"ترند باربي الوردي".. ما بين هوس "التقليد" وتحديد مفاهيم الجمال

مشهد من فيلم "باربي" - (ارشيفية)
مشهد من فيلم "باربي" - (ارشيفية)

  "ما إن ظهر الترند الوردي الخاص بالدمية باربي التي كنت أحبها منذ طفولتي حتى امتلأت غرفتي وخزانتي بمقتنيات عديدة مزينة باسمها وباللون الزهري"؛ هكذا بدأت سرى يوسف (27 عاما) كلامها.

اضافة اعلان


فيما شاركت رؤى محمود وصديقاتها في حفلة تحد من وحي الترند، ارتدين فيه اللون الزهري في التفاصيل كافة، في ملابسهن وإطلالتهن، والزينة التي وضعت لالتقاط الصور وحتى الحلويات والتسالي التي أعدت باللون ذاته".


أما رزان سيف، فنشرت على صفحاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام" و"تيك توك" وغيرها، مقاطع طريفة وصورا لها تشبه باربي، والتي حصدت تفاعلا كبيرا وإطراء الكثير من المتابعين.


مؤخرا، وقعت فتيات في هوس الترند الرائج "باربي الوردي"، الذي اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي في صور وفيديوهات عديدة، ظهرن فيها وهن يرتدين ملابس باللون الوردي، وباستخدام خلفيات رقمية وحقيقية، "ثيم وفلاتر وردية" مزينة برموز "باربي"، يرافقها المقطع الغنائي الشهير "أنا فتاة باربي الوردية .. في عالم باربي الوردي".


جاء ذلك بالتزامن مع صدور فيلم "هاي باربي" في يوليو (تموز) الماضي، الذي لاقى تفاعلا من الجمهور، وشعبية مأخوذة من الدمية "باربي" التي لطالما مثلت نموذجا لمعايير الجمال والأنوثة المثاليين.


فتيات يتبعن تلك "الموجة" ويتماشين معها لتلبية صيحات الموضة التي باتت تبث بشكل يومي ومكثف لتحويل كل ما يمكن تحويله إلى اللون الوردي، حتى الطعام والشراب! ووراء كل ذلك آراء متعددة ما بين مؤيد ومعارض.


المختص في علم الاجتماع، الدكتور محمد الجريبيع يقول في تلك الظاهرة: "السوشال ميديا أصبحت تشكل أولوياتنا واحتياجاتنا.. وكيف نفكر والمفاهيم والثقافة لدينا، ولا شك أنها أصبحت أيضا تلعب دورا مهما وحيويا جدا في معايير الجمال ووضع مفاهيم للجمال من خلال قدرتها على تسويق بعض هذه المفاهيم ونشرها، وهنا تكمن أهمية هذه المنصات".


ويرى الجريبيع، أن ما يتم نشره من خلال ترند "باربي" الرائج هو "يطلي الجمال"، بمعنى أنه أصبح اللون الوردي هو يحدد معيار الجمال، ومواقع التواصل هي من خلقت هذه الثقافة والناس تأثروا بها. 


ولم يقتصر الأثر على الإناث فقط، بل وحتى الرجال، حيث أثرت على نظرتهم وشكلت لديهم اتجاهات جديدة حول اللون من خلال تمييزه ووضعه ضمن الأولويات. كما أسهم الإقبال الكبير على الترند في تعزيز النزعة الاستهلاكية والرغبة الشرائية لدى الفئات المتأثرة.


ويؤكد في السياق ذاته، على دور مواقع التواصل في استبدال مفاهيم ووضع أخرى لدى المجتمع سواء فيما يخص الجمال أو حتى الصداقة والزمالة والعلاقات على سبيل المثال، حيث أصبحت الكثير من القيم والاعتبارات والمبادئ تتحدث من خلالها.


حالة من الاستغراب انتابت سمر عبدالرحيم، وهي تتابع بالصدفة على "الستوري" الخاص بموقع "إنستغرام" حفلا صاخبا لمجموعة من السيدات اخترن "ثيم" باربي، حيث حددت صاحبة المنزل على جميع صديقاتها ارتداء اللون الزهري، بالتالي عدم قبول ارتداء أي لون آخر، وكانت الترتيبات كلها تحتوي على ألعاب باربي وحتى بألوان المشروبات والأطعمة المقدمة والأغنيات.


