاف (مشكورين) بقضيّة هي من أدقّ شؤون النسوة الاجتماعيّة والاقتصاديّة على الإطلاق.
ومن الجلي اليوم أنّ "الغارمة" هي وصمة ستتحملها المرأة بذنب قلّة الوعي وغياب الثقافة الماليّة اللازمة لإدارة شأنها الاقتصادي، فعلى الرغم من بعض مظاهر التقدّم الواضحة لدى بعض النخب الاقتصاديّة النسويّة والتي لن يُمكن تعميمها، فإنّ المُلكية الاقتصادية اليوم للرجل كما للمرأة هي في تناقص، وعليه لن يُمكن إدارة الاقتصاد النسوي عبر جُزئيّة تنمية سياسة الاقتراض فقط، أو بمعزل عن التخطيط المالي والاقتصادي العامّين!