"نقص الأدلة" يغلف قضايا وفيات أطفال

txruuiwx
txruuiwx
نادين النمري عمان - بعد انتهاء مراسم الدفن والعزاء ومرور خمسة أيام على وفاة الرضيعة ليان* والتي عزاها تقرير الطب الشرعي الى "التهاب رئوي فايروسي"، قاد تأنيب الضمير والدها الى الاعتراف بأنه "قتلها خنقا بواسطة وسادة لانزعاجه من بكائها". وقضية ليان الرضيعة التي تبلغ من العمر 4 أشهر فقط، تعد واحدة من مجموعة قضايا لأطفال رضع رصدتها "الغد" على محرك البحث القانوني "قسطاس" تظهر حالات لوفاة أطفال في سنوات متباعدة اعتبرت "وفيات طبيعية" بحسب التحقيقات الأولية الى أن قاد اعتراف الجناة أو أحد أفراد الاسرة للكشف عن أسباب جنائية لوفاة هؤلاء الأطفال على يد ذويهم. مع ولادة ليان في تشرين الأول العام 2012 شعر الأب أن "الطفلة باتت تبعده عن حياته والاستمتاع بها وتزيد من أعبائه المالية"، بحسب وقائع القضية التي أشارت إلى "استمرار هذا الشعور لدى الأب إلى أن أتى صباح أحد أيام الجمعة في آذار 2013 مع بكاء الطفلة الشديد وحاجة والدتها للراحة حيث عرض الأب على الام أخذ الطفلة الى غرفة الجلوس لتنام، وفي هذه الأثناء وبسبب عدم توقف الطفلة عن البكاء وانزعاج الأب من بكائها تناول الوسادة وضغطها على وجه الطفلة لمدة عشر دقائق لتصمت بعد ذلك الى الأبد ومن ثم نقلها الى سريرها". بعد استيقاظ الام ذهبت الى سرير ابنتها لتتفاجأ بازرقاق الجانب الايمن من وجهها وبرودته، لتسعفها مع الأب فورا الى المستشفى حيث تبين أنها فارقت الحياة. ورغم رفض الأب تشريح جثة طفلته، لكن تم الكشف على جثة الرضيعة وتشريحها لتخرج النتيجة أن "سبب الوفاة التهاب رئوي حاد" ثم تم دفنها بعد ذلك وأقيم لها عزاء لمدة ثلاثة أيام. لكن الاحساس بالذنب لاحق الأب، ليعترف لزوجته بعد خمسة أيام من وفاة الطفلة بأنه "قاتل ابنته" طالبا السماح من زوجته، لكنها رفضت وبلغت عنه وحكم لاحقا بجناية القتل القصد والسجن 20 عاما خفضت الى النصف بسبب إسقاط الحق الشخصي. متلازمة الطفل المعنف ولولا اعتراف الأب وقرار الأم بتبليغ الجهات الأمنية لظلت قضية "ليان" في طي الكتمان مثل قضايا أخرى جرى تصنيفها على أنها وفاة طبيعية او نتيجة لحادث عرضي. فـ "قصي" طفل آخر توفي في العام 2009 عن 13 شهرا، وكان عرضة للعنف والضرب المتكرر من قبل والده منذ بلغ من العمر 6 أشهر. تقول والدة قصي التي تحدثت لـ "الغد" سابقا، إن "طفلها تعرض للضرب بشكل مستمر من قبل والده كما اصيب بثلاثة كسور في فترات متباعدة حيث اصيب في المرة الأولى بكسر في الكتف وفي الثانية بكسر في الجمجمة واخيرا بكسر في الساق". كان الوالدان يبرران الإصابات للأطباء في المركز الصحي والمستشفى بأنها نتيجة سقوط، وفي المرة الثالثة تقدمت الطبيبة المشرفة بشكوى لإدارة حماية الأسرة، وتعهد الأب بعدم التعرض للطفل مجددا، لكن بعد ذلك بفترة بسيطة عاود الأب تعنيفه ليتوفى قصي ضحية لمتلازمة الطفل المعنف. وبحسب قرار محكمة التمييز فإن "المتهم انهال بالضرب على الطفل المجني عليه بواسطة يديه والقائه ارضا وعندما وصل الى المستشفى كان قد لفظ أنفاسه الأخيرة". احجمت الأم عن التبليغ عن الجريمة وادعت أن إصابة الطفل كانت نتيجة للسقوط، وبناء