سمر ورغم أنها تؤكد، أن كل إنسان لديه الحق بالاحتفال بالطريقة التي تسعده ويراها مناسبة، إلا أن المبالغة في كل شيء وبكل تفصيلة كان واضحا، وهذا ما أثار استغرابها، حيث التأثر السريع والتقليد والركض خلف "التريند"، سواء كان هذا الشيء مناسبا أم لا. 


الجريبيع يعود ليؤكد، أن هذا كله ليس جديدا على فضاء الإنترنت المفتوح وثقافة "الترند" ومدى تأثيرها وسرعة انتشارها وقدرتها على التحكم في الآخرين وبناء معتقداتهم، بحيث أصبح هناك جيلا جديدا من الشباب والإناث متأثرين بثقافة جديدة وقيم جديدة شكلتها مواقع التواصل الاجتماعي.


بيد أن ذلك يعد سلاحا ذو حدين، فعلى الرغم من أن هذه المواقع مهمة، ولكن "لا يمكن أن نقبل كل شيء يبث عليها لذا، يجب أن يكون لدينا الوعي والإدراك في التعامل معها، وأيضا المحاكاة لهذه المعايير التي يتم وضعها ومقارنتها مع خلفيتنا الثقافية والاجتماعية والشخصية والدينية التي تربينا عليها".


وفي رصد لآراء مشاهدين حول الفيلم المثير للجدل "هاي باربي"، والذي انطلق منه الترند، تقول هديل الحيايا في تحليل نشرته عبر "فيسبوك": "دمية باربي المصنوعة للأطفال الواحد بتخيل أن الفيلم من بطولة أشهر الألعاب العالمية المخصصة لهذه الفئة ومناسبة لهم، ولكن أعتقد أن الفيلم قد تجاهل جمهوره الحقيقي لصالح أجندات معينة وحتى موضوعاته الرئيسية ومعظم المصطلحات الواردة فيه صعبة الفهم والإدراك لدى الأطفال".


وتكمل، "الفيلم متقن من الناحية الفنية ومضحك كوميديا لكن في اعتقادي هو يحارب منظومة القيم الأساسية المرتبطة بالأمومة، وهو ببساطة عبارة عن حرب بين الجنسين بهدف تعزيز الهيمنة الأنثوية، وكأن الرجال والنساء لا يمكنهم العيش معا بشكل إيجابي، إذ إن الفيلم يفتقر إلى روح العائلة والأسرة". وترى، أن الفيلم طرح أفكارا عديدة لا تتناسب مع قيمنا الاجتماعية.


ومن جانبها، علقت وفاء الطاهر: "للأسف التقنيات العالية والجودة من صوت وصورة وإخراج وإبداع في التمثيل يبهرنا ويسدل ستار المحتوى والمغزى الحقيقي للفيلم". ودعت الطاهر إلى التفكر والتحليل الصحيح والمنطقي لما نشاهده والغوص في المحتوى والهدف الحقيقي لما نراه".


فيما وجد كثيرون في "ترند باربي" كسرا لتلك النمطية السائدة المتمحورة حول السمات الجسدية والمظهر الخارجي للأنثى. من خلال تعزيز ثقتهن بأنفسهن وجمالهن الفريد على الرغم من اختلاف صفاتهن أو مسمياتهن الوظيفية. فضلا عن اعتقادهن بتركيز الفيلم على قدرة المرأة على العمل والمشاركة في مختلف جوانب الحياة والعمل والخروج من دائرة المثالية المرتبطة "بباربي" نحو الواقعية.


يذكر أن فيلم "هاي باربي"، حقق المرتبة السادسة بقائمة الأفلام الأعلى تحقيقا للإيردات خلال العام 2023، وتجاوزت 800 مليون دولار، وكانت تكلفة الإنتاج بلغت نحو 100مليون دولار. كما وشملت الحملة التسويقية له انتشارا واسعا وتعاونا عالميا مع العديد من الشركات والعلامات التجارية العالمية. وتم منعه من العرض في عدد من الدول العربية منها الكويت والجزائر ولبنان. ويشار، إلى أن نسبة 75 % من الأزياء التي ظهرت في الفيلم وارتداها الممثلون الذكور والإناث كانت باللون الوردي.

 

اقرأ أيضاً: 

"باربي بوتوكس".. صرعة تجميل يُزعم أنها تعالج آلام الظهر

الشركة المنتجة لفيلم "باربي" تعتذر عن السخرية من القنبلة الذرية