من البيادر إلى دوسلدورف..!!

مع كل ما تتحمله أمانة عمان والبلديات من مسؤولية مباشرة على عدم التعامل بجاهزية كاملة مع سيناريو محتمل، هو ببساطة ما جرى.. من غزارة شديدة في الأمطار ظهر الاثنين (الجارف)، وإبقاء منسوب الاستعداد في إطار الآليات التي تنتظر الحدث.. وحين وقع، لم تستطع هذه الآليات حتى الوصول اليه.. مع كل هذا فإن هذا الظرف يحدث في كل مدن الدنيا، وربما يقع الضرر ذاته في مدن عالمية أكبر من عمان وأكثر استعداداً وجاهزية.اضافة اعلان
تعاملُنا مع الأزمة هو المختلف عن مدن العالم وشعوبه وإدارتهم لأزماتهم هي التي تأخذ منحى آخر في الأردن عما يجري في العالم.
في (عز) الأزمة وتداعياتها، وأثناء حوار مباشر من أمانة عمان لدراسة أبعاد ما جرى.. لا أعرف ما الذي دفع أحد المواطنين لسؤال الأمين عن إمكانية الاستفادة من تجارب مدن أخرى في العالم، بالتعامل مع أحداث مماثلة من الأمطار والعواصف والثلوج.. "لماذا لا نعمل مثل دوسلدورف؟".
"دوسلدورف.."؟!
ترددت العبارة على مدى باقي النهار في مخيلتي، وسألت نفسي لماذا لا نقلد دوسلدورف في التعامل مع أزمات الشتاء؟
معقول..!! وهل في دوسلدورف من يُلقي أكوام النفايات عبر نوافذ السيارات، وهل فيها مقاولون وتجار إسكانات وموظفو أمانة وعمال، يتركون أطنان الأتربة ومخلفات الأبنية في الشوارع حتى تجد طريقها الى المناهل ومسالك التصريف.. ثم يحصلون على إذن اشغال دون أدنى مجهود؟؟
هل في دوسلدورف أو في أي مكان في العالم، من يعتدي على شارعك ورصيفك ونافذة منزلك وليلك ومساحتك الخاصة وحرمة نومك، بحجة أن هذا "هو اللي أجاك"..
هل هناك من يغلق الشارع بسبب صيوان عرس "الولد الله يخليه"، ويقضي الليل مع الموسيقى الصاخبة وعلى إيقاع العيارات النارية التي تحول الحي بكامله لجبهة حرب و"يا ويل من يعترض" من ضحايا الجوار؟
أكيد.. ليس هناك مواطن في دوسلدورف يَدّعي المواطنة، ويطالب بكامل حقوقه المواطنية ومزاياه الوظيفية والصحية والاجتماعية، ثم عند أول منعطف يعلن أن البلد "خربانة" و"فُخار يكسر بعضه".. ولا هناك مسؤولٌ يهرب من مسؤولياته مهما كانت جسيمة، ولا وزير يرمي على آخر تبعات أزمة أو نتائج حدث طارئ..!!
في دوسلدورف يا صديقي مثل مدن العالم الأخرى، لا تُفصل الإشارات في الشوارع الرئيسية على قاعدة "ما يطلبه الجمهور"، مرة إشارة لمول وأخرى لمطعم مشهور، وثالثة لملحمة.. ولا تُزرع المطبات على هوا رغبات المتنفذين والمقتدرين.
في دوسلدورف ليس هناك من يُمثل الناس في برلمان أو مجلس محلي أو بلدي، بشراء أصواتهم وذممهم وقرارهم وما تبقى لهم من كرامة، ثم يدير لهم.. اهتماماته ويحصرها بالمنافع والمكاسب والمناصب..
هناك على ما أظن مثل مدن العالم المتقدم، جمعيات حماية مستهلك (فاعلة) وإدارات تأمينات اجتماعية (متكاملة) ورقابة على الأداء العام، وشفافية في التعامل مع الجمهور..
في دوسلدورف نسبة الإنتاجية كما هي في العالم (بأعلى مستوياتها)، نسبة إنتاجيتنا هي الأخفض بين شعوب الدنيا، لا يوجد هناك غش ولا توجيهي ولا حتى اعتداء على ممرضين وأطباء أو عنف جامعي، ولا ضرب متبادل في المدارس.. هناك الدنيا غير!!.
لدراسة أعباء الشتوة الأخيرة، علينا أن نسترجع نظرية حسني البورظان "اذا أردنا أن نعرف ماذا في عمان، علينا أن نعرف ماذا في دوسلودوف.. هناك المطر.. دق الماني..!!".