على ذلك اجريت مراسم الدفن والعزاء، وبعد نحو شهر ونصف الشهر من الوفاة ونتيجة لتأنيب الضمير والخوف على سلامة أبنائها الآخرين توجهت الأم الى المركز الأمني واعترفت بأن الطفل قصي توفي قتلا على يد والده. وكان تقرير الطب الشرعي خلص إلى أن الطفل قصي كان مصابا "بكدمات وسحجات متعددة على عموم انحاء جسده وكسور متعددة وتجمع دموي في الدماغ ناتجة عن الارتطام والضغط على الصدر وهي في مجملها ناجمة عن متلازمة الطفل المعنف"، ليحكم بالأب بجناية الضرب المفضي الى الموت. ويوضح استشاري الطب الشرعي، المستشار لدى منظمات الأمم المتحدة في مواجهة العنف ضد الأطفال الدكتور هاني جهشان أن "الأبحاث تشير إلى ان إصابات حديثي الولادة والرضع في الأشهر الأولى من عمرهم، بما فيها إصابات الرأس هي بالأساس إصابات مقصودة وان تشخيص هذه الإصابات على أنها عرضية نتيجة السقوط هو الاستثناء المستبعد تماما". ويتابع، "الإصابات المقصودة لحديثي الولادة والرضع في الأشهر الأولى من عمرهم، يتم الادعاء في أغلبها بأنها وفيات عرضية ناتجة عن السقوط بهدف حجب الظروف الجنائية الحقيقية لما تعرض له الطفل، ويتم حجب هذه المعلومات من أحد الوالدين الذي ارتكب العنف أو من الوالد الآخر أو من كليهما تجنبا لمواجهة التحقيقات الشرطية واستقصاء النيابة العامة". ومن الأمثلة الشائعة على حجب ظروف الإصابة، كما يقول جهشان، "الادعاء بأن الرضيع سقط اثناء حمله من قبل أحد الوالدين، او انه سقط من على السرير لدى سحبه من قبل احد أخوته، أو أن شخصا بالغا قام بالدوس على الرضيع اثناء وجوده على الأرض، أو الجلوس عليه اثناء وجوده على سرير أو كرسي، وقد يتم حجب المعلومات بادعاء يخلو من المنطق تماما كالزعم بأن الرضيع سقط من تلقاء نفسه على الرغم من أن مرحلة نموه لا تسمح له بذلك". والواقع يشير إلى أن "كثيرا من وفيات الرضع الإصابية تسجل خطأ على أنها سقوط، علما بأنه في الحالات النادرة التي يتعرض بها الرضيع للسقوط عرضيا أثناء حمله من قبل شخص بالغ أو سقوطه أثناء حمله من قبل طفل آخر من غير المتوقع أن يؤدي ذلك إلى إصابات قاتلة". الامتناع عن الشهادة تُذكر الامثلة التي طرحها جهشان بقضية الرضيعة "ولاء" ابنة 28 يوما التي توفيت بعد أن سقطت 3 مرات من يد والدها في أحد شوارع محافظة الزرقاء. وبحسب ما نشر في وسائل الاعلام فإنه في شتاء 2014 وأثناء تواجد الاب والأم للتسوق طلبت الام من زوجها ان يستقلا سيارة أجرة بسبب خوفها من البرد على الرضيعة وشعورها بالتعب الأمر الذي أثار غضب الزوج لينهال على زوجته بالضرب وتسقط الطفلة 3 مرات متتالية على الأرض حيث توفيت على الفور. وبحسب ما نشر حينها فإن الأب الذي كان في حالة غضب شديد أخذ الطفلة من الام وأسقطها أرضا وبقوة ثلاث مرات متتالية حيث وجه المدعي العام حينها للأب "تهمة القتل العمد"، لكن المحكمة خلصت وبناء على شهادة الشهود انه "كلما قام المتهم بضرب زوجته كانت طفلته الرضيعة تسقط على الارض ويرتطم رأسها بالرصيف، أي ان الضرب كان موجها للأم وليس للطفلة ما جعل الوفاة تبدو وكأنها قتل بالخطأ. واعتبرت المحكمة حينها وبالأكثرية افعال المتهم "اهمالا وقلة احتراز منه لوقوع ابنته على الارض