إرضاء الآخرين بتجاهل الذات.. هل يفقد المرء حقيقته؟

Untitled-1
Untitled-1
ربى الرياحي عمان- بعداء وتنكر تتعامل العشرينية مريم مع مشاعرها التي تصر على أن تظل مخفية عمن حولها، تتبع سياسة القمع لذاتها، وتعتقد أنها بهذه الطريقة ستكون محبوبة من قبل الجميع، وستصبح الأقرب لهم، لكن هذا الأمر يزيد من ضغوطاتها النفسية ويفقدها القدرة على البوح وتوضيح كل ما تشعر به إزاء موقف ما. تخشى مريم أن تخسر من تحب، وعليه تتجه للاحتفاظ برأيها لنفسها، مما يجردها من حقها في قول "لا" للخطأ. وهذا لأنها اختارت أن ترضي غيرها حتى لو على حساب نفسها، مبينة بأنها أصبحت تابعا للطرف الآخر، يحركها كيفما شاء، وتجد أنها لم تعد تشبه نفسها، بل باتت شخصيتها تفتقر لتلك الملامح الخاصة المميزة، مبينة أن هذا الضعف يتيح للآخر استغلال هذا العيب، وتحقيق مآرب دنيئة تخدم مصالحه الشخصية. خطأ كبير ومؤذ يرتكبه بعض الأشخاص في حق أنفسهم، هؤلاء بالذات يختارون أن يتصرفوا مع الاخر بخلاف طبيعتهم معتقدين أن تشويههم لشخصيتهم الحقيقية ومعاداتهم الصريحة لها هو شكل من أشكال الاحترام لمن حولهم وطريقة سهلة لكسب قلوبهم. تنازلهم عن الكثير من حقوقهم لأشخاص وإبداء القسوة تجاه ذواتهم يحولهم إلى نفسيات مهمشة ضعيفة لا قيمة لها. أما الثلاثينية غدير صلاح فتخاف دائما من أن تكون سببا في جرح من تحب وإيلامهم، لذا تقرر أن تتجاهل ما يسعدها ويحقق لها النجاح في سبيل إرضاء أشخاص تعتبر أن وجودها معهم هو القوة بالنسبة لها وابتعادها عنهم خسارة كبيرة لا تستطيع تحملها مطلقا. غدير، وبعيدا عن التفكير بمصلحتها تلجأ بدون أن تشعر لإيذاء نفسها واضطهادها.. لا تتردد أبدا في أن تضع وقتها تحت تصرف الآخر راضية بأن تضيع أجمل سنوات عمرها على أعتابهم، غير مبالية بحجم الأذى الذي تجلبه لذاتها. ضعفها أمامهم وشعورها باحتياجها الشديد لهم أسباب تدفعها لأن تؤجل كل المهام والالتزامات المطلوبة منها. تقبل غدير على فعل ذلك، مراعاة لمشاعر الآخرين ومن أجل أن تقضي معهم أطول وقت ممكن، رغبتها الدائمة في إسعادهم رغم عدم اكتراثهم بسعادتها تحول بينها وبين ضرورة إعطاء نفسها الأولوية والأهمية وتغيب عن ذهنها حقيقة مضمونها أنه سيأتي وقت عليها لن تجد سوى نفسها. سامر حسين شاب اعتاد على أن يرضى بظلم الآخر له، وبتلك الاتهامات التي قد تسلبه احترامه لذاته سامحا للكثيرين ممن حوله بتشكيل شخصيته حسب أهوائهم، متخليا بذلك عن حقيقته. موافقته لكل ما يقولونه أو يفعلونه تخلق منه حتما شخصا تسيره ظروف الآخرين غير قادر على اتخاذ أي قرار يخصه يظل مرهونا بآرائهم الجائرة في حقه. ويرى حسين أن تصرفه بهذه الطريقة وعدم دفاعه عن نفسه وتبرئتها من كل ما قد ينسب إليها أدلة قوية على احترامه له وتقديره لمشاعره، ويتغافل عن نقطة جوهرية تتلخص في أن كل من يخشى خسارتهم ويتفنن في إيذاء نفسه من أجلهم يوقنون بحقيقة ضعفه وصولا للاستغلال والاحتقار أحيانا. وحول ذلك، ترى الأخصائية النفسية الدكتورة سلمى بيروتي أن هناك أشخاصا في الحياة