وجدي الحكيم.. وداعاً!!

كنا قد أنهينا حواراً ذا نكهة خاصة داخل استديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة من (حوار مع كبار) الذي اعتاد أن يلتقي ضيوفا من رجال السياسة والاقتصاد ليحققوا شرط (الكبار).. أتممنا الحديث في قصص لطالما سمعتها منه حول أيام الفن الجميل واحترام الثقافة وحين كانت الكلمة لها وقعها وأثرها ولها من يقدرها..اضافة اعلان
كان وجدي الحكيم (كبيراً) خارج إطار الحوار.. بل كبيراً بحجم عطائه لملايين المستمعين الذين تعلموا على وقع فكره في عقود من العمل الإذاعي ومن ثم الملايين من الشباب الذين عرفوا الطرب الأصيل على يديه.. بحجم حبه للآخرين، وهو الذي تعرض لأمراض النجاح ومطبات المبدعين من حيث زرعت يداه وقدمت..!
بقي العم أبو جلال يتابع رفاق الدرب وهم يغادرون تباعاً، حليم وعبد الوهاب وكوكب الشرق وبليغ ووردة وبعد كل عزاء حرص أن يتصدره على مدار عقود مضت، كان ينهي بخفة دمه المعهودة.. "أهو سبقنا وبيستنانا هناك"!!
وجدي كان صندوقاً أبيض لأسرار وخفايا آلاف الفنانين والشعراء والكتاب وصناع الدراما والفن، كانت رواية وجدي الحكيم لإحدى النوادر والقصص والحكايات عن صديق أو فنان راحل، كفيلة بأن تحول أي جلسة عادية أو لقاء اجتماعي ممل الى أمسية إعلامية حوارية فنية من نوع خاص لا تعوزها خفة الدم و(الايفيه) وسرعة البديهة والنكتة الحاضرة..
كيف يمكن أن نوثق كل هذا الكنز يا عم وجدي..؟ منذ عشر سنوات وأكثر وأنا أسأل الأستاذ مستأذناً بإمكانية الانطلاق ببرنامج حوار معه يوثق لكل هذا التاريخ الفني العربي بعنوان "قول يا حكيم".. ما إن غبت عنه حتى بادر هو لإطلاق البرنامج ولكن من أجل رفيق عمره لا من أجله، فكان المشروع الذي لم يرَ النور "قول يا حليم"..!!
هكذا كان الحكيم مع رفيقي عمره حليم وعبد الوهاب اللذين رتب لهما الاسم الفني، وبليغ والابنودي وسمير خفاجي والست، وهكذا بقي مع أصدقائه وأبنائه الذين لم ينجبهم وكنت منهم.. خيره ملأ الدنيا ومآثره في الحفاظ على التراث الفني والثقافي المصري والعربي، ومبادراته نحو الكل باقية ببقاء روحه الصافية.. توثقها الأشرطة والحوارات المسجلة وبرنامجه الجماهيري الذي غير ذائقة جيل بكامله نحو موسيقاه العربية الأصيلة.. (الصهبجية).
حتى الآن في جعبتك يا عم وجدي الكثير من الحكايات التي لم تسعفنا الساعات الممتدة والأيام الطويلة على سماعها منك في السياسة وأيام عبد الناصر وفترة السادات وذكريات فيلا الزمالك وصالون كوكب الشرق وأيام طلال مداح وشادي الخليج.. ما زلنا بحاجة لأن نضحك معك على قفشات توفيق الدقن وإبراهيم سعفان والمليجي ونفتح عيوننا لتدهشنا بدايات عادل وأحمد زكي في مدرسة المشاغبين.. لم نعرف بعد أي سر يقف وراء تفجر ينبوع الإبداع عند بليغ.. وحكاية وردة..
أتبرُ بوعدك الآن بأن تبقى (كاتم أسرار أهل الفن) كما كنت تلقب بالصحافة المصرية، أم أن جديتك وحكمتك يا وجدي الحكيم اختارت الوقت المناسب للاعتذار والمغادرة..!!
قبل أيام كنت قد نعمت بآخر لقاءاتي بك في القاهرة وأنت الذي قدمت ما قدمت لي من دعم وحب.. ووعدت بالعودة الى عمان لترى الأصدقاء القدامى.. وقتها كررت عليك "قول يا حكيم" فرددت علي بقصة عودة حليم جثماناً من لندن الى القاهرة التي عشقها.. أنت اليوم الخميس 19 حزيران 2014 تعود من لندن قصة حب وعطاء لن تنسى الى القاهرة لتستقر كل الحكايات مكانها..!!