وبالتالي تسبب بوفاتها، وبناء على ذلك قررت وبالأكثرية ادانته بجنحة القتل الخطأ- التسبب بالوفاة- والحكم عليه بالحبس سنة ونصف السنة"، إلا أن قاضيا واحدا خالف القرار واعتبر ان المتهم "ارتكب جناية الضرب المفضي الى الموت". وتتشابه قضية الطفلة "ولاء" مع حادثة وفاة رضيعة تبلغ من العمر شهرا ونصف الشهر قبل أيام بعد ان سقطت من يد والدها اثناء خلاف بينه وبين زوجته، بحسب بيان لمديرية الأمن العام أشار الى "أنه تم إحالة القضية لإدارة حماية الأسرة". وفي هذا السياق يوضح مصدر قضائي طلب عدم الافصاح عن هويته لـ "الغد" أن "المحكمة وفي هذه الحالة- محكمة الجنايات- تتعامل مع البينات والأدلة وليس مع استنتاجات". ويتابع، "في بعض الأحيان "يكون لدى القاضي قناعة بأن الفعل المرتكب كان قصديا لكن وبسبب نقص الأدلة وغياب الشهادات التي توثق هذه القناعة يكون الحكم مغايرا لقناعة القاضي"، مؤكدا ضرورة ان تكون "الادلة لدى المحكمة مقنعة وجازمة". وفيما يخص الشهادة، يلفت المصدر كذلك الى "مسألة تستر الشهود من افراد العائلة عن التبليغ او امتناعهم عن الشهادة". وتعطي المادة 153 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الحق للأصول والفروع بالامتناع عن الإدلاء بالشهادة، وتقول المادة إنه "تسمع شهادة أي من اصول المتهم أو الظنين أو فروعه أو زوجه ولو بعد انقضاء الرابطة الزوجية إلا أنه يجوز لهم الامتناع عن أداء الشهادة ضده أو ضد شركائه في اتهام واحد"، مبينا أنه ورغم أن الغاية من هذه المادة كانت الحفاظ على الروابط الأسرية، لكنه "وجب تعديل هذه المادة في القضايا المتعلقة بالجنايات الكبرى وتحديدا الجرائم داخل نطاق الأسرة، كون هذه المادة تشكل تعطيلا للعدالة". ويلفت المصدر كذلك الى "أهمية الحرفية خلال مرحلة التحقيق لتجميع الادلة، فالضعف او التراخي في التحقيق قد يقود الى إفلات للجاني من العقوبة". وفي هذا السياق يوضح جهشان أن "التعامل مع إصابات الأطفال حديثي الولادة والرضع في الأشهر الأولى من عمرهم يتطلب الاستقصاء الشرطي، وكذلك لدى النيابة العامة، مع كل شخص مشتبه به ومع كل شخص شهد ظروف الإصابة، كما ويتطلب اجراء الكشف الطبي التشريحي لتوثيق حالة الجثة وسبب الوفاة، ومن اهم الأمور الكشف على مسرح وفاة الرضيع برفقة البحث الجنائي، لأن هذا الكشف يوفر في اغلب الأحيان معلومات توازي بالأهمية او قد تفوق المعلومات والمشاهدات التي يتم توثيقها بالمشرحة". ويرى جهشان ان مسرح وفاة الرضيع يجب ان يوثق رقميا، ويتوقع ان ينظم به تقرير من قبل الطبيب الشرعي بالإضافة للبحث الجنائي ليكون وثيقة مهمة في ملف القضية التحقيقي لدى النيابة العامة. وللتعامل مع الوفيات المفاجئة للأطفال يدعو جهشان الى "إنشاء فرق متخصصة ومتعددة القطاعات للتعامل مع وفيات الأطفال المفاجئة والغامضة، يضمن استكمال إجراءات الطب الشرعي بشكل مهني وفني وقانوني بما في ذلك الكشف على مسرح وفاة الرضيع، واستكمال إجراءات التحقيق الشرطية والقضائية والاستقصاء الاجتماعي لأسرة الرضيع المتوفى". جريمة بلا جان ومن بين ملفات "قسطاس" لقضايا موت الأطفال المفاجئ والغامض تظهر قضية الشقيقين شيرين وكريم* (سنة ونصف السنة و3 