الحزب الأخطر في الأردن

د. محمود أبو فروة الرجبي

أخطر حزب في الأردن، لا يحتاج– قانونيًا- إلى تصويب أوضاعه، أو حتى التقدم بطلب ترخيص هو «حزب كيفما اتفق»، وربما كان هناك عدد كبير من المنتسبين لهذا الحزب، ولسوء الحظ أننا لا نعرف عددهم، ولكننا ندرك أن خطرهم كبير، ومؤثر على الـمجتمع والناس، وهناك بعض النماذج التي سأحدثكم عنها، لتعرفوا إذا كان يعيش شخص ما في محيطكم، وينتمي لهذا الحزب الذي كسر ظهرنا، وخرّب بيتنا، لأن أعضاءه يعتقدون أنهم أفضل الناس، بينما هم «سوس» ينخر في جسد المجتمع.اضافة اعلان
أعضاء هذا الحزب يتعاملون مع أمور الحياة بإهمال، ودون تخطيط، ولا يدرسون الواقع، ولا يفكرون بكيفية التعامل معه، فهؤلاء يعتمدون على الحظ، ولا يمكن أن يرهقوا أنفسهم بالتفكير بأي شيء، لأنه متعب بالنسبة لهم ويتطلب جهدًا، ولو دخلت في نقاش معهم، حول هذا الأمر لوجدت أنهم يستهزئون بمن يفكر، أو يخطط، أو يدرس الواقع حوله، بل تصل بهم ممارسة المغالطة العقلية – هم لا يعرفون هذا الـمصطلح طبعًا- إلى اتهام من يخطط ويفكر بالكفر، وعدم الاتكال على الله، أو بأنه مستغل، أو ضعيف أو مهزوم.
خطر هذه الجماعة كبير، وهي على فكرة جماعة كبيرة، وغير منظمة، ولكن على عكس الجماعات السياسية تكمن قوتها في أنها غير منظمة، يمكن أن تؤذي الـمجتمع، وتخربه، فمثلًا، أحد أعضاء هذه الجماعة واسمه (فريد زمانه وفذ عصره وأوانه) ينجب عشرة أطفال دون أن يكون قادرًا على الإنفاق عليهم، ثم ينتقد الحكومة والـمجتمع لأنهم لم يتمكنوا من الإنفاق عليهم، وكأن دوره في الحياة هو الإنجاب، ثم على الـمجتمع أن يتحمل تبعات ذلك، ولو تتبعت مسيرة هذا الإنسان، لوجدت أنه كان عاجزاً عن الإنفاق عن نفسه وهو عازب، فكيف وقد تزوج وأنجب عشرة، ولكنه في داخله يعتقد أنه عبقري، ومن المحرم عقلًا ودينيًا وقانوناً أن يحرم البلد من عشرة بائسين آخرين من صلبه يضيفهم إلى قوائم الفقر والحاجة والعالة على المجتمع.
الشخص الآخر الذي نتحدث عنه هو (السيد المهني)، هذا الشخص يعتبر نفسه يفهم في كل شيء، وينتقد أي شيء، ويحلم بأن يذهب إلى الـمحكمة ليرفع قضية على الحكومة لأنه تعثر بحصوة صغيرة في الشارع لا يزيد حجمها على حبة الحمص، ولأنه يتذكر بعض القصص المبالغ فيها التي قرأ عنها حول الخدمات السوبر التي تقدمها الحكومات الغربية لشعبها، يريد أن يصبح الأمر كذلك في بلدنا، وهذا حق مشروع، وكلنا نطمح إليه، وهو حق للمواطن، ولكنه في هذه القصة ينسى قضية مهمة، وهي أن الدول الغربية لديها مواطنون سوبر، منتجون، يدفعون ضرائب عالية، يلتزمون بالقانون، ولديهم انتماء حقيقي يجعلهم يرفضون الرشوة، وأي مخالفة للقانون، ولكن السيد المهني- ونأمل أن تكون نسبة أمثاله قليلة بين أبناء شعبنا الطيب- مهني في تعامله مع خدمات الدولة التي يجب أن تعطيه إياها، ولكنه ليس مهنيًا في عمله، فهو ليس متقنًا، يتهرب من دفع الضرائب، وقد يقطع شجرة ليتدفأ عليها، أو يسرق كهرباء– على اعتبار أن سرقة الدولة حلال-، أو يشارك في «طوشة» مع أقربائه، وقد يكسّر الممتلكات العامة غضبًا من أجل ابن عمه، لأن زميله في الجامعة (جحره بعينه).
وننتقل إلى الشخص الثالث الذي يستحق أن يكون الأمين العام لحزب (كيفما اتفق)، وهو شخص يظهر للناس وكأنه مثالي، فإذا كان وسط متدينين فإنه يتحول إلى متدين، ويتحدث عن الدين ليل نهار، ولكن كلامه لا يجاوز حلقه، فإذا كان الأمر يتعلق بانتقاد الآخرين، وقلة تدينهم، فهو يتحمس لذلك وأحيانًا يحب أمثال هؤلاء الحديث عن المرأة ودورها غير الـمقبول، وتقدمها غير المحبوب، وعند أول اختبار في الواقع، وحينما يشعر هذا الشخص بأنه سيدفع مالاً، أو يتكلف ثمنًا لرأيه يتراجع عنه، فهو مجرد ظاهرة صوتية، والـمشكلة أن الناس البسطاء يصدقونه، ويكررون ما يقوله دون إعمال العقل، أو تشغيل الفكر.
مثال آخر على هذا الشخص من يدعي الوطنية، وأنه يحب الوطن، وقد يصل بمثل هذا الشخص إلى القول إنه الوطن نفسه، ولكن الوطنية بالنسبة لهذا الشخص تعني حصوله على منصب عال في الدولة، أو أن يتم تصديره المجالس، والدوائر، وفي حالة تم إهماله، أو التعامل معه بعدالة – وهذا يعني عدم إعطائه أي منصب- فيتحول إلى عدو للحكومة والناس، ويصبح مظلوما، ومهمشًا، فيرى كل الناس حوله وكأنهم ظَلَمة، وهو المظلوم الوحيد في العالم، ثم نرى هذا الشخص يفتخر باسم عائلته، وجده العاشر وحينما تبحث عن إنجازاته لا تجده سوى عالة على الفكر والأمّة.
لو تحدثنا عن أعضاء هذا الحزب (كيفما اتفق) لاحتجنا إلى آلاف الكلمات، ولكن في هذه العجالة، يكفينا هؤلاء الثلاثة كنماذج، ومع معرفتنا التامة أن شعبنا طيب، وشهم، ومليء بالصفات الجيدة، ولكن أمثال هؤلاء يخدشون هذه الجمالية في وطننا، ولا بد أن نبحث عنهم، ونحاول تحجيمهم، وإقناعهم بالصمت الإيجابي على الأقل، وإلا فإن تأثيراتهم السلبية ستبقى واضحة أمامنا.
حمى الله بلدنا العزيز الأردن، ووطننا الحلم– الوطن العربي الكبير– من شرّ هؤلاء، وجعل نسبتهم قليلة بيننا، ونتمى ألا يصل أي منهم إلى البرلمان القادم، وأن تكون نتيجتهم صفرية، ويصبحوا الحزب الأقل عددًا في الأردن بحيث لو تقدموا بطلب ترخيص حزبهم فلا يجدون حمولة (بكب) ليذهبوا بهم للترخيص.