يبحثون باستمرار عن إرضاء الآخر حتى لو كان ذلك على حساب سعادتهم وراحتهم وهؤلاء تحديدا يهتمون كثيرا برأي من حولهم عنهم، كما أنهم يجهلون فهم ذواتهم، لا يعرفون أن قدرتهم على حماية أنفسهم تأتي من وعيهم بحقيقتهم ومعرفة حاجاتهم. وتضيف، الجميع دون استثناء يولدون ولديهم حاجة ملحة للتواصل مع من حولهم، موضحة أن أكبر ألم قد يتعرض له الإنسان هو افتقاده للغة التواصل. وتبين أن تأثرهم الكبير بما يقوله الآخرون عنهم هو نتيجة عدم تكوينهم لهويتهم بالشكل الصحيح وبصورة صحية بل تبقى قيد الإنشاء، وهذا حتما يتسبب في إرغامهم على بناء هويتهم وشعورهم بقيمتهم وبكفاءتهم وبانتمائهم، فقط من خلال تفاعلهم مع غيرهم. احتياجهم الشديد للآخر وخوفهم من فقدانه ومن عدم حصولهم على رضاه واستحسانه، يجعلهم يتنازلون عن كامل حقوقهم ومشاعرهم، وفق بيروتي، لكونه من وجهة نظرهم هو وحده القادر على إشعارهم بالقيمة والأهمية وهو فقط الذي يسقي هذا الشعور لديهم غير مكترثين بتلك المعاملة السيئة التي يتعرضون لها من قبل، كقلة الاحترام وعدم الاهتمام بهم وبآرائهم، المهم بالنسبة لهم أن يحافظوا على تواصلهم معه وانتمائهم إليه. وتذهب إلى أن إيذاء هؤلاء الأشخاص لأنفسهم وتصرفهم بقسوة معها هو في حقيقته يرجع لإدانة للذات أو قد يكون تقدير ذات متدنيا يمنعهم من التعبير عما يشعرون به بجرأة وشجاعة هؤلاء يكتفون بمجاراة الآخر وموافقته الدائمة على كل ما يقول حتى لو كان رأيه عنهم خاطئا، حاجتهم لأن يرضوا الآخر تدفعهم لإلغاء كلمة "لا" من قاموسهم، وترسخ لديهم تلك النظرة السلبية عن ذواتهم بالإضافة إلى أنها تجعلهم يتصرفون ضد مبادئهم ورغباتهم. وتوضح أن إدانة الذات تعني الشعور الكبير بالذنب تجاه تلك الحاجات الأساسية الموجودة لديهم أصلا والتي يحتاجون إليها، تفكيرهم بسلبية عن تلك الحاجات عندهم يعمق لديهم الإحساس بوجود خلل ما، وهذا الشعور بالطبع لا يولد معهم بل يتطور داخلهم بالتدريج من خلال تفاعلهم مع البيئة والأشخاص المحيطين بهم. وتضيف، اعتمادهم على تكوين صورتهم الذاتية بناء على تصورات من حولهم، وخاصة الأهل الذين يطلقون عددا كبيرا من الرسائل السلبية المنتقدة لأبنائهم هؤلاء يتسببون بخلق أزمة حقيقية لديهم تفقدهم القيمة بهويتهم وتدفعهم إلى التشكيك بذاتهم وبإنجازاتهم وحتى بإمكاناتهم. وتؤكد أن الإحساس بقيمتنا الذاتية يجب أن ينبع من الداخل حتى نستطيع أن نتحرر من ذلك العداء الذي نمارسه ضد أنفسنا مستندين في ذلك على تقديرنا الحقيقي لكل ما هو إيجابي في شخصيتنا. وتشدد على ضرورة تجنبنا لتلك المصادر الخارجية كالشهرة والغنى وتقبل الآخرين لنا، لأن جميعها قد تزول يوما ما. وقوفنا على أرضية صلبة يتطلب منا أن نؤمن بذواتنا وبتنمية بعض الأسس المهمة كالتفكير بالمستقل وتحمل المسؤولية الذاتية والإنتاجية والنضوج الفكري والعاطفي والتوكيد الذاتي، وبالتالي تحقيق الأمان النفسي لدى هؤلاء ليتمكنوا من التعبير عن كل ما يجول في دواخلهم بعيدا عن الخوف والتردد والاكتراث برأي الآخر.اضافة اعلان