أشهر) ذات التفاصيل الغامضة والتي بقي فيها الجاني مجهولا. تعود قضية الرضيعين الى العام 2011 عندما عثر عليهما داخل منزلهما وقد فارقا الحياة، وبحسب تقرير الطب الشرعي فإن "وفاة الطفل كريم كانت نتيجة لإصابة في الرأس ونزيف وتكدم في المخيخ وان الإصابة ليست عرضية وان وفاته نتيجة لمتلازمة الطفل المرتطم (المعذب)، في حين علل سبب وفاة شيرين نتيجة للاختناق ونقص الاوكسجين في المحيط"، مؤكدا ان الرضيعة لم تكن تعاني من أي أسباب سمية أو مرضية للوفاة. اتهمت الأم بقتل الطفلين كونهما كانا في عهدتها، لكن لعدم الاعتراف ونقص الأدلة وتناقض اقوال الشهود وعدم توفر دوافع للجريمة انتهت القضية بإعلان براءة الأم من قتل طفليها، وبذلك أسدل الستار على مقتلهما دون معرفة العدالة للقاتل الحقيقي. وحول مسألة إعادة فتح التحقيق في حال براءة المتهم، يبين المحامي احمد النجداوي أنه "وبحسب قانون اصول المحاكمات "لا تتم إعادة فتح القضية الا في حال ظهرت أدلة جديدة لم تكن موجودة بحيث يقدم طلب للمدعي العام بإعادة فتح التحقيق أو بطلب من وزير العدل لظهور أدلة جديدة". الوقاية من وفيات الرضع الغامضة ويرى جهشان أن الوقاية من وفيات الأطفال الرضع الغامضة يتطلب على المستوى الوطني أبحاثا أكاديمية ودراسات مسحية عن كافة وفيات الأطفال وإحصاءات دقيقة توثق اشكال وفيات الأطفال الإصابية ان كانت الجنائية او العرضية والوفيات الفجائية والمرضية، وأسباب جميع هذه الوفيات وجذورها وعوامل الخطورة المتعلقة بها. ويوضح ان الوقاية من وفيات الأطفال بمن فيهم فئة حديثي الولادة والرضع يتطلب انشاء "فريق مراجعة الوفيات" متعدد القطاعات الصحية والشرطية والقضائية والاجتماعية توكل له مهمة البحث في جذور وفيات الأطفال بما في ذلك الوفيات الناتجة عن العنف، والقيام بتحليلها علميا للوصول للجذور والاسباب ومن ثم القيام برسم الخطط الوقائية وتنفيذها ورصدها وتقيمها. من جانبه يقول امين العام المجلس الوطني الدكتور محمد مقدادي إن "المجلس بدأ منذ العام الماضي وبدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بالعمل على مشروع مراجعات وفيات الأطفال"، مرجحا ان يتم اطلاق المشروع بنسخته التجريبية العام المقبل. ويوضح مقدادي ان "المشروع يهدف إلى تطوير عمليات جمع البيانات بشكل موحد ومتسق وقابل للاسترجاع حول وفيات الأطفال لوضع استراتيجيات وقائية وحشد الدعم وكسب التأييد على كافة المستويات التشريعية والسياسية والبرامجية الكافية لتنفيذ البرامج الوقائية. ويبين انه من خلال البرنامج يتم تحديد مسار السببية - سلسلة الأحداث والبيئة التي تؤدي إلى كل وفاة - وتحديد النقاط التي كان من الممكن أن يتوقف بها المسار. ويتابع، انه من خلال اللجنة الفنية للمشروع "تم تطوير الإجراءات العملية للمراجعة بحيث تتم من خلال فرق محلية في المحافظات تصب بياناتها في الفريق الوطني لمراجعة وفيات الأطفال المنوي تأسيسه في نهاية المشروع"، مشددا على أن هذه الفرق ليست فرق تحقيق ولا فرق مراقبة بل هي فرق تعمل ضمن نظام موحد لجمع البيانات وتحليلها ووضع التوصيات العملية للمؤسسات ذات العلاقة للوقاية من وفيات الأطفال. * اسماء مستعارةاضافة اعلان